q
الآن فقد راتبي رشاقته، وأصبح مجرد رقم بلا قيمة. في السابق أي قبل ارتفاع الدولار كان الراتب يصمد قليلا في مواجهة ضروريات الحياة، لكن مع ارتفاع الدولار تغير الوضع كليا. وبدأت الطبقة الفقيرة تشعر بخوف من الايام القادمة. انه الخوف من مجهول لا يعرفونه...

الآن فقد راتبي رشاقته، وأصبح مجرد رقم بلا قيمة. في السابق أي قبل ارتفاع الدولار كان الراتب يصمد قليلا في مواجهة ضروريات الحياة.

لكن مع ارتفاع الدولار تغير الوضع كليا. وبدأت الطبقة الفقيرة تشعر بخوف من الايام القادمة. انه الخوف من مجهول لا يعرفونه. لذلك يصرخ الجميع مطالبين الحكومة بالتدخل لانهاء ازمة ارتفاع سغر صرف الدولار.

المواطن العادي يفهم حقيقة واحدة هي: استقرار سعر المواد الضرورية لحياته. ومع البطالة، وانعدام فرص العمل، وفوضى السياسة يكون من الخطر جدا اهمال صعود اسعار المواد الغذائية، والدواء وحتى اجرة النقل العام.

لن يصمد راتبي الاشتراكي امام ازمة كهذه. وهذا ما يجعلني افكر بيأس بخط الفقر الذي اقف عليه، ويقف عليه آلاف من مواطني بلدي.

لكن هواجسي الشخصية تشبه هواجس الآلاف ممن يعملون في قطاع العمل الحر، الذي يتاثر بحركة التداول التجاري. ومع كل الاحوال اشترك مع الجميع في حمل هم الخوف من زيادة صعود سعر صرف الدولار. وهذا الخوف مبرر في ظل وضع سياسي واعلامي يطرح جميع الاحتمالات، ومن ضمنها توقع لصعود أعلى.

يعرف المختصون بالشأن المالي وغير المختصين ايضا معنى عدم استقرار الوضع السوق في اي بلد. بكلمة بسيطة سيفقد البلد هويته الاقتصادية. ولن يكون المواطن البسيط هو المتضرر الوحيد جراء الركود، وارتفاع الاسعار بل سنخسر فرص الاستثمارات الضرورية لانعاش الواقع الاقتصادي. ويبدو أن حلم مجيء مستثمرين يسهمون في تغيير ركود الوضع الذي نعيشه، ما زال بعيدا عن متناول اليد.

لنقل أن ازمة الدولار الاخيرة لم تكن متوقعة، ومهما تكن المبررات، فإن هناك تخوفاً أن تسوء الاحوال، ونشهد هيجانا في الشارع، ظهرت ملامحه في وقفة احتجاجية قرب البنك المركزي اثر اعتقال بعض من اصحاب مكاتب الصيرفة. ولا أستبعد أن تتسع قوة الاحتجاجات، لا سيما أن المواطن كان يعاني من مشكلات كثيرة، ثم أضافت مشكلة صعود صرف الدولار عبئا جديدا عليه.

لكن هناك من يرى أن أفق حل هذه المشكلة ليس بعيدا عن انظارنا. وأن هناك إجراءات ستتخذ من قبل البنك المركزي لإنهاء هذه الازمة المخيفة، التي تهدد حياة الناس وسلامتهم. اذن لا بد من وقفة حقيقية تشعر المواطنين بأنهم في المنطقة الآمنة.

في أحد اقواله الشهيرة حاول عباس محمود العقاد أن يبرر استقالته من الوظيفة، مفضلا عليها العمل الصحفي قائلا: إن الوظيفة هي رق القرن العشرين. ويبدو أن مزاج العقاد لم يكن يطيق ذلك الانضباط الروتيني الذي يعيش تحت سقفه آلاف الموظفين.

ذلك رأي عتيق جدا كما اظن. فالوظيفة والعمل الحكومي في كثير من الاحوال يصبحان قرارين لا بديل عنهما، اذا لعبت الظروف دورا كبيرا في اجبار الناس على الدخول الى العمل الحكومي، مضطرين وليسوا مختارين.

إن الواقع الاقتصادي يرتبط بالوضع السياسي ارتباطا وثيقا، وتبعا لقوة الدولة واستقرار اوضاعها تكتسب حياة الناس الاقتصادية شكلها الحقيقي.

حين تكون عجلة الاقتصاد متوقفة، ويكون الاستيراد حالة دائمة، ثم تضرب جائحة كورونا ضربتها في شل حركة الناس بسبب اجراءات السلامة، التي تخللها حظر شامل وجزئي، وحين يخفض سعر صرف الدينار امام الدولار بعد كل هذه الصدمات سنشاهد طوابير العاطلين والفقراء والمحتاجين تزداد عددا.

وبحسب تقارير وزارة التخطيط فقد اسهمت كورونا بارتفاع اعداد الفقراء، وهذا يعني ان المواطنين سيبحثون بقوة عن فرص للتعيين في هذه الوزارة او تلك. ولن يكون امام احد من خيار سوى طرق باب الحكومة، فهي الفرصة الوحيدة التي تؤمن للمواطن دخلا مضمونا في كل شهر. اذن المواطن يهرب الى الوظيفة من عدم استقرار الوضع بصورة عامة.

ولن يكون في بال اي مواطن ما قاله العقاد ذلك لان الظرف العام يحكم خيارات الناس وقراراتهم.

لو تخيلنا ان تجربة السياسة بعد عام 2003 نجحت في تقديم أنموذج حقيقي في بناء البلد.

ولو ان المشاريع في الصناعة والزراعة سارت بشكل دقيق فهل كنا سنرى الخريجين، واصحاب المهن البسيطة يتظاهرون ويبحثون عن العمل كاجراء يعملون بالاجر اليومي في دوائر الحكومة برواتب قليلة تنقطع عنهم وتتأخر في احيان كثيرة.

في مقابل هذا الهروب الى الوظيفة تتحدث الحكومة عن عدم قدرتها على استيعاب كل العاطلين عن العمل من خريجين وغيرهم. وهذه حقيقة لكنها لا تعفي النظام السياسي بعد عام 2003 من المسؤولية.

لقد اهدر الوقت والمال في صفقات فساد تعهدت كل الحكومات على كشفها ومحاربتها. مضى الوقت وآمال الآلاف من الشباب تنتظر لحظة التغيير الحقيقي.

اضف تعليق