لا شك أن منصب المحافظ يتسم بصفة سياسية واضحة كونه يمثل رئيس الجمهورية في المحافظة، أو هو ممثل للحكومة المركزية في المحافظة ومسؤول عن تنفيذ سياستها وتوجيهاتها وتمثيلها رسمياً في المناسبات الرسمية، ولذلك نجد ان تشريعات بعض الدول تعطي للسلطات العليا صلاحية تعيين المحافظ لاهمية هذا المنصب…

لا شك أن منصب المحافظ يتسم بصفة سياسية واضحة كونه يمثل رئيس الجمهورية في المحافظة، أو هو ممثل للحكومة المركزية في المحافظة ومسؤول عن تنفيذ سياستها وتوجيهاتها وتمثيلها رسمياً في المناسبات الرسمية، ولذلك نجد ان تشريعات بعض الدول تعطي للسلطات العليا صلاحية تعيين المحافظ لاهمية هذا المنصب.

وهذا ما كان معمولاً في ظل قانون المحافظات رقم (159) لسنة 1969 (المُلغى) حيث كان تعيين المحافظ وترفيعه ونقله بمرسوم جمهوري يصدر بناءً على اقتراح وزير الداخلية وموافقة مجلس الوزراء وكانت وظيفة المحافظ من الدرجات الخاصة، وكذلك يعين نائب المحافظ والقائم مقام ومدير الناحية بنفس الآلية، وكذلك يفصل ويعزل ويحال على التقاعد رؤساء الوحدات الإدارية كل من المحافظ ونائب المحافظ والقائم مقام ومدير الناحية بمرسوم جمهوري يصدر بناءً على اقتراح وزير الداخلية، واسلوب تعيين الرئيس التنفيذي للإدارة المحلية متبع في مصر أيضاً حيث يُعين المحافظ ويعفى من منصبه بقرار من رئيس الجمهورية.

تمثيل السلطة

ويعد المحافظ مستقيلاً من منصبه بحكم القانون بانتهاء فترة رئاسة الجمهورية، وللمحافظ في مصر صفتين الاولى ممثلاً للسلطة التنفيذية ومشرفاً على تنفيذ السياسة العامة ويتمتع بصلاحيات باعتباره ممثلاً للسلطة المركزية في المحافظة والثانية في كونه رئيساً للوحدة المحلية في نظام الإدارة اللامركزية وهي المحافظة، ويعد المحافظ في مصر قريب الشبه من المُدير الفرنسي (المحافظ) من ناحية تبعيته للسلطة التنفيذية المركزية ودروه السياسي والإداري وصفته المزدوجة من ناحية كونه عامل مركزي في المحافظة وعضو تنفيذ للوحدة المحلية حتى اصلاح عام 1982 حيث سُلبت منه هذه الصفة وخولت لرئيس المجلس العام في المديرية.

ورغم ذلك فإن المحافظ في مصر يعد من الناحية الواقعية والقانونية رئيس الوحدة المحلية المعين من السلطة المركزية ويستحوذ في نطاق اختصاصه على السلطة الفعلية للقرار، وكذلك الحال بالنسبة لرئيس المركز أذ يعين بقرار من رئيس مجلس الوزراء، أما رئيس المدينة ورئيس الحي فإن تعيينهم ونقلهم وندبهم يكون بقرار من مجلس الوزراء بالاتفاق مع المحافظين المتخصصين، ما عدا رئيس القرية فإن أمر تعيينه ونقله وندبه يكون بقرار صادر من المحافظ.

أما في العراق: وبعد صدور قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل يمكن أن نشهد انحسار دور الحكومة المركزية في تعيين رؤساء الوحدات الإدارية، إذ اعتمد المشرع العراقي أسلوب الانتخاب لاختيار المحافظ، ويعد المحافظ الرئيس التنفيذي الاعلى في المحافظة ويتم انتخابه من مجلس المحافظة لممارسة الصلاحيات المخول بها من قبل المجلس وهو بدرجة وكيل وزير فيما يخص الحقوق والخدمة الوظيفية.

ويمكن ان ينتخب المحافظ من قبل مجلس المحافظة من داخل المجلس أو خارجه ويصدر أمر تعيينه بمرسوم جمهوري خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ انتخابه، إذ ينحصر دور السلطة المركزية باصدار المرسوم الجمهوري بتعيين المحافظ كنوع من الاجازة أو التصديق اللاحق على اختيار المحافظ ولا يجوز للمحافظ المباشرة في عمله قبل صدور المرسوم الجمهوري بتعيينه، والحقيقة ان المشرع لم يكن موفقاً في تنظيم اختيار المحافظ من الناحية التشريعية للاسباب الآتية :

1- إن المشرع مزج بين طريقة التعيين والانتخاب لاختيار المحافظ، وأوقف مباشرة المحافظ لمهامه على صدور مرسوم جمهوري من رئيس الجمهورية ولم يحدد الوضع القانوني في حال اعتراض رئيس الجمهورية على الانتخاب وامتنع عن اصدار المرسوم الجمهوري، وما هو الوضع القانوني في حال سكوته وعدم اصدار المرسوم الجمهوري خلال مدة (15) خمسة عشر يوماً، وقد حدث في الواقع أن المرسوم الجمهوري الخاص بتعيين محافظ صلاح الدين المنتخب في جلسة 27/10/2009 تأخر لمدة (8) أشهر ولم يصدر إلاّ بتاريخ 20/7/2010 وبقي منصب المحافظ شاغراً وكانت تدار المحافظة من قبل النائب الأول، كما يلاحظ انعدام السند القانوني أو الدستوري لالزام رئيس الجمهورية باصدار المرسوم الجمهوري بتعيين المحافظ، كما لم يعالج القانون الاثار المترتبة على تأخر اصدار المرسوم الجمهوري، في تأخير اصدار الاوامر الإدارية الخاصة بتعيين القائم مقام ومدير الناحية تبعاً لذلك.

2- إن المشرع اعتبر المحافظ أعلى موظف تنفيذي في وحدته الإدارية وبدرجة وكيل وزير، في حين أن موظف الخدمة المدنية يعين من الجهة المختصة بالتعيين ولا ينتخب، ويكون بوظيفة دائمة وليست مؤقتة لمدة (4) سنوات، مما دفع أحد الباحثين الى عد المحافظ مكلف بخدمة عامة وليس موظفاً قياساً على عضو مجلس المحافظة الذي عده القانون مكلفاً بخدمة عامة، وإذا كان الحال يستقيم مع هذه الفرضية بالنسبة للمحافظ المنتخب من رحم مجلس المحافظة فإنه لا يمكن يستقيم مع حالة المحافظ المنتخب من خارج مجلس المحافظة، والسؤال الذي يثار أيضاً إذا كان عضو مجلس المحافظة يعد مكلفاً بخدمة عامة، فكيف سيتم تحول وضعه الى موظف في حال انتخابه كمحافظ وكيف سترتب حقوقه الوظيفية بصفته موظف عام أم مكلف بخدمة عامة هذه تساؤلات كان على المشرع أن يحسمها من خلال ضبط تنظيم قواعد الاختيار وعدم تركها للتفسيروالاجتهاد .

جهة تنفيذية

3- يفترض أن يكون المحافظ المنتخب ممثلاً للجهة التي انتخبته، في حين القانون عده أعلى جهة تنفيذية في المحافظة، وممثلاً للسلطة المركزية عندما منحه حق الاعتراض على قرارات مجلس المحافظة أو المجلس المحلي إذا كانت القرارات مخالفة للقانون أو الدستور أو خارج اختصاص المجلس أو إذا كانت مخالفة للخطة العامة للحكومة الإتحادية أو للموازنة، كما له حق الاختصام أمام المحكمة الإتحادية العليا في حال اصرار المجلس المعني على قراره خلال المدة المحددة بالقانون، فضلاً عن صلاحيته في تنفيذ السياسة العامة للحكومة الإتحادية والاشراف على المرافق العامة وتفتيشها عدا المحاكم والوحدات العسكرية والجامعات والكليات والمعاهد.

4- إن القاعدة في التعيين هو قيام الجهة التي أصدرت الأمر بالتعيين بالغاءه وبنفس الآلية والوسيلة، ونلاحظ أن المشرع قد اشترط صدور مرسوم جمهوري بالتعيين من رئيس الجمهورية، في حين ان الاقالة تتم من قبل مجلس النواب بالاغلبية المطلقة بناءً على اقتراح رئيس الوزراء أو من قبل مجلس المحافظة بالاغلبية المطلقة لعدد اعضاء المجلس عند تحقيق الاسباب الواردة في القانون، كما يعد مقالاً بحكم القانون عند فقدانه شروط العضوية المنصوص عليها في القانون، دون أن يكون لرئيس الجمهورية أي دور في ذلك وكان على المشرع كأقل تقدير أن يجعل صلاحية تعيين المحافظ بأمر ديواني يصدر من رئيس مجلس الوزراء باعتباره المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة وباعتبار مجلس الوزراء مسؤول عن تخطيط وتنفيذ السياسات العامة للدولة لتكون صلاحية التعيين والاقالة مناطة بجهة واحدة.

5- نظم المشرع موضوع استقالة المحافظ بتقديم استقالته الى المجلس الذي انتخبه – أي مجلس المحافظة – كذلك الحال بالنسبة لنائبة ورؤساء الوحدات الإدارية وتعد مقبولة من تاريخ تقديمها .

روهنا يثور التساؤل إذا كان المحافظ ورؤساء الوحدات الإدارية موظفين فإن هذا الحكم يتعارض مع احكام قانون الخدمة المدنية النافذ.

وإذا كان هذا التنظيم خياراً تشريعياً لمجلس النواب فهو أيضاً قاصراً لأن المشرع لم ينظم حالة ترك المحافظ أو القائم مقام أو مدير الناحية لعمله بدون استقالة رسمية أو دون اشعار المجالس التي انتخبتهم وما هو الحكم القانوني في حال انقطاعه عن محل عمله بصورة مشروعة أم غير مشروعة، وهل تُعد الاستقالة من منصب المحافظ صريحة كانت أم ضمنية أستقالة من عضوية المجلس الذي انتخبه وقد اجاب مجلس الدولة بموجب قراره المرقم (76/2009) في 13/9/2009، الحالة العاشرة فقرة (3) على هذا التساؤل حيث أفتى (إذا أستقال المحافظ أو نائبه المنتخب من داخل المجلس من منصبه فلا يحق له العودة كعضو في المجلس)، هذا من جانب ومن جانب آخر فإن المشرع قد خالف المبادئ المقررة في قانون الخدمة المدنية لقبول الاستقالة، والتي تقضي وجوب البت في الاستقالة من قبل الإدارة خلال مدة لا تتجاوز (30) يوماً ويعد الموظف منفكاً بانتهاءها إلاّ إذا صدر أمر القبول قبل ذلك.

ولذا فإن اعتبار الاستقالة مقبولة من تاريخ تقديمها مخالفة للقواعد العامة فضلاً عن خلق فراغ إداري للفترة ما بين تقديم الاستقالة ولغاية عرضها على المجلس أو قبولها ، وكان الافضل جعل الاستقالة نافذة من تأريخ قبولها من مجلس المحافظة، أو بمضي مدة (30) يوماً من تأريخ تقديمها للمجلس دون الاجابة على طلب الاستقالة، أما بالنسبة لرؤساء الوحدات الإدارية على مستوى القضاء أو الناحية فنلاحظ غياب تام لدور السلطة المركزية فيما يتعلق بتعيينهم أو إقالتهم أو قبول استقالتهم فالقائم مقام ومدير الناحية يعدان أعلى موظف تنفيذي في وحدته الإدارية ويتم اختيارهم بالانتخاب ويصدر المحافظ أمراً إدارياً بتعيينهم ويكونون خاضعين لتوجيهه وإشرافه ويكون القائم مقام بدرجة مدير عام ومدير الناحية بدرجة معاون مدير عام، ان هذا القصور التشريعي في تنظيم عملية اختيار المحافظ في المحافظات غير المتظمة في اقليم من شانه زعزعة العلاقة التنظيمية بين المركز والمحافظات والتاثير على فاعلية النظام اللامركزي، ندعو المشرع لتلافيه مستقبلاً …والله الموفق .

..........................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق