q
فالنية هي التي تعطي لوناً لهذا العمل، فهل هذه الصلاة تقرب الإنسان إلى اللّه سبحانه وتعالى فيستحق عليها الثواب، أو تبعده عنه فيستحق عليها العقاب إن العمل مركب من أمرين أحدهما أعمال الجوارح والآخر القصد وهو النية، وهذان جزءان في أي عمل اختياري نقوم به...

قال اللّه تعالى في كتابه الكريم: {وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابٗا وَخَيۡرٌ أَمَلٗا}(1).

1- النية

طريقة الإنسان في تفكيره هي التي ترسم مستقبله وحياته؛ لذا على الإنسان أن يصحح نمط تفكيره، فقد يكون كسولاً، وذلك بسب خطأ في منهجية الفكر، وقد يفكر ويقول: أنا عندي أموال وهذا يكفي أن أعيش حياتي، ولا أحتاج إلى أحد، فيترك العمل.

لكن هذا النمط من التفكير مرفوض؛ بل الكسل من أسباب الدخول في جهنم؛ لأن الإنسان الكسول يتماهل عن أداء تكاليفه؛ وذلك يؤدّي به إلى السقوط في ترك الواجبات وارتكاب المحرمات.

لذا نلاحظ في الآيات تركيز كبير على النية؛ فقد ورد في الحديث الشريف: «نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله، وكل عامل يعمل على نيته»(2).

والنية ليس بمعنى التمني؛ لأن التمني يعني أن يجلس الإنسان في مكان ويتمنى كل شيء، كأن يكون أعلم العلماء، وأثرى الأثرياء، وأكبر الكبراء، وغير ذلك. وأمّا النية فتعني أن يقصد الإنسان أمراً ليعمله.

إن الإنسان إذا كانت صلاته رياءً تكون باطلة، بل محرمة، قال تعالى: {فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ}(3)، وويل وادٍ في جهنم، حسب الروايات(4).

والرياء هو أن يقصد الإنسان بصلاته أن يراه الآخرون، فتصير له سمعة وذكر طيب مثلاً، هكذا يتوهم، في حين أن المحرمات لا تسبب الذكر الطيب، وإن انخدع به الناس لبعض الوقت، لكن اللّه سبحانه وتعالى سيكشف سوء سريرته.

إذن، فالنية هي التي تعطي لوناً لهذا العمل، فهل هذه الصلاة تقرب الإنسان إلى اللّه سبحانه وتعالى فيستحق عليها الثواب، أو تبعده عنه فيستحق عليها العقاب؟

إن العمل مركب من أمرين: أحدهما: أعمال الجوارح والآخر: القصد وهو النية، وهذان جزءان في أي عمل اختياري نقوم به، فجزء منه عمل وجزء قصد. فإذا كانت النية سليمة فيكون في العمل فضيلة وإلّا فلا.

لقد ورد في الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة أن الكفار والمنافقين مخلدون في نار جهنّم، فلو أن شخصاً ارتكب المعاصي وعاش في هذه الدنيا ستين أو سبعين سنة، وكان كافراً فإنه سوف يكون مخلداً في النار، فلماذا يخلد في النار؟ وهذا ما أجاب عنه الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: «إنّما خلد أهل النار في النار لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا اللّه أبداً، وإنّما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا اللّه أبداً، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالى: {قُلۡ كُلّٞ يَعۡمَلُ عَلَىٰ شَاكِلَتِهِۦ}(5) قال: على نيته»(6).

إن اللّه سبحانه وتعالى يقول عن أهل النار: {وَلَوۡ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنۡهُ وَإِنَّهُمۡ لَكَٰذِبُونَ}(7)، فلو أن اللّه سبحانه وتعالى أرجع المنافق والكافر ـ مع أنه الآن في أشد أنواع العذاب ـ إلى الدنيا لفعل ما كان يفعله من قبل، ولو خلد في هذه الدنيا فسوف يستمر في المعاصي، فعلى هذه النية يخلده اللّه سبحانه وتعالى في النار لاستحقاقه لها، وكذلك المؤمن يخلد في الجنة بفضل اللّه؛ لأن نيته لو خلد في الدنيا يبقى على الطاعة والإيمان.

وبناءً على ذلك، ينبغي علينا أن نصحح طريقة تفكيرنا أوّلاً، ثم عملنا تبعاً لتصحيح النية، فهذه الطريقة من الفكر تسبب السعادة للإنسان.

2- الأمل

ثم بعد ذلك يأتي دور الأمل، وهو يرتبط بفكر الإنسان فالأمل من الأمور المهمة التي إذا روعيت فيها الموازين فسوف تكون سبباً لتقدم الإنسان، لكن إذا صار فيه إفراط أو تفريط فسوف يسبب سقوط الإنسان، فالعامل يذهب إلى العمل، والزارع يزرع ويعمل ولا يحصل على شيء في اليوم الأوّل، لكنه ينتظر عدة أشهر ليقطف الثمار؛ كل ذلك لأنه عنده أمل بأنه عندما يسقي الزرع فسوف يقطف الثمار بعد فترة، فإذا لم يوجد عنده هذا الأمل كان يائساً لا يعمل؛ لذا يُعد اليأس من رحمة اللّه سبحانه وتعالى من أكبر المحرمات، قال اللّه تعالى: {إِنَّهُۥ لَا يَاْيۡ‍َٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ}(8)، فالذي ييأس من رحمة اللّه سبحانه وتعالى يرى الطريق مسدوداً أمامه؛ فلا يكون له مانع عن ارتكاب المعاصي، حيث يقول: إن مصيري إلى جهنم سواء صلّيت أم لم أصل، صمت أم لم أصم، وقضية حميد بن قحطبة معروفة(9)، حيث قتل ستين علوياً في ليلة واحدة، فيأس من رحمة اللّه تعالى، وأدّى به ذلك لترك سائر الواجبات وارتكاب كل المحرمات.

إن كثيراً من الناس تحولوا إلى مجرمين كبار لأنهم ارتكبوا بعض الجرائم الصغيرة فيئسوا من رحمة اللّه، فدخلوا في مستنقع الرذيلة، ولم يخرجوا منها إلى أن توفتهم ملائكة العذاب، في حين أن الأمل برحمة اللّه سبحانه وتعالى يؤدّي بالإنسان إلى تصحيح أعماله، فمن ارتكب معاصي لسنوات ـ كأن ترك الواجبات وفعل المحرمات ـ وكان عنده أمل برحمة اللّه سبحانه فسوف يصحح ما فاته.

3- التوبة

إن اللّه سبحانه وتعالى فتح باب التوبة بفضله ورحمته، مع أن قبول التوبة غير لازم، وأمّا في القوانين الوضعية فلو ندم المجرم ألف مرّة فغالباً لا يفيده، بل يعاقب على فعله.

إن اللّه سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان ليعذبه، وإنّما خلقه ليرحمه، كما قال تعالى: {إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمۡۗ}(10)، أي: للرحمة خلقهم؛ لذا فقد جعل اللّه سبحانه وتعالى باب التوبة مفتوحاً لكي يصحح الإنسان خطأه إذا أخطأ، فإذا كان في حقوق الناس فيجب عليه أن يؤدّيها، ويندم ويستغفر اللّه سبحانه وتعالى، وإذا كان في حقوق اللّه سبحانه وتعالى فيندم ويستغفر، ويقضي ما فاته من واجبات. إن اللّه سبحانه وتعالى فتح باب التوبة لكي لا يصل الإنسان إلى درجة اليأس فينغمس في المحرمات، ولا يرجى له عود.

نعم، إذا طال الأمل فهو مذموم، ومعنى طول الأمل هو أن يسوّف الإنسان في أداء الفرائض والتكاليف؛ قال اللّه تعالى: {وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ}(11).

فعلينا أن نستثمر أوقاتنا، وخصوصاً شهر رمضان المبارك؛ لأن أبواب رحمة اللّه سبحانه وتعالى مفتحة على مصراعيها، فينبغي على الإنسان أن يستثمر هذا الشهر لتصحيح فكره، وتقوية عقيدته، وتصحيح عمله، فإن الأدعية التي وصلتنا عن طرق الأئمة (عليهم السلام) كنز لا ينفد، ففيها أجمل الألفاظ وأدقّ معاني العبودية والطاعة للّه تعالى، مع كونها قابلة لفهم عامة الناس، وهذا من خصوصيات أدعيتهم (عليهم السلام)، فهي في قمة البلاغة ودقة المعاني لكن عموم الناس يفهمونها، وهي متضمنة للعقائد والأحكام والأخلاقيات، وكل ما يحتاج إليه الإنسان.

* مقتطف من كتاب: الكلمات: محاضرات في العقيدة والسلوك، لمؤلفه السيد جعفر الحسيني الشيرازي

 ......................................

(1) سورة الكهف، الآية: 46.

(2) الكافي 2: 84.

(3) سورة الماعون، الآية: 4-6.

(4) انظر: مستدرك الوسائل 3: 98، وفيه: قال رسول اللّه|: «الصلاة عماد الدين فمن ترك صلاته متعمداً فقد هدم دينه، ومن ترك أوقاتها يدخل الويل، والويل واد في جهنم، كما قال اللّه تعالى: {فَوَيۡلٞ لِّلۡمُصَلِّينَ * ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ}».

(5) سورة الإسراء، الآية: 84.

(6) الكافي 2: 85.

(7) سورة الأنعام، الآية: 28.

(8) سورة يوسف، الآية: 87.

(9) راجع عيون أخبار الرضا (عليه السلام) 1: 100.

(10) سورة هود، الآية: 119.

(11) سورة الحجر، الآية: 3.


اضف تعليق