q
نحن أمام اسئلة كبيرة ومتوالدة، والإجابة عنها تتطلب قراءة موضوعية وعلمية، بعيدا عن أي انحياز جهوي أو وجداني.. لقد توعّد (بوش الابن) العراق اثناء حملته الانتخابية ضد منافسه آل غور العام 2000 وقد اعتقد البعض أنه ترجم توعّده بإسقاط النظام السياسي في العراق واقامة نظام سياسي آخر (ديمقراطي) مختلف...

أثارت زيارة الوفد العسكري العراقي إلى واشنطن ضجة كبيرة، وقرأها كثيرون، كل حسب توجهاته وميوله.. السؤال الذي يطرح نفسه امام الجميع، هو لماذا لم تسلح اميركا الجيش العراقي بعد العام 2003 بما يجعله، في الاقل، قادرا على حماية الامن الداخلي؟.. هذا السؤال يستدعي سؤالا اكبر، هو ما هدف اميركا (المحافظون الجدد) بزعامة بوش الابن من غزو العراق واحتلاله؟..

اذن نحن أمام اسئلة كبيرة ومتوالدة، والإجابة عنها تتطلب قراءة موضوعية وعلمية، بعيدا عن أي انحياز جهوي أو وجداني.. لقد توعّد (بوش الابن) العراق اثناء حملته الانتخابية ضد منافسه آل غور العام 2000 وقد اعتقد البعض أنه ترجم توعّده بإسقاط النظام السياسي في العراق واقامة نظام سياسي آخر (ديمقراطي) مختلف.. لكن الخطوات اللاحقة للاحتلال أثبتت أن المشروع كان اكبر بكثير مما تصور هؤلاء، وان من آيات هذا المشروع هو الدستور الذي فرضت عليه فقرات اساسية تتعلق ببقاء الدولة أو تفككها، والمتمثلة بالفيدرالية التي أريد منها أن تكون قناعا ووسيلة ناعمة لتقسيم العراق وانهائه كدولة في المنطقة، على أن يكتمل المشروع في بقية الدول المجاورة لاحقا، ليبنى ما قيل عنه (الشرق الاوسط الجديد أو الكبير).. ولكي تصل الناس إلى قناعة بأن التقسيم أو الانعزال في محميات طائفية وعرقية، هو الضمان الوحيد لأمنها

وحياتها، لا بد من مقدمة تبدأ بفوضى أمنية وسياسية عارمة، وأن من أهم أسباب إشعال هذه الفوضى هو غياب الجيش الوطني، الذي يتكفل بالأمن القومي لأي بلد، وبغيابه تصبح الدولة بشعبها مكشوفة ومهيأة للانقسامات والصراعات، بسبب التنافس على السلطة وغياب الرادع الأمني الذي يفرض القانون.. وهو ما حصل تماما في العراق، الذي كان مشروع تقسيمه هدفا رئيسا (للمحافظين الجدد)، وتبنته الأذرع السرية الاميركية وغيرها، ومارست دورها في المضي به إلى النهاية.

وقد كلّفنا هذا اكثر من عقد من الزمن وانهارا من الدم وهروب الملايين إلى الخارج، بينهم كفاءات كبيرة.. لكن هذا المشروع الجنوني سقط في نهاية عهد أوباما، الذي شهد كارثة (الربيع العربي)، الذي أتى في سياق لعبة التقسيم واعادة تشكيل المنطقة، وقد استخدمت القوى الاصولية المتشددة رافعة لهذا المشروع الذي انجرّت إليه، من دون أن تدرك مخرجاته المضمرة، دول إقليمية مهمة وانغمست به قبل أن تصحو لتجد أنفسها منكشفة ستراتيجيا أمام لعبة خطيرة، كادت تتسبب لها بفوضى مشابهة لفوضى العراق وقتذاك، إضافة إلى رفض دول كبرى في العالم لهذا المشروع الذي لا أحد يعرف كيف ستتم السيطرة على مخرجاته، اذا ما وصلت إلى نهاياتها.

حيث سيغدو الشرق الاوسط بأيدي مجاميع من المجانين الأصوليين.. منذ ذلك الوقت بدأ العمل على إعادة ترميم المنطقة، وقد شهدت ولاية الرئيس ترامب هذا التغيير في السياسة الاميركية، مثلما شهد العراق بالتحديد وضعا سياسيا وأمنيا مختلفا بعد ثورة تشرين، وأصبحت البلاد تتنفس الحياة من جديد ولو بشكل خجول، لكن عودة لتلك الأيام الدموية والفوضى العارمة باتت غير ممكنة.. الشيء الذي يعرفه الجميع أن غياب دور الدولة والجيش وقتذاك، رافقه ظهور مكثف لجماعات مسلحة تشكلت في تلك الظروف، وأصبح السلاح الذي خارج سيطرة الدولة أو المنفلت يمارس نشاطه تحت مسميات ومبررات شتى، وهو ما ينبغي الانتهاء منه اليوم بإعادة بناء المؤسسة العسكرية والامنية العراقية، كنتيجة لفشل مشروع وبداية مرحلة جديدة بدأت بالفعل قبل نحو ثلاث سنين.

شعر المواطن العراقي خلالها بدولة قادمة، ولعله الآن بات اكثر ثقة بذلك، مع تحفظات كبيرة على ممارسات مؤذية مستمرة، كالفساد الذي لم يتوقف وعدم محاكمة قتلة ثوار تشرين، وهو ما سيتحقق اذا ما عادت المؤسسة العسكرية إلى وضعها الطبيعي وعادت معها الدولة بمؤسسات قوية، وباتت قوى السلاح غير الشرعي تشعر بأن لا مجال أمامها للاستمرار بذلك، بوجود جيش قوي يردعها وهو ما على أميركا وبريطانيا بوصفهما الدولتين اللتين احتلتا العراق وتسببتا بالمآسي التي حصلت فيه، أن تقفا معه وتعملا على إعادة بناء جيشه ودولته، ونعتقد كمتابعين، إن هذا ما باتت عليه رؤية أميركا وبريطانيا اليوم، وأن تسليح الجيش العراقي والعمل على تقوية الدولة العراقية سياسيا واقتصاديا وامنيا، يأتي في سياق الرؤية الجديدة، التي يجب ألا نغفل دور الشعب العراقي في خلقها بثورته العظيمة، وبرفضه المسبق لمشروع التقسيم وعدم الانجرار وراء المشاريع الطائفية، التي كادت تنهي العراق دولة وشعبا قبل اكثر من عقد ونصف العقد.

........................................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق