q
إن الغرور بقوة الإسلام الذاتية، وكذلك العنف في تطبيقه والعنف النفسي في لزوم ابادة كل ما يخالفه، واتهام كل من لا يرى رأيه ولو كانت تلك المخالفة عن بساطة وجهالة وعدم مواكبة منطق اليوم وإنما منطق العالم القديم، سبب سقوط بعض الحركات الإسلامية، وأخذ الناس نظرة سيئة عن الإسلام...

ماذا نعمل؟ وكيف ننقذ أنفسنا؟ وهل من سبيل للإصلاح؟ ومن المخلص؟ وأين المفّر؟ وما هو سبيل النجاة؟ أسئلة تدور على كل شفة وتقفز على كل لسان، وتخطر في كل خلد، وهناك ألف جواب وجواب، لكن النتيجة هي النتيجة السابقة، لقد ضللنا الطريق، والله وحده ــ إذا عملنا بأوامره ــ قادر على إنقاذنا، إن نظّمنا أمورناـ كما قال علي عليه السلام (... ونظم أمركم)، ونصرنا الله كما قال سبحانه وتعالى: (إن تنصروا الله ينصركم).

اليقظة الكاملة

إن العمال في الحقول الإسلامية، لا بد له من مال، ومن قوة، ومن رجال، ومن دفاع، ومن مداراة، ومن، ومن، وذلك لا يتأتى إلا باليقظة الدائمة، والحذر المستمر، فإنه ربما فاتت فرصة لا يحصل عليها إلى آخر عمره، كما أنه ربما غفل ساعة، فسقط إلى قيام الساعة، وربما صار مقدار من الشريط سبب فضيحة على حجم (ووترغيت) واليقظة الكاملة تحتاج إلى الأجهزة العاملة، وإلى الإستطلاع الدائم، وإلى المشاورة المستمرة، وإلى التعديل والتبديل، وإلى وضع الحلول المسبقة لمختلف الإحتمالات الناجحة في المستقبل.

مؤهلات التقدم

على كل فرد أو جماعة، تريد تقديم الإسلام وتــطبيــقه، أن توفر في نفسه مؤهلات التقدم، وهي كثيرة جداً نذكر جملة منها وهي:

1 ـ اللين المتزايد، فإن الانسان اللين يلتف حوله الناس، وينفذون مشاريعه، ويعادون أعدائه، مما يوجب تقدمه في الحياة.

2 ـ الحزم، وهو معرفة مواضع الامور، ووضع كل شيء موضعه، من رضا أو غضب، أو إعطاء منع، أو فعل، أو ترك، أو هدم، أو بناء، أو غير ذلك.

3 ـ تحمل المكاره والصعوبات فإن الإنسان الباني، يلاقي صعوبة حسد الاصدقاء، وتألب الأعداء، وعدم انصياع الأمور له، فإذا تحمَّل المكاره تمكن من التقدم وتقديم الحياة، وإلا وقع في حلقة مفرغة من المشاكل لا تزيده إلا جموداً وتأخراً، وفي الأثر (واعلموا أنكم لا تنالون ما تحبون إلا بتحملك ما تكرهون).

4 ـ الرؤية الكاملة والإستراتيجية الواضحة والتكتيك المتكامل، وذلك بأن يعرف مبدأ الطريق، والهدف، ومقدار الحاجة في السلوك من القوى والطاقات، ومقدار ما يتطلبه السلوك من التضحية، وقدر إمكاناته، وطاقة المعوقات والاعداء، وكيفية إمكان التغلب عليها، مثلاً من يريد تأسيس مدرسة أهلية، يجب أن يعلم قبل الشروع: كيف يشرع في التأسيس، بتحصيل الإجـــازة الحكومية، وإجازة المكان، وتهيئة المعلمين؟ وإن الهدف هو إخراج جيل مثقف متدين، ومقدار الحاجة المادية، وأنه يحتاج إلى هيـــئة تــؤازره، وإن ما يتطلبه من التضحية هو الوقت ومقدار من ماله لأجل الاجتماعات، وفي الغالب يفشل الناس في أمورهم الشخصية أو الإجتماعية، لأجل عدم توفيرهم المؤهلات.

ثالوث التأخر

(الغرور) و(العنف) و(عدم منطق اليوم) هذه الثلاثة من أبرز ما سبب سقوط بعض الحركات الاسلامية، وقد قرر الإسلام خلاف الثلاثة.

قال سبحانه: (ولا يغرنكم بالله الغرور)

وقال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة).

وقال سبحانه: (ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه).

إن الغرور بقوة الإسلام الذاتية، أو سوابقه المشرقة، أو نهج تطبيقه وسيطرته في العالم القديم، وكذلك العنف في تطبيقه والعنف النفسي في لزوم ابادة كل ما يخالفه، واتهام كل من لا يرى رأيه ــ ولو كانت تلك المخالفة عن بساطة وجهالة ــ وعدم مواكبة منطق اليوم وإنما منطق العالم القديم، كل هذه الثلاثة سبب سقوط بعض الحركات الإسلامية، وأخذ الناس نظرة سيئة عن الإسلام.

إن الغرور بان البلاد لنا. وإن الكفر زاهق لا محالة، وإن الإنحرافات تيارات وعواصف تهب وتخمد. وإن قوة الإسلام كافية في إزالة كل الملابسات، خلاف منطق الإسلام والقرآن وسيرة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال تعالى: (واعدوا لهم ما استطعتم من قوة) وكان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يهدأ ليل نهار، يخطط، ويتشاور ويعمل، نعم صحيح أن البلاد لنا وغيره لكن ذلك لا يبرر عدم العمل، فإن عدم العمل غرور وموجب للتأخر..

والعنف ثاني أسباب التأخر فإن بعض المسلمين حيث يعرفون أن الحق معهم، وأن من يحاددهم معـــاند مغتصب، تأخذه الغضبة على غير المسلم إذا تجاوز الحق، وعلى المسلم المنحرف لانه منحرف، وغضبته المنتهية إلى سوء تصرفه أكبر أداة لهدم بنائه، وخير مساعدة لمن يحاربه وينحرف عن الطريق المستقيم.

واليوم له منطق جديد في مختلف شؤون الحياة وإذا لم يعرف المسلم هذا المنطق، واستعمل المنطق القديم، كان لا بد وأن ينساب الناس إلى من يعرف المنطق الحديث، مثلاً إن الناس سابقاً كانوا يتحرون الحق والحقيقة، وكان ذلك هو المحور لتمايل الناس ولذا كان المسلم يتكلم مع الناس بهذا المنطق فإذا غلب عليهم كان بيده مفتاح النجاح، أما اليوم فالمنطق الذي يميل إليه الناس هو (التقدم والإقتصاد وتأمين السلام والرفاه) وما عليك بعد أن تتغلب عليهم في أن مبدأك يوفر تلك، أن يكون معك الحق أم لا؟

والجبهات المعادية للإسلام مبدؤهم هذا المبدأ، بينما يكذبون، والمسلم ــ كثيراً ما ــ لا يعرف هذا المنطق حتى بمقدار أن يلوح به، أو يبين الخطوط العملية له، ولذا ينفضّ الناس من حوله.

* مقتطف بتصرف من كتاب: نحو يقظة إسلامية، لمؤلفه: المرجع الراحل آية الله العظمى الامام السيد محمد الشيرازي

اضف تعليق