q
التحاصص يعني في ابسط مايعنيه اتيان الشخص غير المناسب في المكان المناسب، وغضّ النظر عن عيوب ومساوئ غير الكفوء، ما ساهم في اهدار الاموال العامة وقوت المواطنين التي راحت هباء منثورا في جيوب الفاسدين بسبب الفساد الذي كان شموليا وعاما، مع ضياع اغلب فرص التقدم والازدهار وتدني فرص...

منذ تأسيس دولته المعاصرة بعد التخلص من الاحتلال العثماني ودخوله تحت الاحتلال البريطاني، لم يحظَ العراق بأي استقرار سياسي سوى في اوقات قليلة جدا، ولطالما عانى العراق من الفاعل الخارجي، كما عانى من تشابك المصالح الاقليمية/ الدولية كونه محط انظار مطامع الاخرين بسبب موقعه الجغرافي الاستراتيجي واهميته الجيوسياسية المائزة وخيراته الوفيرة فهو في قلب الشرق الاوسط ويمثل السلة الاقتصادية/ الطاقوية للعالم.

كما عانى من تصارع وتشابك الايديولوجيات وتياراتها المتعاكسة وقد دفع الشعب العراقي الثمن باهظا من تلك التناقضات فنلحظ الهزات الكبيرة التي تعرض لها العراق نتيجة الانقلابات والاحتلالات والصراعات الداخلية، ولم يتسنَّ له ان يتنفس الصعداء او يجد طريقه نحو الرفاهية والاستقرار والتنمية المستدامة.

وكان المشهد العراقي المأزوم يختلف عن جميع دول الجوار والمحيط الاقليمي التي خطت خطوات لابأس بها نحو الاستقرار السياسي / الاقتصادي / المجتمعي / التنموي/ الاستثماري، بسبب التأسيسات الدولتية الفاشلة والاخطاء الحكوماتية التي كانت مرآة عاكسة لتلك التأسيسات.

وزاد الطين بلة وقوع العراق تحت سطوة الديكتاتوريات المتعاقبة لاسيما الديكتاتورية الشمولية التوتاليتارية البعثية التي احرقت الاخضر واليابس وارجعت العراق الى عصر ماقبل الدولة وادخلته في اتون سلسلة من الحروب العبثية والحصارات الجائرة والتي ليس للمواطن العراقي البسيط ناقة ولاجمل، الامر الذي جعل الفاعل الخارجي (امريكا) منساقا الى التدخل في الشأن العراقي كما فعلت بريطانيا في مطلع القرن الماضي بالتدخل السافر فيه بعيدا عن رغبة العراقيين وفرض ارادة العامل الخارجي عليهم تبعا لمصالحه ومطامعه ولغاية التوافق والتوازن الدوليين.

فحدث التغيير النيساني المزلزل (2003) الذي اطاح بأعتى ديكتاتورية ذات نهج بوليسي ستاليني فدخل العراق مرغما في دهليز مظلم آخر وذلك بتأسيس عملية سياسية -تحت اشراف المحتل- وفق مبدأ الديمقراطية التمثيلية التشاركية وبتفعيل مبدأ المحاصصة والتي ارسى مجلس الحكم مبادئه بحجة استيعاب تناقضات المشهد السيا /اجتماعي / الاثني العراقي، وسارت على هذا النهج جميع الحكومات العراقية المتعاقبة و(المنتخبة) ديموقراطيا، الامر الذي ساهم باستشراء الفساد الشمولي في جميع مفاصل الدولة ومحاورها.

لان اسلوب التحاصص يعني في ابسط مايعنيه اتيان الشخص غير المناسب في المكان المناسب، وغضّ النظر عن عيوب ومساوئ غير الكفوء، ما ساهم في اهدار الاموال العامة وقوت المواطنين التي راحت هباء منثورا في جيوب الفاسدين بسبب الفساد الذي كان شموليا وعاما، مع ضياع اغلب فرص التقدم والازدهار وتدني فرص تقديم الخدمات التي تقدمها البنى التحتية.

يفترض ـ كما يبدوـ ان حكومة السيد السوداني قد استوعبت ماسلف من اخطاء التأسيسات الدولية والحكوماتية السابقة والفاشلة رغم ان التركة ثقيلة جدا لكنها تحاول ان تتجاوز ذلك الارث المتراكم من تلك الاخطاء والسلبيات بتقديم برنامج حكومي خدماتي (حكومة خدمات) مع النية الصادقة في محاربة الفساد الذي استشرى في كل شيء، والكثير من الدلائل تشير الى انها خطت خطوات مهمة وناجحة في هذا المسعى وصولا الى تحقيق التنمية المستدامة ولأول مرة في العراق، فالاستقرار السياسي مهم للوصول الى مشارف التنمية المستدامة وتحقيق اكبر قدر من الخدمات كونه ممهدا للاستقرار الاقتصادي / التنموي / المجتمعي / الامني / الاستثماري الخ.

اضف تعليق