q
انتهت المرحلة الأولى من صراع النفوذ للظفر بعضوية مجالس المحافظات ومناصب المحافظين. صحيح أنها انتخابات مجالس محلية وليست انتخابات برلمانية، إلّا أنها وما تفرزه من نتائج على الأرض تعد مدخلًا للانتخابات البرلمانية القادمة، لا يتحقق ذلك إلّا بتوفر شرطٍ رئيسٍ هو نجاح مجالس المحافظات والمحافظين في تقديم الخدمات الحقيقية...

انتهت المرحلة الأولى من صراع النفوذ للظفر بعضوية مجالس المحافظات ومناصب المحافظين. صحيح أنها انتخابات مجالس محلية وليست انتخابات برلمانية، إلّا أنها وما تفرزه من نتائج على الأرض تعد مدخلًا للانتخابات البرلمانية القادمة.

لا يتحقق ذلك إلّا بتوفر شرطٍ رئيسٍ هو نجاح مجالس المحافظات والمحافظين في تقديم الخدمات الحقيقية الملموسة، لكسب رضا الشارع وإقناعه بالمشاركة السياسية في مفاصلها القادمة.

تجربة مجالس المحافظات السابقة التي ألغيت في 2014، لم تكن موفقة. لا يلام من يقول إنها حلقات فساد إضافية، أو على الأقل «حلقة زائدة». فالقياس هنا يكون على أداء المجالس السابقة، وما اقترن به من فساد وتقسيم «مغانم» وضياع المال العام، دون انجاز بالمستوى المأمول. مشاريع وهمية وأخرى لم تكتمل، وصراعات بين المحافظ والمجالس حول الحصص والمنافع. لكن السؤال هنا: هل انتهى كل ذلك وغاب الفساد بعد إنهاء عمل مجالس المحافظات؟.

رئيس الكتلة الصدرية في البرلمان سابقا السيد حسن الكعبي قالها بصراحة: الفساد بات أكثر بعد تفرد المحافظين بإدارة المحافظات. الحقيقة إنَّه تفرد الجهة السياسية التي يتبعها المحافظ. بعض المحافظين قدم الخدمات وأنجز مشاريع – بغض النظر عن الفساد التي اقترن بالإنجاز- وحصد ثمار ذلك في الانتخابات الأخيرة، وآخرون استخدموا إمكانات المحافظة لتحشيد الدعم وكسب الأصوات.

ما يؤسف له أن بعض السياسيين استغل فرصة الانتخابات، من أجل اثارة النعرات الطائفية في المحافظات الغربية، والمؤسف أكثر أن الكثير من جمهور تلك المناطق تجاوب مع هذه الخطابات ودعم صاحبها وكتلته، ما يعني أن النوازع الطائفية ما زالت موجودة، ولا تحتاج إلّا لمن يؤججها.

لم تنفع تجارب الماضي المظلم التي انتهت بكوارث القتل والتهجير لأبناء المحافظات الغربية التي لم تنته إلّا بتضحيات ودماء عشرات لآلاف الشهداء والجرحى الذين هبّوا من وسط العراق وجنوبه لنجدة إخوانهم وطرد عصابات القتلة. وبدلا من أن يقوم السياسيون بالتشجيع على تجاوز الماضي والتطلع إلى بناء روح وطنية تسهم في بناء وطن لكل أهله، بعيدا عن الانتماءات المذهبية أو القومية أو الدينية، نرى بعض هؤلاء ( ممن كان يدعم الإرهاب) يستنهض النعرات الطائفية من أجل كسب مقاعد في مجالس المحافظات، رغم إدّعائه التخلي عن نهجه السابق وانخراطه في مشروع وطني.

ما أفرزته هذه الانتخابات هو تأكيد متجدد بأن المقاطعة السياسية - كأسلوب اعتراضي- لن تحقق ما تصبو إليه، بل تؤدي إلى فسح المجال أمام المنافسين أو الخصوم لتحقيق مكاسب أكبر، دون أن يقلل ذلك من شرعية الانتخابات ونتائجها. لم تنجح أية مقاطعة لانتخابات في تحقيق أهدافها، فالاعتراض السياسي يتم من خلال المشاركة وتغيير النتائج. حتى التزوير لن ينجح إذا كانت المشاركة واسعة والأصوات تذهب بكثافة إلى من يرونهم أكثر نزاهة وكفاءة.

الجولة الثانية من هذا التنافس هي في ترجمة النتائج إلى واقع عملي من خلال تشكيل مجالس المحافظات واختيار المحافظين، ليس بالضرورة وفق لغة الأرقام إنما بلغة التحالفات وتثبيت الأحجام. الديمقراطية في جوهرها تنافس سلمي على تولي الإدارة، من أجل تنفيذ برامج خدمية وتنموية، لا تنافس على تقاسم مصالح ومغانم كما حدث خلال السنوات العشرة من عمر مجالس المحافظات السابقة.

ربما نكون اليوم أمام نضج سياسي يخلق إرادة الإنجاز، لكسب التأييد الشعبي واستعادة الثقة بالسياسيين والعملية السياسية، واعتماد الطرق المشروعة في توفير مصادر تمويل شرعي بدل العقود الفاسدة والمتورمة الكلفة، التي أرهقت الخزينة ولم تقدم الإنجاز المطلوب، والأهم من ذلك، تراجع ثقة الشارع بالسياسيين وتشويه صورة المواقع الرسمية.

ربما تكون فترة الهدوء السياسي والاستقرار الملحوظ، الذي أملته مصالح العابثين الخارجيين بالساحة العراقية، فرصة لمن فاتهم الأداء الصحيح سابقا، لتصحيح نهجهم والتنافس على تقديم الخدمات من خلال مجالس المحافظات الجديدة. وجود حكومة اتحادية تملك التصميم على الإنجاز يمثل فرصة للمجالس الجديدة خصوصا إذا ما ترجم هذا التصميم تفعيلا للرقابة الاتحادية على أداء مجالس المحافظات لضبط أدائها ومنع الفساد فيها ما أمكن.

........................................................................................................................

* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق