q
سلوك الطريق العلمي والعملي نحو التعايش السلمي والفكر الذي يقبل الاختلاف وفي نفس الوقت يلتزم بشروط الاحترام يؤدي إلى السلام والأمن والرفاه والعدالة، وأي تباعد عنه يؤدي إلى التعصب الأعمى والعنف المتبادل. لو وضع أصحاب صنع القرار والقانون هذه النظرية القرآنية نصب أعينهم فإن الحصيلة ستنتج قوانين جديدة...

كيف تسهم ازدواجية المعايير الغربية في تعميق الشرخ بين الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة؟ وكيف يمكن مواجهة خطاب الكراهية؟

من المسلم به؛ إن أي قوة سياسية تسعى لفرض سيطرتها وهيمنتها وترويج أفكارها ومبادئها وثقافتها وكذلك الأمر نفسه بالنسبة لأي تيار فكري. وبما أن القوة السائدة في الزمن الراهن هي بزعامة الغرب، فلا يُتوقع أن يكونوا محايدين وأمناء في حفظ الحضارات والثقافات الإنسانية المختلفة.

فكل حزب بما لديهم فرحون، وكل من لديه القوة أو السلطة لا يراعي غالبا حقوق الآخرين بقدر ما يراعي حق نفسه ويحاول فرض ثقافته وإن ادعى الحياد والموضوعية في سنّ قوانين حقوق الإنسان أو احترام الثقافات. كما لا يمكن أن نتوقع ذلك من مؤسسة دولية وعالمية بضخامة الأمم المتحدة أيضا، ذلك لأنها هي الأخرى من نتاج القوى العظمى التي تطمح للسيطرة بفرض أفكارها أو مبادئها؛ مهما تظاهرت بالشمولية العالمية.

ومن مبادئ الغرب -حاليا- سواء كانت مبتنية على مصالح سياسية أو أسس أخرى تحرّم المساس أو مجرد نقاش موضوع وقوع "الهولوكوست"، أو حرق عَلَم دولة أو نظام من الأنظمة السياسية المرحب بها، لكنها في نفس الوقت تسمح بانتهاك حرمة الأديان والمقدسات لدى الكثير من أبناء البشر تحت عنوان حرية البيان.

وهذا الأمر ليس خاص فقط بالغرب، فحتى لو انتهى عهد الزعامة الغربية على العالم و-الذي هو فعلا على وشك الانتهاء حسب نظرية التداول التي تتكرر كل مائة عام- فإنَّ القوة التي ستليها أو تخلفها سيكون لها نفس النمط؛ أي أنها هي الأخرى ستبذل جهودها للهيمنة وفرض مبادئها على العالم؛ ولربما قد تفوق على سلفها الغربي مما يؤدي إلى ترحم أبناء العالم على السيطرة الغربية!.

من هنا وبناء على هذا الأساس؛ فإنَّ المشكلة ليست فقط في كون المعايير مزدوجة لصالح الأقوى وإنما هي في الأصل فاسدة كونها تتعصب لما تعتقد به من دون الوصول إلى قاسم مشترك يؤدي إلى حفظ الحقوق والثقافات الإنسانية المختلفة، أو الإتفاق على كلمة سواء تمنع انتهاك الحرمات المقدسة.

وفيما يرتبط بكيفية مواجهة خطاب الكراهية؛ فإنَّ الأمر مبدئيا قائم على عاتق أصحاب العلم والفكر الذين يحملوا همّ التعايش السلمي، وذلك بأقلامهم وخطاباتهم ومناهجهم ليبعدوها كل البعد عن أي نوع من أنواع التعصب والكراهية والعنف وإهانة الآخرين.

ومثال ذلك؛ نجحت نيوزلندا في ترويج هذه الثقافة عبر تأهيل معلميها؛ حيث فرض أصحاب الفكر على من أراد ممارسة مهنة التعليم أن يدرس أولا منهج التعايش السلمي واحترام بقية الأديان والتقاليد؛ فوضعت أسابيعا وأياما للحديث عن مختلف ثقافات طلابها في فصولهم التعليمية. كما فرضت آراءها على سائر أركان الدولة بسنّ قوانين تمنع أي عمل استفزازي قد يخل بالتعايش والوئام ولو على مستوى الكلام في بلد يحوي الكثير من الأديان والثقافات والشعائر، وما ذلك إلا لإدراكها لخطورة اشعال فتيل الفتن وما يولده من كوارث وحروب أهلية لا نهاية لتبعاتها.

من هنا فإن سلوك الطريق العلمي والعملي نحو التعايش السلمي والفكر الذي يقبل الاختلاف وفي نفس الوقت يلتزم بشروط الاحترام يؤدي إلى السلام والأمن والرفاه والعدالة، وأي تباعد عنه يؤدي إلى التعصب الأعمى والعنف المتبادل.

وعليه؛ لو وضع أصحاب صنع القرار والقانون هذه النظرية القرآنية نصب أعينهم – وهو كتاب علم قبل أن يكون كتاب دين-: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم"؛ فإن الحصيلة ستنتج قوانين جديدة تصد عن أي حركة تدعو إلى الكراهية والعدوان.

وهذه النظرية قد تكون متوفرة في محتوى أو متون مختلف الدساتير أو البيانات الدولية أو المحلية وذلك بتعابير مختلفة لكنها متفقة في المغزى وهو الابتعاد عن كل عمل سلبي قد يؤدي إلى إثارة المشاعر السلبية أو الاستفزاز.

وبناء على هذا الأساس؛ فيبدو أن هنالك فرصة لأصحاب الفكر في أن يقدموا معايير جديدة للمرحلة القادمة في فترة انتقال القوة لزعامة العالم لغير الغرب، فإذا كانت المراحل السابقة قائمة على قدرة المال والسلاح مما جعل الغرب الرأسمالي يتصدر العالم، فإن المرحلة القادمة ستكون قائمة على الذكاء الصناعي وما يسمى بحكومة المعلومات" Government of Data"، وهو الذي جعل الصين أن تكون المرشحة لزعامة المرحلة القادمة لقدراتها في هذا المجال، فإذا استغل أصحاب الفكر فرصة التحول العالمي "Global Transformation"، فإنهم سيكونون قادرين على تصحيح القوانين ورفض الازدواجية في المعايير، وذلك من خلال التركيز على القواعد المشتركة بين الحضارات البشرية، بل وحتى قيم إنسانية مشتركة؛ مثل شعار حقوق الإنسان، أو قبول الرأي الآخر، ونبذ العنف والتطرف، وادانة بث التفرقة والكراهية، والدعوة إلى العدل والمساواة..

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات تحت عنوان (جريمة الكراهية لأسباب دينية.. العدوان على القرآن الكريم إنموذجاً)

اضف تعليق