على الرغم من أن عشرات الآلاف من أبناء عشائر الجنوب اندفعوا بقوة الى جبهات القتال حاملين لواء الجهاد الشريف دفاعاً عن وطنهم وحرائره، وتعالت في نفوسهم جذوة الغيرة العراقية الاصيلة، لم يثنهم بعد الارض ولا شراسة العدو ولم يقف بوجههم حر القيض أو زمهرير شتاء، بكل شرف وعفة سالت دمائهم الشريفة لتروي طمع الارض بها، فأرضنا طمعت بدمائنا حتى أشبعناها قرباناً لتنظف من شرذمة الخوارج.

على الرغم من أن العشائر قد دفعت بأبنائها الى تلك المعارك، إلا أن بعضها لازال يعاني من الجاهلية المقيتة التي تدفع بهم الى الاقتتال الداخلي المر، انه قتال الاخوة الذي تنبذه كل الشرائع مهما كانت الاسباب حتى اقتربت الحكومة من إعلان حالة الطوارئ في المحافظة في مؤشر على فداحة محنة المدينة، أغنى مدن العراق وأتعسها معيشة، تدخل في دوام قتال الاخوة في الدم والدين والمذهب، ولتجعل منها ساحة قتال وهي في أحوج حاجاتها لتكاتف الأخوة لتكوين جبهة قوية لمقاومة متغيرات الحياة القاسية التي تمر بها المدينة وهي تحاول جاهدة أن تقوم بمهامها مع عدم حصول المحافظة على حقوقها الكاملة من ثروات الوطن.

حرب العشائر تلك تعود بنا الى زمن الجاهلية حينما تتقاتل القبائل بينها وتدوم ثاراتها لعشرات السنين بحروب طاحنة كحرب البسوس والفجار ومن أجل ناقة وقرد !.. وها هي حروبنا تعود بعد مئات السنين من أجل ديك أو بلبل أو من اجل الماء أو لأسباب واهية لا ترقى لإراقة الدماء وقطع الطرق ونصب السيطرات على الشوارع والتحكم بمقدرات ملايين البشر ولتسقط هيبة الدولة الى أدنى مستوياتها بعدما تعجز الشرطة المحلية عن فض النزاع وإجبار الجميع على التوجه للقانون لضبط منظومة الامن في المحافظة.

حينما تفقد السلطة المركزية هيبتها وتعجز عن فرض النظام الكامل تبدأ العشائر بإنتهاز الفرصة لبسط سيطرتها وأخذ مكان الحكومة في تنفيذ القانون، لا أعتقد أن مشكلة ما ستحصل إذا اقتنع الجميع أن لا حق يضيع مع تطبيق النظام والقانون المشرع في البلد مهما كانت الحقوق المسلوبة فالقانون كفيل بإرجاعها فهو يمتلك الادوات الكاملة لإنجاز مهماته ولكنه الفساد الذي أصبح سمة عصرنا هذا من أضعف الثقة بقدرة الدولة على إسترجاع الحقوق، عسى أن نتمكن يوماً من تعزيز ثقة المواطن بالقانون والقضاء وقدرة القوات الامنية التي تعتبر جزءاً من الشعب.

مع عدم وجود القدرة العالية على امتصاص زخم تلك المعارك والانتهاكات الامنية من قبل العشائر؛ ستكون المحافظة عرضة لصراع طويل ومرير على النفوذ فيها من قبل العشائر التي تصطنع تلك المعارك لبث الرعب في نفوس ابنائها وستهدد مستقبل العراق بأجمعه فالبصرة الغنية بالنفط حين يخرج من ارضها أغلب نفط العراق عبر المنفذ البحري الوطني الوحيد، ستخنق العراق إذا ما أبقت الحكومة المركزية الوضع على ماهو عليه لتتكرر النزاعات وتندلع بعد حين هنا وهناك لتتأزم الامور ويتوقف تصدير النفط.

الحكومة مدعوة الى التدخل العاجل لإنقاذ المدينة من بعض العشائر المنفلتة والعمل وفق سياسة خاصة لفض النزاعات تلك عن طريق مجلس عشائري موحد يساند الحكومة المحلية ويكون عوناً لأهل المحافظة في تجاوز الازمات المتلاحقة، إذا ما آمنا أن لا مجال للتخلص من العشائرية التي فرضت نفسها علينا بقوة بعدما ضعف القانون وذهبت هيبته.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق