توقع كثيرون أن تقوم روسيا برد انتقامي ضد تركيا عقابا على اسقاطها الطائرة العسكرية المقاتلة في شمال سوريا، وبعيدا عن العصبية القبلية التي يتصف بها بعضنا فان المياه ستعود للجريان كالسابق وتختفي لغة التهديد والوعيد. ويعود الفضل لطبيعة الأوربيين الهادئة والواقعية التي يتحلون بها في مثل هذه الحالات وخاصة وان المصالح الاقتصادية والسياسية هي التي تتحكم في الكثير من قراراتهم وبخاصة عندما ينشط وراء الستار شخصيات على قدر عال من الحكمة والتروي يعترف بها كلا من روسيا وتركيا. فقد تدخلت المستشارة الألمانية ورئيسا كل من بريطانيا وفرنسا ولا يستبعد أن يكون أوباما قد تدخل أيضا رغم تصريحاته يوم الحادث التي جاءت لإرضاء معارضي سياسته من المحافظين الجدد في مجلسي الكونغرس.

لكننا هنا سنناقش المواقف التركية من الحرب المزعومة على الارهاب ودوافعها الرئيسية من الهجوم المبيت الأخير على الطائرة الروسية المقاتلة التي تدعي انها اخترقت اجواءها رغم التحذيرات التي وجهت لقائد الطائرة. فكما هو معلن ومعروف ان تركيا حليف الأمريكيين والاسرائيليين والسعوديين والقطريين في السعي لإسقاط نظام الأسد وهي لا تخفي ذلك لكنها تكذب في موضوع حربها على الارهاب فهي على العكس ترعاه وتدعمه بكل قوة. أما داعش فهي في حلف أيديولوجي واقتصادي معها وتكرس تركيا كل امكاناتها البوليسية للحفاظ على خطوط تمويلها وامدادها بالأسلحة والدفاع عنها عند تعرضها للتهديد حتى لو تطلب دلك الدخول في حرب مع جيرانها.

ومن أجل استمرار حلفها القائم على المصالح المتبادلة تسمح تركيا لداعش ولجبهة النصرة وقوات من القوميين الاتراك ذي العقيدة الفاشية بالتواجد والنشاط المسلح داخل الشريط الحدودي وضمن مساحة تصل الى 80 كلم مربع على الجانب السوري من الحدود. وتحاول تركيا الاحتفاظ بهذه المنطقة بأمل اعلانها منطقة حظر جوي تبقيها تحت نفوذها حتى بعد سقوط النظام السوري الحالي واسقاط الطائرة الروسية المقاتلة في المنطقة ذاتها هو اجراء أرادت به اشعار الروس بذلك واجبارهم على تحاشي النشاط العسكري في منطقة الحظر الجوي مستقبلا.

وقد زودت الولايات المتحدة أخيرا هذه القوى الارهابية الموالية لتركيا المصنفة أمريكيا بكونها معارضة معتدلة بأحدث الأسلحة بينها صواريخ ضد الدروع والطائرات على علو منخفض والتي استخدمت بإسقاط طائرة الهيلوكوبتر الروسية ومقتل قائدها أثناء محاولته انقاذ قائدي الطائرة العسكرية التي أسقطتها داخل الأراضي السورية. ولا شك تابع القراء الأعزاء الشاشات الصغيرة ولاحظوا تجمع مقاتلي تلك " المنظمات المعتدلة " حول جثة الطيار المغدور وسمعوا صراخهم النشاز "الله أكبر" الذي تردده داعش بعد قطع رؤوس ضحاياها في سوريا وفي العراق.

تركيا التي تحاول جاهدة فرض وجودها في هذه المنطقة تستخدم شعار الحرب على الارهاب لقمع الحركة الكردية الديمقراطية هناك وهي من أجل ذلك أعلنت حربها على الأسد لتستقطع هذه المنطقة وتفرض عليها نظامها البوليسي وتشريد من لم يحتمل العيش في ظل القمع التركي الفاشي. وقد وجدت في داعش حليفا موثوقا في هذا السعي بالاضافة الى توظيفها لخدمة مصالح اقتصادية عائلية بحتة. فداعش تهيمن على ابار استخراج النفط السورية وعلى مصافي تكريره في العراق في مدينة بيجي ويتم نقل تلك المنتجات النفطية بالناقلات الى داخل تركيا واعادة تصديرها الى خارجها. يهيمن على تجارة ونقل المنتجات النفطية عائلة البرزاني في العراق وعائلة الرئيس أردوغان نفسه في تركيا. فابن الرنيس التركي بلال أردوغان يمتلك وحده حوالي 500 ناقلة نفط تتنتقل عبر الحدود السورية التركية بانتظام تحت رقابة وحماية الطائرات الامريكية داخل سوريا والعراق. وللعلم ان تجارة النفط غير المشروعة هذه ليست فقط ثروة مسروقة من الدولة السورية والعراقية بل وتتم بالتواطؤ مع منظمات ارهابية تدينها غالبية دول العالم وكان مجلس الأمن الدولي قد أكد ذلك في قراره الأخير قبل اسبوعين.

قيام تركيا بإسقاط الطائرة المقاتلة الروسية أخيرا جاء بعد أن قامت الطائرات الروسية بقصف خزانات الوقود في سوريا التي تسيطر عليها وتديرها داعش وكدلك قصف اسطول ناقلات النفط المسروق التي كانت في طريقها الى داخل تركيا عبر سوريا. الطائرات الروسية ليست فقط وجهت ضربة مميتة لداعش لانها تمنعها من أهم مصادر التمويل لكن بنفس الوقت حرمت عائلة أردوغان من مئات ملايين الدولارات سنويا هي الأخرى. وليس من الصعب بعد هذا تفسير الغضب التركي من التدخل الروسي لحماية مصالح الدولة السورية وتعزيز سيادتها على ثرواتها وأراضيها وحماية الشعب السوري من العابثين بأمنه وسلامة أبنائه.

الرد الروسي على الموقف التركي الممالئ للارهاب الدولي في سوريا سيكون متعدد الأوجه وعلى مراحل بهدف تغيير ميزان القوة لصالح سيادة الدولة السورية. ومن المتوقع أن تقوم روسيا كخطوة أولى بغلق المجال الجوي في شمال سوريا على الطائرات التركية بمعني اقامة حظر جوي سوري في تلك المنطقة تحرم على الطائرات التركية اختراقه. ومن المحتمل أيضا تكثيف عمليات القصف الجوي على مناطق تواجد وأوكار القوات الارهابية (داعش والقاعدة وأحرار الشام وغيرهم) في شمال سوريا واستئصالها واجبار المتبقي منها على الهرب الى داخل تركيا بما فيهم القوميين الاتراك الذين أتت بهم تركيا الى المنطقة والذين يعملون كطابور خامس لتعزيز الهيمنة التركية على هذا الجزء المهم من سوريا.

وليس من المستبعد أيضا أن تتقدم روسيا بدفع من الحكومة السورية والعراقية بطلب الى مجلس الأمن الدولي لفتح تحقيق جنائي دولي في عمليات سرقة النفط السوري والعراقي تمهيدا لتقديم الجناة الى محكمة دولية هذا من جانب، ومن جانب آخر تقديم الأدلة الكافية لتقديم تركيا بكونها دولة ترعى الارهاب الدولي بسبب تعاونها مع منظمة داعش التي تعتبرها الأمم المتحدة منظمة ارهابية. والسعي الدؤوب عبر مجلس الأمن الدولي لإجبار تركيا على دفع تعويضات مالية تلزم بدفعها الى الدولة السورية والعراقية عن سرقة ثرواتهما النفطية منذ بدء نشاط داعش في الدولتين والتي كان لتركيا يدا فيها ومصلحة مادية للعائلة الأردوغانية الفاسدة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق