لملامح اليتم في الأطفال شكلها الفريد دون غيرها.. إذ يستطيع اغلب الناس تمييزها فيهم وبسهولة.. فالعيون اللامعة تختفي، والوجوه المشرقة تنطفئ، والصوت المتعالي والصارخ يبدأ بالاضمحلال شيئا فشيئاً، حتى الجسد يكسوه الهزال بدل النمو والنشاط.

في طريق الحسين (ع) يختلط الناس من كل حدب وصوب، كبير صغير، شاب، رجل، امرأة (ارملة او عزباء)، طفل.... او طفل يتيم، يسيرون نحو منارة العاشقين، تظللهم وتحميهم ملائكة السماء، ويطعمهم ويسقيهم عاشقو الحسين على الأرض، ويزيد من رباطة جأشهم حب أزلي لا تهزه غربان سود، ولا تهديدات من مجهولي النسب والهوية، حباً لمن مات عطشاناً سليباً مخضباً بالدماء. واغلبهم فقدوا عزيزاً او حبيباً او أباً او أماً...

لكن في هذه المسيرة العظيمة، تروي طفلة بعمر الزهور جزء من قصة حياتها....

- إسمي مريم....

- عمري 5 سنوات....

- أسكن مع أختي الكبرى ...

أبي يناديني غاليتي... وأمي تناديني بأسماء عديدة لا أتذكرها كلها.. في الحقيقة لا اعلم ماذا كانت تناديني بالضبط فذكرياتي حولها مشوشة.. أتذكر عن حياتي معها صورا واحداثا كثيرة لكنها ليست منظمة بما يكفي.. اتذكر صوتها ودفء يدها، ابتسامتها عندما تقدم لي الطعام....

اتذكر دحرجتها لي على رجليها عندما تريد مني أن أنام.. وكيف كانت تقبلني من طرف ووالدي من طرف اخر لينطبق خدي على اسناني... لأموت ألماً وحباً بهما...

بسبب طولها الباهر، وشكلها الفتان، وأناقتها المميزة التي كانت تجذب الانظار، منعها والدي من الخروج الكثير غيرةً وخوفاً عليها، عندما توفيت أمي، كانت في منتصف الأربعين لكن زواجها المبكر جعلها تمتلك اولاداً وبنات يقاربونها عمرا.

ارجوكِ اشطبي كلمة توفيت واستبدليها بكلمة استشهدت....

فأمي لم تمت بل حية ترزق كباقي الشهداء....

لقد تذكرت..

كانت تناديني عصفورتي ولكن منذ أن رحلت اكتشفت بأني لست عصفورة، لأني لم استطع أن احلق خلفها الى الجنة...

استشهدت امي قبل سنة تقريباً.... كان يوما عصيباً على الجميع.. إلا والدي لأنه لم يكن معنا...

فقد كان ذاهبا الى زيارة سيد الشهداء، ورفض أخذها معه خوفاً عليها من خطورة الطريق والتفجيرات الارهابية التي كانت تستهدف الزائرين... لكن خوفه عليها لم يؤخر من أجلها فقد شاءت الاقدار أن يكون أجلها أقرب.... فخرجت لتلبي بعض احتياجات المنزل.... خرجت ولم تعد، فقد استشهدت بسبب الانفجار الذي حصل في السوق القريب من منزلنا....

رحلت وتركتني يتيمة....

كثيرا ما اسمع عن اليتم ولكن ما يتحدث عنه الاطفال من يتم يختلف عن يتمي....

فصديقتي يتيمة الأب، لكن أمها تسكن معها تغطيها، تقبلها، تدفّئها، تغمرها بعطر أنفاسها، لتنام في فراشها براحة وطمأنينة.

لكني يتيمة الأم..

على الرغم من محاولات اختي لتعويضي عن ما تركه فقد امي، لكني اشعر بضيق في صدري وخلجات تعتصر أوردتي، أحتاج اليها كل يوم وكل حين بل كل لحظة، فعطفها أشمل واوسع من كل شيء، وحضنها دفء لي في شتائنا القارص، وأنس لي في حر الصيف...

تركني والدي عند اختي لأنه عجز عن تقديم وتلبية جميع احتياجاتي.. فأنا طفلة ويتيمة في وقت واحد...

فانتكاسته بفقدانها جعلته مشتتا ومتعبا في كل وقت، وممّا يزيد من ذلك وجودي قربه، لأنني اذكره بأمي في كل وقت.. فأبعدني عنه قليلا والتجأ للوحدة...

أسير الآن نحو كربلاء مع والدي، رغم خوفه عليّ، لكن القدر اثبت له بأن آجالنا مكتوبة، لا يغيرها سكون في بيت او خروج في طريق قريب او بعيد، فاستشهاد امي كان له أكبر دليل على ذلك...

وطلب مني ان اهدي خطواتي لأمي الحبيبة، التي أعدها أنني سأبقى أحبها للأبد..

ارجوا ممّن يستطيع الطيران ان يخبر أمي إني أحبها واشتاق إليها كثيراً...

اضف تعليق


التعليقات

Malak
Iraq
روعة احسنت2015-12-09
عطر الياسمين
العراق
الله لا يحرم كل طفل من اهله2015-12-11