q
الحديث اليوم عن محاولة تغيير قانون الانتخابات، هو محاولة اخيرة لتلك القوى التي أيقنت الآن من أن الجمهور الذي رفضها في انتخابات مجالس المحافظات والنتائج التي تحققت لقوى جديدة، يجعل من الانتخابات النيابية القادمة بداية حقيقية لإنهاء سيطرتها على المشهد السياسي، وان اكذوبة التزوير والمبالغة بوجوده وجعله حجة للمقاطعة...

قبل الانتخابات النيابية التي جرت أواخر العام 2021 احتدم الجدل بشأن قانون الانتخابات، وكان هذا احد اسباب مقاطعة البعض لتلك الانتخابات التي جاءت كثمرة لثورة تشرين ومن اهم مخرجاتها، وفي المقابل قدّر كثيرون ايضا ان جمهور الثورة والمتعاطفين معها يشكلون الاكثرية الساحقة، وان ازاحة الغطاء السياسي عن الفساد باتت ممكنة لو ذهبت تلك الاغلبية لصناديق الاقتراع،

 لكن الذي حصل هو ان المقاطعة الكبيرة اعطت القوى الفاسدة فرصة ذهبية لإعادة انتاج نفسها، وهكذا ضاعت فرصة كبيرة على الشعب العراقي في تغيير المعادلة السياسية الظالمة التي ما زالت تقف حائلا دون تحقيق تطلعاته في بناء مؤسسات تنهض بواقعه.

تناقلت وسائل الاعلام مؤخرا، أو بعد انتخابات مجالس المحافظات، ان الإطار التنسيقي يعمل على تعديل قانون الانتخابات الأخير (سانت ليغو)، والذي اعاد العمل به بعد ان فشل في تحقيق اغلبية في الانتخابات النيابية لعام 2021، معتقدا ان قانون الدوائر المتعددة كان وراء ذلك.

وان (سانت ليغو) هو الانسب لبلد مثل العراق، كونه يوفر فرصة افضل للجميع في تحقيق حضورهم في المشهد السياسي، وهو ما تحقق فعلا وجاءت انتخابات مجالس المحافظات، لتقول ما كنا نقوله باستمرار، ان المشكلة ليست في القانون، أي قانون، وانما في المقاطعة، وان الاحزاب الماسكة بالسلطة لا تمتلك جماهيرية كبيرة تمكنها من الفوز وانما تركها وحدها وجمهورها القليل نسبيا في الساحة مكّنها من السلطة، اذ تبقى وحدها تتقاسم المقاعد فيما بينها بغياب المنافسين الحقيقيين.

وقد تأكد هذا في الانتخابات الاخيرة، عندما اتجهت اصوات الناس لقوائم بعينها لتقلب المعادلة، ويصبح القانون الذي يراه البعض مفصلا على مقاس تلك الاحزاب، بريئا من هذه التهمة، بل انه لصالح من يمتلك القاعدة الجماهيرية الأوسع.

وان ما حصل في البصرة وكربلاء وواسط، اثبت ان المبالغة في التشكيك بنزاهة الانتخابات وقانونها، ربما كان جزءا من الدعاية التي عملت عليها قوى الفساد لتحيّد اكبر عدد من الاصوات المنافسة ودفعها إلى المقاطعة، وانها سخّرت لذلك شخصيات سياسية هامشية واشخاصا يسمّون انفسهم محللين سياسيين ومدونين للترويج للمقاطعة، وإشاعة اليأس في نفوس الناس من خلال القول بعدم جدوى الانتخابات، كونها وكما يحلو للبعض تسميتها، مفصلة على مقاس الفاسدين، بل ان هناك من ظهر على شاشات الفضائيات ليقول ان تلك القوى (زوّرت) أربعة ملايين بطاقة انتخابية وبذلك حسمت الانتخابات لصالحها مسبقا! من دون أن يساءل هؤلاء عن مصادر معلوماتهم الخطيرة هذه، ما يعني ان الماكنة الدعائية التي جندتها قوى الفساد كانت محمية من خلالها وتعمل لمصلحتها.

الحديث اليوم عن محاولة تغيير قانون الانتخابات، هو محاولة اخيرة لتلك القوى التي أيقنت الآن من أن الجمهور الذي رفضها في انتخابات مجالس المحافظات والنتائج التي تحققت لقوى جديدة، يجعل من الانتخابات النيابية القادمة بداية حقيقية لإنهاء سيطرتها على المشهد السياسي، وان اكذوبة التزوير والمبالغة بوجوده وجعله حجة للمقاطعة من قبل البعض، باتت مكشوفة وأنه في كل الاحوال اذا ما ذهب الناس للتصويت وارادوا ان يغيروا، فان ذلك اصبح ممكنا وحقيقة افرزتها الانتخابات النيابية ومجالس المحافظات.. الاخيرتين.


اضف تعليق