q
يرسم العلاقة بين الشعوب دون تأثر بمتقلبات السياسة والمصالح الآنية ولا يمكن لأي حدث مهما كان كبيرا أن يؤثر عليه، فعلاقة شعبين أو شعوب لا تتأثر بالسلم والحرب بين الحكومات أو حتى بانهيار نظام حكم ومجيء نظام حكم آخر. ومن الخطأ تصور أن معادلات المنطقة قد تغيرت...

هل ستداوي مصالحات الشرق الاوسط جراح الشعوب العربية وتنسى صراعات الماضي المعقدة والمتشابكة؟ وما هي التوقعات المستقبلية بتشكيل محور اقليمي شرق اوسطي؟

هنالك جانبان مهمان يتعلقان بمصالحات الشرق الأوسط الأخيرة أحدهما جانب سياسي والآخر جانب تاريخي.

فسياسيا؛ يتغير أمر السلم والتحالفات كذلك الصراعات والعداوات حسب تغير المعادلات الدولية أو المصالح الاقتصادية وغيرها بين الدول.

وما حصل مؤخرًا لا يختلف عما جرى في السابق؛ وسيترك تأثيره العام على أبناء المنطقة كما ترك من قبل تأثيراته الإيجابية أو السلبية خلال تقلبات الأحداث الماضية من صراعات وتحالفات.

وبالطبع فإنَّ الجانب السياسي مصبوغ بصبغة المصلحة ولهذا فلا قيمة لنسيان صراعات الماضي أو حتى تذكرها، ذلك لأنه لا صداقة ولا عداوة في السياسة وإنما المصلحة البحتة والعوامل المشتركة بين الطرفين هي الحاكمة على أحداث الساعة.

أما ما يرتبط بالجانب التأريخي؛ وهو الجانب الأصيل والمترسخ في ذاكرة الشعوب وعقليتها، وهو الذي يحكم في مركز لا وعيها؛ وبناء على هذا فإنه يرسم العلاقة بين الشعوب دون تأثر بمتقلبات السياسة والمصالح الآنية ولا يمكن لأي حدث مهما كان كبيرا أن يؤثر عليه، فعلاقة شعبين أو شعوب لا تتأثر بالسلم والحرب بين الحكومات أو حتى بانهيار نظام حكم ومجيء نظام حكم آخر.

ومن الخطأ تصور أن معادلات المنطقة قد تغيرت بعد عام ١٩٧٩ في إيران أو عام ٢٠٠٣ في العراق وما شابههما من أحداث.

وعليه فالتنافس السعودي الإيراني كان موجودا منذ قدم تاريخ وجود الدولتين، وللتقارب السوري الإيراني تاريخ يعود إلى حوالي قرن من الزمن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اليمن وعلاقتها مع السعودية أو إيران حيث إن لها جذور مذهبية وثقافية تربطهما رغم التقلبات السياسة.

وكذلك الحال مع العلاقات السورية السعودية؛ فالموقع الاقليمي الاستراتيجي والثقافي يفرض نفسه على المنطقة ويدعو الحكومة السورية فيها لانتهاج سياسة الجزرة والعصا، وهذا الذي أجبر السعودية وسائر دول الخليج على إعادة هيبة حافظ الأسد إلى نجله بعد أن أسقطوه من الاعتبار تماما لدرجة لم يتوقع أحد أن تعود العلاقات إلى سابق عهدها.

وفيما يرتبط بالتوقعات المستقبلية؛ فإنَّ ظهور فئات أو عقليات أو أفكار معتدلة أو متطرفة في الحكومات هو الذي سيرسم العلاقات، ليس في داخل حكومات المنطقة فحسب بل وحتى في الساحة الدولية كما رأينا تأثير صعود اليمين المتطرف في الغرب على أحداث العالم..

هذا بالإضافة إلى أن الأحداث المتسارعة في المنطقة والانتقال التدريجي للصين نحو سيادة العالم فرضت على الدول أن تخلف ركام الماضي بتطرفه وحروبه وحصاره لتواكب التيار الحاكم الجديد على العالم بلباسه الاقتصادي الجديد وسياساته المختلفة.

* مداخلة مقدمة الى الجلسة الحوارية التي عقدها مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية في ملتقى النبأ الاسبوعي تحت عنوان (المصالحات في الشرق الاوسط بين الحقيقة والوهم)

اضف تعليق