q
يبقى أن المشاريع السريعة التثمير مطلوبة لكن العمل يجب ان يجري، بموازاة ذلك، على تنفيذ مشاريع ستراتيجية بعيدة المدى كشبكات الطرق واحياء الصناعة والزراعة وتوفير مستلزمات توسيع القطاع الخاص، كي يستوعب الطاقات البشرية المعطلة، سواء بالبطالة المقنعة (الوظائف الرسمية) أو البطالة المكشوفة...

تشهد أغلب شوارع بغداد هذه الأيام، ازدحام سير شديد، وفي الكثير من التقاطعات تتصاعد الأتربة.

الحالة ليست جديدة، فازدحام السير بات إحدى سمات الحياة البغدادية منذ 2003 ودخول العدد الهائل من السيارات إلى مدينة لا تستوعب ربع هذا العدد.

لكن الجديد هذه المرة هو أن وتيرة التذمر الشعبي من هذا الزحام في أدنى مستوياتها.

فالناس يرون وراء الزحام مشاريع يجري إنجازها بسرعة غير مسبوقة، هدفها فك الاختناقات التي تكبّل شوارع بغداد، فالذي يعاني مرضاً مزمناً تهون عليه آلام العملية الجراحية ما دامت تخلصه من الألم الدائم.

ما يلفت النظر في المشاريع الحالية هو سرعة الإنجاز، ففي أقل من ثلاثة اشهر تم بناء أحد المجسرات الكبيرة وسط بغداد.

هذا المجسر نفسه كان يستغرق بناؤه سنوات سابقاً. فما الجديد؟

يقال إن مخططات مشاريع فك الاختناقات هذه موضوعة في عهد حكومات سابقة، وهي ليست من أفكار الوزارة الجديدة.

لا ينتقص هذا من قيمة الإنجاز الحالي، فالإنجاز هو إخراج المشاريع من الادراج ووضعها قيد التنفيذ بهذه السرعة.

هناك مشاريع مماثلة بدأ العمل بها منذ سنتين وما زالت غير مكتملة. مثلا: مشروع توسيع الطريق الواصل من مدينة بسماية الجديدة باتجاه بغداد.

بدأ العمل به منذ سنتين وما زال الإنجاز فيه دون الخمسين بالمئة مع ثغرات كبيرة في الإنجاز يجري اكتشافها كل حين.

المشاريع الحالية هي أحد مفاصل اثبات الجدارة التي اعتمدتها الحكومة الحالية، فكل النصائح التي تلقاها رئيس الوزراء من مقربيه بعد تكليفه هو المباشرة بإنجاز مشاريع خدمية تمس حياة الناس اليومية وبسرعة كبيرة، كي يعود الأمل إلى المواطنين بإمكانية تجاوز العوق الحكومي المكبّل لأي انجاز.

هكذا انجاز سيعيد الثقة لدى المواطن بالمؤسسة الحكومية، وفي الوقت نفسه سيمنح الحكومة الحالية بشخص رئيسها رصيدا يدعم ترشيحه لحكومة قادمة.

من هنا أراد لحكومته أن تكون حكومة انجاز. صحيح أن الوزير المعني طالما طرح أفكاره الإيجابية حول البناء والإعمار عبر صفحته في «الفيسبوك» ومقابلاته، لكنه لم يكن ليستطيع تحويل أفكاره إلى انجاز دون وجود رئيس للحكومة بمثل مواصفات السوداني: خبرة بمواطن الخلل، وتصميم على الإنجاز وتخطي المعوقات، وحزم في التعامل مع المسؤولين.

النتيجة هي أن المشاريع يجري العمل فيها بسرعة قياسية وعلى مدار ساعات اليوم.

ليت هذه المتابعة وهذا الحزم يسري أيضا على المشاريع المتعثرة، بسبب فساد أو تضارب صلاحيات أو عدم كفاءة.

طريق بسماية حيوي ويسهم في استقطاب الكثير من سكان بغداد إلى هذه المدينة الجديدة، ويوفر الكثير من الأرواح التي تزهق على هذا الطريق يومياً. متابعة إنجازه وبمواصفات عالية سيعد انجازاً آخر في سجل هذه الحكومة.

لكن هذه المشاريع تقتصر على بغداد فماذا عن المحافظات الأخرى؟.

رغم أن ما تشهده أغلب المحافظات من حركة اعمار يفوق ما شهدته بغداد حتى الآن، إلّا أنها تحتاج إلى المزيد، وسيكون ذلك من مسؤولية مجالس المحافظات الجديدة التي تحتاج إلى رقابة مركزية لضمان عدم تكرار تجربة الماضي.

أغلب الإعمار في بغداد والمحافظات هو في بناء المجمعات التجارية والأبنية الضخمة والمجمعات السكنية بشكل غير مدروس، ولا تستوعبه منظومة الخدمات داخل المدن، مما يستدعي حلولاً أكثر كلفة وجهداً.

على الأقل يحتاج الامر إلى إعادة النظر في شروط رخص الاستثمار لتأخذ بالاعتبار استيعابية شوارع المدن ومنظومة الخدمات الصحية، فما يبنى من مجسّرات سيسهم في فك الاختناقات لفترة وجيزة سرعات ما تعود الاختناقات، ما دام بناء المجمعات السكنية والتجارية يستمر بالوتيرة الحالية، لدرجة أن مجمعا سكنيا بحجم مدينة كاملة يبنى في مركز بغداد بذات شوارعها وخدماتها.

يبقى أن المشاريع السريعة التثمير مطلوبة لكن العمل يجب ان يجري، بموازاة ذلك، على تنفيذ مشاريع ستراتيجية بعيدة المدى كشبكات الطرق واحياء الصناعة والزراعة وتوفير مستلزمات توسيع القطاع الخاص، كي يستوعب الطاقات البشرية المعطلة، سواء بالبطالة المقنعة (الوظائف الرسمية) أو البطالة المكشوفة، ولا سبيل إلى ذلك غير تشجيع الاستثمار الخارجي المحصن من الفساد المانع لجودة عمله.

اضف تعليق