المقال التالي هو الترجمة العربية لمقال الكاتب والصحفي John Pilger بعنوان: " مجرمو حرب الشرق الأوسط يجب أن يقفوا في قفص الاتهام مع داعش". العنوان بالانكليزية هو:

"The war criminals in our midst who should be in the dock with ISIS"

داعش هي انتاج أولئك في واشنطن ولندن الذين بتدميرهم العراق دولة وشعبا متهمون بارتكاب جرائم حرب ضد البشرية. ديك جيني وجورج بوش مخططا غزو العراق عام 2003 يضغطون الآن لشن الحرب الثالثة على العراق. عندما أمر ريتشارد نيكسون الرئيس الأمريكي الأسبق بشن الغارات الجوية على كمبوديا وامطارها بالقنابل عام 1969 قال وزير خارجيته هنري كيسنجر حينها " كل شيء طائر ضد كل شيء يتحرك ". وبما أن أوباما الذي أشعل حربه السابعة ضد الدول الاسلامية تحت ستار من الهيستيريا وافتعال الاكاذيب منذ منحه جائزة نوبل للسلام تجعل المرء يتجاهل جرائم كيسنجر. لم نصب بالدهشة عندما شاهدنا عمليات قطع الرؤوس وبعثرة أجزائها في الحقول وعلى اغصان الأشجار فلنا أمثلة لما قام به بول بوت والخمير روج الذين يشتركون مع داعش في الوحشية. لقد كانوا قساة من القرون الوسطى حيث بدئوا كطائفة تدميرية من صنع أمريكي.

ونقلا عن بول بوت نفسه فان حركته ضمت في البدء 5000 آلاف فرد من مقاتلين فقراء ليس لهم ستراتيجية أو خطط تكتيكية لكنهم مخلصون لقادتهم. وحين بدأت الطائرات الأمريكية ب52 كجزء من خطة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون بالقاء قنابلها عليهم وأحراقها الحقول الزراعية أمام أعينهم تغيرت مشاعرهم بصورة جذرية. فلم يقتصر عدد المقاتلين على الخمسة آلاف بل تضاعف ليبلغ 200 ألف مقاتل. لقد ألقت الطائرات الأمريكية من القنابل على كمبوديا ما يعادل خمسة قنابل ذرية من وزن القنبلة التي دمرت سكان مدينة هيروشيما اليابانية نهاية الحرب العالمية الثانية. وخلال تلك الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة لمكافحة التوسع الشيوعي والتي استمرت من عام 1969-1973 قد أبادت القرى منطقة بعد أخرى، حينها كانت الطائرات الأمريكية تجوب السماء لتمحو أي أثر للحياة البشرية والنباتية ولتمنع اعادة الحياة ثانية الى تلك البقاع. لقد أحدثت الغارات الجوية في من بقي على قيد الحياة الرعب غير المتصور، لقد تركتهم شبه مجانين من أثر هدير الطائرات وحرائق المزارع والغابات والمنازل وخراب المدن وأي أثر للمدنية. لقد دفعت الناس لقبول أي مهمات يكلفها بهم قادة الخمير روج. لقد زهقت خلال تلك الحرب أرواح ستمائة ألفا من مواطني كمبوديا.

لداعش تاريخ وحاضر مماثل. وبحسب التقارير فان حرب عام 2003 التي قادها الرئيسان جورج بوش وتوني بلير قد سببت بمقتل أكثر من 700 ألف مواطن لبلد لم يعرف التطرف الديني، الأكراد حققوا مغانم على الأرض ويعززون من قدراتهم للانفصال عن العراق، الشيعة والسنة اختلفوا فيما بينهم طائفيا وقد يفترقا. قبل سنوات من الغزو قمت بجولة في أنحاء العراق من دون خوف وخلال الطريق التقيت أناسا كثيرين، لقد كانوا فخورون بكونهم عراقيين، بوش وبلير حولوا ذلك الى شظايا. الآن يحول العراق الى مفرخة للقاعدة تماما مثل جهادي بول بوت. المعارضة في سوريا حصلت على مكافئات من السي آي أيه ودول الخليج بما فيها أسلحة وتدريب واستشارات عبر تركيا.

لقد كتب السفير البريطاني السابق " أوليفر ميلز " قائلا: " يبدو أن حكومة السيد ديفيد كاميرون تسير على خطى رئيس الوزراء السابق توني بلير، فقد تجاهل نصائح وزارة الخارجية وأم آي5 وأم آي6 بأن سياستنا في الشرق الأوسط وخاصة في الحروب هناك قادت الى مزيد من تشجيع المسلمين في بريطانيا على الارهاب". داعش وليدة واشنطن ولندن الذين دمروا الشعب والدولة العراقية وبذلك يرتكبون جريمة ضد الانسانية تماما مثل بول بوت والخمير روج. داعش صناعة الأقلية الغربية الامبريالية. مرت الآن ثلاثة وعشرين عاما بعد حرب الخليج الأولى منذ هولوكوست العراق عندما اجبرت أمريكا وبريطانيا مجلس الأمن الدولي على فرض عقوبات شنيعة في قسوتها على الشعب العراقي. كانت العقوبات متعسفة ومتطرفة في قسوتها تشابه تلك التي تفرض أثناء الحصار في القرون الوسطى. لقد فرض الحظر على أي شيء له علاقة بالحياة والحضارة الانسانية. لقد منع عن العراق حتى الخلورين الذي يستعمل لتنقية مياه الشرب وأقلام الكتابة في المدارس وأجهزة أشعة أكس والعديد من الأدوية بما فيها تلك المخففة للالام.

قبل احتفالات أعياد رأس السنة في عام 1999 أصدرت ادارة التجارة والصناعة البريطانية قرارا يمنع تصدير لقاحات الأطفال ضد مرض الدفتريا والحمى الصفراء. الدكتور كيم هويلز هو واحد من المسئولين في حكومة توني بلير فسر ذلك القرار بقوله: " ان المادة الموجودة في تلك اللقاحات تستخدم في صناعة أسلحة الدمار الشامل". الحكومة البريطانية كانت قادرة على التهرب من هكذا سخف غير معقول فقط بسبب هيمنة وزارة الخارجية على وسائل الاعلام واتهام صدام حسين بكل شيء.

وفق برنامج النفط مقابل الغذاء تقرر أن مبلغ 100 دولارا أمريكيا كافية لمعيشة العراقي لمدة عام بما فيها النفقات على البنية التحتية لكافة أفراد المجتمع مثل الكهرباء والماء. وقد ذكر الموظف المسئول ممثل الأمين العام للامم المتحدة هانس فون سبونيك ان كل ذلك كان متعمدا، انا لا أحب أن أستخدم تعبير GENOCIDE لكنه الواقع. لقد استقال سبونيك من منصبه الرفيع لأنه لم يستطع تحمل مسئولية غير أخلاقية، ولم يستمر السيد دنيس هاليداي الذي تلاه في منصبه طويلا فقدم استقالته من منصبه هو الآخر. وقد قال لكاتب هذا المقال " أمرت بتنفيذ سياسة القتل الجماعي التي كانت سببا في موت أكثر من مليون طفل وراشد. وبحسب صندوق الطفولة التابع للأمم المتحدة ان نصف مليون طفل تحت سن الخامسة فقدوا حياتهم ما بين 1991 - 1998. أحد المراسلين في قناة اخبارية أمريكية طرح هذا الموضوع على مادلين أولبرايت المدنوبة الأمريكية في الأمم المتحدة متسائلا " هل يستحق ذلك كل هذا الثمن الباهظ ؟؟ فردت الدبلوماسية الأمريكية " نعم نعتقد أنه يستحق."

في عام 2007 صرح المسئول الرسمي البريطاني عن العقوبات Came Ross والمعروف " Mr. Iraq " أمام اللجنة البرلمانية قائلا " ان حكومتا الولايات المتحدة وبريطانيا عملا بفاعلية لحرمان كل الشعب العراقي من وسائل العيش ". وينقل John Pilger عن المسئول البريطاني أثناء حواره الصحفي معه بعد ثلاثة سنوات من اطلاقه ذلك التصريح قوله " أنه كان نادما خجلا من تصرفه " “I feel ashamed,. وحاليا يطلق تصريحاته كاشفا الحقيقة للرأي العام، مبينا الدور المشبوه الذي لعبته وسائل الاعلام لنشر الحقائق الزائفة عما كان يجري بالفعل.

في 259 2014 نشرت صحيفة الغارديان اللندنية عنوانا رئيسيا في صفحتها الأولى يقول " أمام الفظائع التي ترتكبها داعش يجب علينا التحرك لوقفها ". كان ذلك العنوان لمقال كتبه Peter Hain الوزير في مكتب وزارة الخارجية في عهد السيد توني بلير، انه يحذر الآن من داعش. هذا الوزير نفسه اتهم السيد Denis Halliday بالتحدث نيابة صدام حسين في حوار بينهما على قناة البي بي سي حول معاناة الشعب العراقي في ظل " برنامج النفط مقابل الغذاء " الذي أقرته الأمم المتحدة للعراق بعد حرب الخليج الأولى. حاليا يطالب بيتر هين حكومة المحافظين في بلاده بارسال المعدات العسكرية وطائرات بدون طيار والطائرات البريطانية القاصفة لدعم أولئك الذين يواجهون الابادة الجماعية في سوريا والعراق. للرئيس أوباما نفس التوجه، ما يعني اطلاق صواريخ توماهوك وقنابل من زنة 500 رطل التي ستدمر بدون تمييز بيوت المزارعين الفقراء كما يفعلون حاليا في اليمن وباكستان وأفغانستان والصومال تماما كما فعلوا في كومبوديا واللاؤوس والفيتنام. في 239هذا العام اطلقت صواريخ كروز الاميركية على سوريا فاصابت قرية في منطقة ادلب قتل نتيجتها العشرات بما فيهم أطفال ونساء حينها لم ترفع هناك أية اعلام سوداء تعود لداعش.

في اليوم الذي ظهر مقال الوزير بيتر هين في صحيفة الغارديان الذي طالب فيه حكومة المحافظين بقصف قوات داعش حل في لندن الموظفان السابقان للأمم المتحدة اللذان عملا على نظام العقوبات على العراق واللذان استقالا من منصبيهما احتجاجا على قسوة تلك العقوبات. لقد التقيا السيد بلغر كاتب هذا المقال في لندن وهما دينيس هوليداي وهانس فون سبونيك. لم يفاجئا بالشعور المنافق للسياسيين البريطانيين الذين يتجاهلون تماما الدبلوماسية الذكية التي تعتمد التفاوض لمحاولة التوصل الى حلول. فعبر العالم من شمال أيرلندا حتى النيبال حيث اتهم أطراف النزاع فيها بعضهم البعض بالارهاب، لكنهم قابلوا بعضهم البعض على طاولة المفاوضات. فلماذا لا يحدث مثل هذا في سوريا والعراق..؟؟

لا شيء تغير في عالم الامبريالية. يروي وزير خارجية فرنسا السابق رولاند دوماس أنه عندما كان في زيارة لبريطانيا سنتين قبل بدء ما يسمى الربيع العربي، تم اطلاعه أثناء تلك الزيارة على خطة اعلان الحرب على سوريا، قال ذلك أثناء حوار له جرى على القناة الاخبارية الفرنسية LPC. قال: " لقد قابلت مسئولا سياسيا بريطانيا سنتين قبل بدء الاضطرابات في سوريا عندما كنت حينها في مهمة خاصة، وقد اعترفت له الشخصية السياسية البريطانية الرفيعة بأنهم يحضرون لشيء في سوريا، فبريطانيا تنظم غزوا يقوم به مقاتلون ضد الحكومة السورية. وسألوني برغم اني لم أعد وزيرا للخارجية في الحكومة فيما اذا لي الرغبة في المشاركة في تلك الخطة، تلك الحرب مخططا لها فترة طويلة قبل أن تبدأ."

لقد قامت تركيا حليف الغرب وعضو الناتو بالتآمر مع السي آي أيه وأم آي 6 ودول الخليج بقايا القرون الوسطى بتقديم الدعم للمتمردين السوريين بما فيهم داعش. حيث تساعد هذه تركيا لتحقيق حلمها البعيد للهيمنة من خلال اطاحة الاسد وبث الصراعات الداخلية بين المكونات الاثنية الأكثر تنوعا داخل المجتمع السوري. يبدو ان ايقاف القتال والتفاوض صعب المنال، لكنه الطريق الوحيد لوقف المؤامرة الامبريالية، عدا ذلك فان قطع الرؤوس سيستمر. التفاوض الجدي مع سوريا لا يبدو مرغوبا فيه من جانب داعمي مجرمي الحرب أمثال توني بلير. مع ايقاف الحرب يجب وقف شحنات كافة انواع المعدات الحربية الى اسرائيل واعادة استئناف المفاوضات الفلسطينية.

موضوع فلسطين هو جرح مفتوح وسببا لتبرير قيام الحركات الاسلامية المتطرفة وقد كان اسامة بن لادن قد اعلن ذلك بوضوح. أعطوا الفلسطينيين حقوقهم وبذلك يبدأ تغيير العالم من حولكم. قبل أكثر من 40 عاما قصف نيكسون – كيسنجر كمبوديا التي لم تستعد لحد اليوم عافيتها. الحقيقة نفسها تقال عن الجرائم التي أرتكبها بوش – بلير بحق العراق. وفي الوقت المناسب صدر كتاب هنري كيسنجر " النظام العالمي ". وفي واحد من التقييمات التي نشرت حول الكتاب وصف فيه كيسينجر " بأنه أعاد تشكيل النظام العالمي وحقق استقرارا استمر لربع قرن". لنقل ذلك لكومبوديا وفيتنام ولاؤوس وشيلي وتيمور الشرقية وبقية ضحايا " صانع الدول المحترف". فقط عندما نعترف " نحن " بمجرمي حرب الشرق الأوسط عندها تبدأ الدماء تجف.

.....................................

كاتب المقال. من مواليد بوندي، سيدني، أستراليا. استقر وعمل في لندن ومارس نشاطه في الصحافة فيها. عمل اولا في الصحيفة اليسارية DALLY MIRROR انتقل بعدها للولايات المتحدة ونشط هناك في حملة الحقوق المدنية الى جانب مارتين لوثر كينغ وخاصة بعد اغتيال الأخير. ونشط أيضا في حملة قادها لجمع 50 مليون دولار لضحايا الغارات الامريكية في كمبوديا، وكرر ذلك النشاط لصالح تيمور الشرقية. مقالاته تظهر باستمرار في الصحافة العالمية مثل الغارديان والانديبندينت ونيويورك تايمز ولوس انجلس تايمز وفي صحافة جمهورية جنوب افريقيا والسويد وايطاليا ودول عديدة أخرى. وقد حاز على جوائز عديدة منها جائزة سيدني للسلام، هو مناضل نشط في سبيل حقوق الانسان ونشر العدالة في العالم وأبرزها مقاضاة مجرمي حرب غزو العراق وينشط أيضا في " STOP THE WAR COALITIO."
.........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق