يبدو ان القرن الواحد والعشرين قد دخل التاريخ بكونه قرن التحالفات العسكرية الدولية فلم تمر دول العالم خلال التاريخ البشري كله بمثل هذا العدد من التحالفات في آن واحد وفي فترة قصيرة لم تتجاوز العام الواحد ليس لمحاربة دول أخرى أعلنت حربها علينا، بل لمحاربة عصابة أطلقت على نفسها الدولة الاسلامية في حين لا هي دولة ولاهي اسلامية. وللبعض الذي لم يطلع على أسماء تلك التحالفات لا بأس ان نعيد التذكير بها، وهي:

اولا:- التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ويضم اسميا 40 دولة أربعة منها دولا نووية هي أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل بالإضافة الى عدد من الدول الغربية المسلحة بأحدث الأسلحة مثل كندا وألمانيا وأستراليا وهولندا واسبانيا والدنمارك.

ثانيا:- التحالف الدولي بقيادة روسيا وهي دولة نووية أخرى ويضم تحالفها ايران وسوريا اللذان لا يستهان بقواتهما المسلحة.

ثالثا:- التحالف الاسلامي بقيادة المملكة العربية السعودية الذي اعلن عن انضمام دول اسلامية عربية وغير عربية اسلامية وغير اسلامية من افريقيا السوداء وأسيا وشمال أفريقيا يبلغ عددها 34 دولة لهدف معلن هو محاربة الارهاب. لكن الحقيقة وراء هذا التحالف مازالت غير معلنة وما يثير التساؤل حوله ورود أسماء دول لا تتوفر فيها مقومات الدولة، بل هي مجرد خطوط على الخرائط اضافة الى وجود دول ذات أكثرية مسيحية في مجتمعاتها. فالصومال وافغانستان وفلسطين والتوغو وبنين وساحل العاج وحتى اليمن لا تعتبر دولا بالمفهوم العلمي والسياسي ومن الناحية الاقتصادية لا تملك أكثرها مقومات حياة مواطنيها، وادراجها في قائمة تحالف عسكري يثير الاستغراب فالصومال التي ليس لها ناتج وطني يشبع حاجات مواطنيها ليست بحاجة الى الانضمام الى أي تحالف عسكري وانما للانضمام الى أي جهد مشترك ضد الجوع والفقر والجريمة التي اصبحت مهنة اكثرية الصوماليين.

التفسير الوحيد لذلك هو ان السعودية أرادت تجنيد الصوماليين المعدمين للقتال ضمن جيش من المرتزقة الذين توظفهم مقابل رشوة حكوماتهم ليحاربوا نيابة عنها في اليمن وفي مناطق أخرى كالعراق مثلا. وعتابنا بشكل خاص هنا لفلسطين التي كان من المفترض ان تترفع عن هذا التهافت المذل احتراما لنضال وتضحيات الشعب الفلسطيني. أما الدول المنضمة للتحالف فهي عدا ما ذكر آنفا، تركيا وتونس والمغرب والاردن ولبنان ومصر وباكستان وبنغلادش والسنغال وساحل العاج وغينيا والتوغو وبنين ونيجريا والغابون وماليزيا والمالديف ويجب ان لا يغيب عن البال ان الباكستان هي دولة نووية هي الأخرى. وبذلك تكون التحالفات الثلاثة قد ضمت ستة دول نووية.

وادا ما قدر لطلبة العلوم السياسية والتاريخ في جامعات العالم في القرن القادم أن يستعيدوا دراسة هده الظاهرة الفريدة لعصرنا فماذا عساهم أن يقولوا عن الدول التي انتمت لهذه التحالفات بعد أن يكتشفوا ان مجموع سكانها يزيد عن بليون ونصف البليون من الناس اضافة الى قدراتها العسكرية الهائلة في مواجهة عصابات داعش التي تواجدت في منطقة محددة من العراق وسوريا لم يكن لها طائرات أو سفنا حربية أو أسلحة ثقيلة. وما عساهم أن يقولوا عن دول انضمت لتحالف الـ 34 دولة وهي تعرف ان قادة التحالف الاسلامي هم ذاتهم دول ارهابية تمارس الارهاب ضد شعوبها وخاصة تجاه الأقليات القومية والدينية والطائفية التي تعتبر جزء من مجتمعاتها كالشيعة في السعودية والكرد والعلويين والمسيحيين في تركيا. فتركيا والسعودية تمول وتسلح وتحمي منظمات الارهاب مثل داعش وجبهة النصرة وهي لا تخفي ذلك أبدا ولنتمعن بما قاله مسئول تركي كبير بهذا الشأن.

في الثامن عشر من أكتوبر الماضي تحدث بكل صراحة ووضوح رنيس الاستخبارات العسكرية التركية أنادولي فيدان قائلا - "ان الامارة الاسلامية (ويقصد داعش) هي حقيقة واقعة وعلينا القبول بذلك، لأننا لا يمكننا الغاء منظمة مؤسسة بشكل جيد وذات شعبية، لهذا فاني أحث اصدقاني في الغرب لإعادة النظر بموقفهم من الاتجاه السياسي الاسلامي الحالي للمنظمة وعليهم تجاهل خطة بوتين للقضاء على الثورة الاسلامية السورية. فتركيا والسعوديون لا تعتبران داعش وجبهة النصرة منظمتان ارهابيتان بل حركتان اسلاميتان ثوريتان سوريتان تحارب الكافر الأسد وحلفائه الروس." وبعد هذا هل ما زال البعض يشك بأن تركيا التي تتواجد لها قوات عسكرية في مدينة الموصل العراقية هو لحماية وتعزيز وجود داعش في العراق..؟؟

فتركيا التي تدعي ان وجودها في الموصل لتدريب الجنود الاكراد العراقيين هو الكذب بعينه فهي ماضية في نهجها لبسط نفوذها على منطقة الموصل العراقية لتأمين وصول ناقلات النفط المسروق من سوريا والعراق الى داخل تركيا بالتعاون مع داعش. ويجب أن لا ننسى اتفاق تركيا مع رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني على اقامة قاعدة عسكرية في مدينة الموصل وتواجد دائم لقوات تركية خاصة فيها فهذه الخطوة قد جاءت لوضع اتفاق التحالف الاسلامي موضع التطبيق ما لبثت أن تلتها بخطوة أخرى لنفس الهدف.

ففي الثامن عشر من هذا الشهر أي بنفس اليوم الذي صدر فيه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بوقف فوري لإطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة في سوريا يبدأ في الاسبوع الأول من ينايركانون الثاني 2016 تمهيدا لبدء المفاوضات للاتفاق حول حل سياسي للازمة السورية. لكن السعودية وتركيا وقطر امتنعت عن الامتثال للقرار هي ومنظماتها الارهابية المدعومة من قبلهم في سوريا. وفي اليوم نفسه وقعت تركيا وقطر اتفاقا لإقامة قاعدة عسكرية فيها تكون مقرا لأكثر من 3000 عسكري بكامل تجهيزاتهم وهو أمر لم يكن ليتم دون موافقة الأمريكيين. فماذا يعني رفض الالتزام بقرار وقف اطلاق النار..؟؟

عدم موافقة أردوغان على قرار مجلس الأمن الدولي يكشف حقيقة نواياه لفرض هيمنته وتحالفه المشبوه على أجزاء من سوريا والعراق بأمل أحياء التاريخ الامبريالي لتركيا العثمانية. واذا وجد في العراق من يدعم أحلاما جنونية كهذه مثل طارق الهاشمي النائب السابق لرئيس جمهورية العراق نكاية بما يعتبره هيمنة شيعية فهو وأمثاله على خطأ فليس بين الشيعة والسنة بما فيهم الكرد من يسمح لنفسه بالقبول بانتهاك سيادة العراق أو التخلي عن جزء من ترابه الوطني. ((باستثناء أولنك القلة الذين اختاروا تركيا أو اسرائيل أو ايران بديلا عن العراق)).

فالدفاع عن الوطن قناعة عراقية أصيلة متوارثة أبا عن جد بصرف النظر عن القومية والطائفة والدين. أردوغان ماض الى نهايته السياسية بعملية متسارعة لم يتوقعها فالحركة الكردية التي خدعت بوعوده الديماغوجية وعت أخيرا خطأ توقيع اتفاق سلام مع القوميين الترك تنتفض أخيرا وهي مصممة على تحقيق النصر. والى المصير المخزي نفسه يتسارع انهيار النظام السعودي الذي استنفذ مبررات وجوده وما علينا الا الانتظار لنرى النهاية التاريخية لأقبح صور الاسلام انتهاكا لإنسانية الانسان وأكثرها رجعية وتخلفا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق