يُخطئ من يعتقد أننا أغنياء، ذلك أن الفقر والغنى، لا يمكن أن يتمَّ قياسهما على وفق ما نمتلكه من أموالٍ وعقاراتٍ وأرصدةٍ وذهبٍ ومولات.. الفقر والغنى، يتمُّ قياسهما على ما نمتلكه من وعيٍّ وقيمٍ وسلوكٍ حضاري، وما نختزنه من أفكارٍ ورؤى تنبع من الذات، لتكون في خدمة المجتمع ومن ثمَّ تتمُّ الفائدة للجميع...

يُخطئ من يعتقد أننا أغنياء، ذلك أن الفقر والغنى، لا يمكن أن يتمَّ قياسهما على وفق ما نمتلكه من أموالٍ وعقاراتٍ وأرصدةٍ وذهبٍ ومولات.. الفقر والغنى، يتمُّ قياسهما على ما نمتلكه من وعيٍّ وقيمٍ وسلوكٍ حضاري، وما نختزنه من أفكارٍ ورؤى تنبع من الذات، لتكون في خدمة المجتمع ومن ثمَّ تتمُّ الفائدة للجميع.

وعلى حسب هذه المعاني السامية، نجد الغنى الفاحش في ما تنفقه بعض مرافق الدولة على مشاريعَ وهميَّة، وخططٍ تنمويَّةٍ لا تتجاوز الأوراق التي سطرت فيها هذه الخطط، وعلى ما يحصده عددٌ من الفاسدين، وهم يأخذون ما ليس لهم حقٌ به عن طريق التزوير وأساليب الابتزاز ومطاطيَّة عددٍ من القوانين، غير الحاسمة وغير الصارمة وغير العادلة في أحيانٍ كثيرة.

في الموقف نفسه، تعلن الدولة عن تقشّفها وفقرها، وسوء أحوالها الاقتصاديَّة، وهي تتعامل مع فقراء الحال والأحوال بطرقٍ تعسّفيَّة غليظةٍ وسقيمةٍ، وفيها كثيرٌ من التسويف والمرارة، مقترنةً بالفساد والنفقات الضئيلة والفاسدة والنوعيَّة الرديئة، عن طريق الحصّة التموينيَّة والحصّة الدوائيَّة إلى جانب ما تنفقه على (دعم) ما يسمى بالرعاية الاجتماعيَّة، التي يتم اكتشاف مئات الأسماء غير المستحقة، والتي كان يفترض بها التبرع لهذه الرعاية، التي لا ترعى إلا قلّة من المجتمع، الذي يمتلك أفراده الاستحقاق الطبيعي.. وحتى هذا الاستحقاق، الذي يحمل معانيَّ الرأفة والإنسانيَّة، أكثر من معالجة الفوارق الاجتماعيَّة، عن طريق إيجاد فرص العمل، وليس على سبيل الصدقات الشهريَّة والمعونات المحدودة، التي يتمُّ استهلاكها على عجل.

واذا كان فقر وغنى الدولة يُقاس عن طريق ما تقدمه هذه الدولة من معوناتٍ للفقراء والمهجّرين والقليل من الخدمات؛ فإنَّ هذا لا يعدُّ سبيلًا على معالجة الفقر، حيث تنفق الدولة الكثير على جوانبَ متعددةٍ لا ضرورة لها، بينما هيَّ تعجز عن إيجاد حلولٍ لسوء الأحوال الاجتماعيَّة وإنقاذ الشارع العراقي من هذا الكم الهائل من المتسولين والعاجزين ودور اليتامى والمسنين، بينما هيَّ لا تسنُّ قوانينَ ترقى بالمجتمع اقتصاديًّا ومعرفيًّا وصحيًّا وتربويا.. كذلك، نرى أنَّ غنى عددٍ من الناس والمسؤولين على وجه التحديد، لا يحكمه منةٌ ورزقٌ من الله، وإنما هو في معظمه طردٌ للإيمان والعفّة والنقاء من قلوب الناس.. لذلك نجد أن غنى المال لا قيمة له أمام فقر الروح من العدل والإنصاف والذمّة والضمير.

في حين نجدُ كثرةً من الناس الفقراء والمعدمين اقتصاديًّا يمتلكون من غنى النفس الشيء الكثير، فتراهم يعرفون جيدًا ما هيَّ الأمانة والفضيلة والصدق في التعامل مع الآخرين، ومن ثمَّ الاكتفاء، بما حباهم الله من رزق حلال لقاء جهودهم المنظورة وعطائهم السليم.

إنَّ هؤلاء، يكتفون بالمال القليل على حساب الحق الوافر والعدل المستدام والصدق النبيل والشفافيَّة، التي لا تتخفى وراء المنصب أو الانتماء الأسري ولا التاريخ الشخصي (المجيد).

إنَّهم السلالة الغنية بأرواحها الشفّافة وعطائها المسؤول ووعيها، الذي يقاوم الزيف والفساد والاستغلال والعنصريَّة والامتداد على حساب الآخرين، واغتنام الفرص لتحقيق منافعَ ذاتيَّةٍ لا يمتلكون مشروعيتها، وإنّما هم أغنياء مالًا، فقراء سلوكًا وموقفا.. وهم الذين يعدُّ وجودهم هدمًا ونخرًا في المجتمع العادل والواعي الذي ننشده، بحيث يكون غناه في ما يمتلكه من قيمٍ حميدةٍ وسلوكٍ نقي ومسؤوليَّة وحرصٍ على حقٍ وحقوقٍ سواهم من البشر، وليس استغلالهم والتعامل بالتعسف مع حقوقهم.

غنى النفس والوعي بهذه النفس، هو الغنى الحقيقي المنشود.. أما سواه من الغنى الزائف والمؤقت فإنَّه ليس إلا غنىً زائفًا، ومن ثم فقرًا في الروح وأصحابه في أرذل العمر وأدنى المواقع.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق