وصول حزب العدالة والتنمية التركي وأردوغان إلى البرلمان بأغلبية مطلقة، أثار الكثير من موجات الارتياح والشعور بالنصر والافتخار لدى شخصيات وفعاليات الإسلام السياسي العربي.. وأعاد هذا الفوز الكاسح الكثير من الطموحات السياسية لدى جماعات الإسلام السياسي العربي..

ولو تأملنا في خلفية هذا الارتياح والذي يصل في جوهره إلى الشعور المباشر بالانتصار وكسب جولة سياسية كبرى في المشهد التركي، وتأثير هذا الفوز على ملفات أساسية في المشهد العربي.. فالإسلام السياسي العربي، ومن جراء مآلات الربيع العربي في العديد من الدول العربية، شعر بالكثير من اليتم بالمعنى السياسي، وتبخرت الكثير من الآمال والطموحات السياسية، التي تجددت من متغيرات الربيع العربي إلا أن المآل الأخير لتطورات الربيع العربي أعادت الأمور إلى حالتها الطبيعية على المستويين السياسي والأيدلوجي لدى جماعات الإسلام السياسي العربي.

ولم يبق لدى هذه الجماعات إلا الرهان في طموحاتها السياسية وتغيير بعض المعادلات السياسية القائمة إلا على الزعيم التركي..

وإخفاقات هذا الزعيم في تركيا، القت بظلالها السياسية المباشرة على جماعات الإسلام السياسي العربي.. وعلى ضوء هذه الخلفية تم التعامل مع انتصار أردوغان المطلق الأخير، بوصفه انتصارا لجماعات الإسلام السياسي العربي وبالذات تلك الجماعات التي تتغذى فكريا على مقولات الإخوان في مصر.. فأضحت تركيا بإدارة حزب العدالة والتنمية بمثابة الرافعة السياسية والأيدلوجية لجماعات الإسلام السياسي العربي، وأصبح أردوغان هو الزعيم الكبير الذي يحظى بتأييد مطلق لدى هذه الجماعات..

ووفق المنظور السياسي والاستراتيجي في المنطقة العربية ومعادلاتها الداخلية والخارجية، فإن ما جرى من تحولات سياسية وتطورات مجتمعية ما اصطلح على تسميته ب (الربيع العربي) يعد ظاهرة سياسية جديدة في المنطقة.. وبصرف النظر عن مآلاتها وخواتيمها السياسية والاجتماعية، فإن المنطقة من جراء هذه التحولات، دخلت في مرحلة جديدة على أكثر من صعيد.. وهذه المرحلة الجديدة لها آفاقها السياسية وتحدياتها المباشرة وخريطة أولوياتها المتعددة.. فلأول مرة في التاريخ المعاصر والحديث للعرب، يتمكن الشارع العربي في دول الربيع العربي من فرض إرادته وتغيير المعادلات السياسية القائمة، وتشترك جميع شرائح المجتمع بفعالية في الميدان السياسي من أجل إنهاء أوضاع سياسية واقتصادية شاذة وبناء أوضاع سياسية جديدة، تعيد الاعتبار إلى قيمة الديمقراطية والمشاركة الشعبية بوصفها من عناوين الشوق التاريخي للشعوب العربية في العصر الحديث..

وعليه فإن ظاهرة التحولات السياسية الكبرى والتي تسالم الغالبية على تسميتها ب(الربيع العربي) هي ظاهرة في أسبابها المباشرة وآمالها وطموحاتها الوطنية ظاهرة عربية ومن صنع الإرادة العربية.. ووجود إرادات دولية أو إقليمية أخرى تفاعلت أو انسجمت ضمن حدود مصالحها الآنية والمستقبلية مع تطورات هذا الحدث الضخم، لا يلغي حقيقة أنها تحولات صنعتها الإرادة العربية الباحثة عن العدل والإصلاح والحرية.. وهذه التحولات بطبيعتها وبآفاقها السياسية ومتغيراتها الاجتماعية، ستدشن لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة السياسي والاجتماعي..

وما نود أن نتحدث عنه في هذا السياق ونرصده هو تيارات الإسلام السياسي ومحنة الربيع العربي وكيف طورت هذه التحولات على العلاقة بتركيا اردوغان.. بمعنى كيف تساهم قوى الإسلام السياسي في الاستفادة من هذه التحولات وتزخيمها اجتماعيا للوصول إلى أهدافها، وما هي طبيعة التحديات التي تواجه الإسلام السياسي على ضوء تحولات الربيع العربي؟

منذ اللحظة الأولى لإفشال هذه التجربة وتعويق مسارها وخلق المشكلات والعقبات والصعوبات في طريقها.. والذي عجل هذه القوى في نجاحها في مشروعها، هو وقوع قوى الإسلام السياسي في أخطاء وخطايا لا تنسجمان وتاريخ هذه القوى النضالي والسياسي..

وأمام هذه المحنة الجديدة وذات الأبعاد السياسية والاجتماعية المركبة نرى أهمية أن تلتزم قوى الإسلام السياسي بالنقاط التالية:

ألا تحيد عن منهجية العمل الديمقراطي، حتى لو انقلب الآخرون على الديمقراطية؛ لأن عدم الالتزام بالديمقراطية سيقود ضمن الأحداث والتطورات السياسية التي تجري إلى إعادة إنتاج نظام سياسي أكثر استبدادا وقمعا.. لذلك ومن أجل وقف الانحدار السياسي، من الضروري أن تستمر القوى الخاسرة من الجولة الحالية بالتشبث بالديمقراطية والعمل الديمقراطي..

نبذ خيار العنف والإرهاب وفك الارتباط ورفع الغطاء عن كل المجموعات السياسية والدينية التي تمارس العنف وتستخدم الإرهاب.. لأن هذا الخيار يقود بلدان الربيع العربي إلى كوارث سياسية وأمنية واجتماعية.. وإن عدم مبادرة قوى الإسلام السياسي بنبذ هذا الخيار ورفع الغطاء عن مستخدميه، سيحمل من الناحية السياسية والاجتماعية وزر كل العمليات العنفية والإرهابية جماعات الإسلام السياسي.. لذلك ثمة ضرورة سياسية ووطنية وإسلامية إلى الإسراع في رفض هذا الخيار ونبذه ورفض كل مبرراته وأعماله..

إعادة الاعتبار على المستويين السياسي والاجتماعي إلى خيار التسوية والمصالحات الوطنية الواسعة لأنه لا يمكن أن تتبنى ديمقراطية في ظل انقسامات اجتماعية حادة، كما أنه لا يمكن المحافظة على الاستقرار السياسي مع غياب فكرة المصالحة الوطنية التي لا تستثني أي طرف من الأطراف.. فالتحولات الديمقراطية الكبرى بحاجة باستمرار إلى تحكيم خيار التسويات السياسية الواسعة التي تقود إلى خلق إجماع وطني جديد يحول دون عودة الاستبداد السياسي.. ولا يمكن اليوم لأي طرف أن يتفرد في المشهد، وسعي بعض مؤسسات الدولة العميقة للاستفراد بالمشهد لن يحالفه النجاح..

أقول إن إخفاقات جماعات الإسلام السياسي في مرحلة الربيع العربي ومتوالياتها الأمنية والسياسية والإستراتيجية، هي التي دفعت هذه الجماعات للالتصاق والرهان على الزعيم التركي، وإيمان هذه الجماعات العميق أن ظهيرنا الإسلامي، هو القادر على إعادة هذه الجماعات إلى تصدر المشهد وكسر القوى المعادية المذهبية والسياسية.. لهذا فإن قدرة حزب العدالة والتنمية التركي على الحصول على فوز مطلق في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تؤهله إلى تشكيل حكومة وحده، هو الذي أجج الآمال وأعاد جذوة الطموحات السياسية والأيدلوجية لدى جماعات الإسلام السياسي العربي.. ونحن نعتقد أن تركيا بثقلها السياسي والاستراتيجي قادرة على تصدر المشهد السياسي في المنطقة العربية، ولكن الرهان المطلق عليها لا يوصل إلى نتيجة فعلية لجماعات الإسلام السياسي العربي.. وهذا الرهان قد يوقف بعض التداعيات في المشهد الليبي والمصري، ويخلق توازنا استراتيجيا مع إيران، إلا أنه لا يتمكن من إعادة هذه الجماعات إلى تصدر المشهد السياسي.. والفرح العارم الذي أبداه كوادر هذه الجماعات نتفهمه في هذا السياق ولكن لا نتفهم الرهان المطلق عليه.. فتركيا ستعيش في الفترة القادمة مرحلة تداعيات الملف السوري.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق