مشروع الموازنة لا يزال يواجه عوائق سياسية أكثر منها فنية، فالكتل السياسية تضع العراقيل في طريق التمرير، لكي تضمن زيادة مساحة حصتها من المبلغ المخصص للسنوات الثلاثة، فبعد ان كان يفترض التصويت عليها في أيام القريبة القادمة، هنالك احتمالية كبيرة للتأجيل بسبب عدم التوصل الى اتفاق يرضي الشركاء وليس الضعفاء من عامة الشعب...

نجح البرلمان العراقي في إكمال القراءة الثانية لمشروع الموازنة العامة للبلاد للسنوات، 2023 و2024 و2025، بينما الكتل السياسية لم تنجح في تجاوز أزمتها الخاصة بهذا المشروع ولا تزال ترى من الموازنة العامة مصدر الثروات الحزبية ومنفذ لسرقة قوت الشعب.

مشروع الموازنة لا يزال يواجه عوائق سياسية أكثر منها فنية، فالكتل السياسية تضع العراقيل في طريق التمرير، لكي تضمن زيادة مساحة حصتها من المبلغ المخصص للسنوات الثلاثة، فبعد ان كان يفترض التصويت عليها في أيام القريبة القادمة، هنالك احتمالية كبيرة للتأجيل بسبب عدم التوصل الى اتفاق يرضي الشركاء وليس الضعفاء من عامة الشعب.

ما يدور في الاروقة السياسية وخلف الكواليس، مفاده ان الكتل لغاية الآن غير راضية بخطوات الحكومة الحالية وهي إقرار موازنة لثلاثة أعوام، وتعتبر هذه الخطوة من المفارقات التي حصلت في نظام العمل السياسي العراقي بعد تغيير النظام، لذا ستحاول جهد إمكانها الوقوف بوجه القانون وتمريره وفق ما ينسجم ورؤيتها الخاصة.

عملية دمج الموازنة العامة تستند إلى المادة 78 من الدستور العراقي والمادة 4 فقرة 2 من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 6 لسنة 2019»، اذ اجازت تلك المواد الدستورية والقانونية الدمج بما يجعل السنة الأولى وجوبية بينما الموازنتان اللاحقتان قابلتان للتعديل من قِبل البرلمان حسب الظروف.

التخوف الذي أصاب الكتل السياسية، ينبع من كونها لثلاث سنوات، وهذا يعني بعرفها الخاص، عملية تحديدها وابعادها عن المزايدات والمجاملات المرافقة لإقرار الموازنة طيلة هذه الفترة، ويعني أيضا بالنسبة لها تقليم الاظافر ومنعها من التحرك بأريحية تامة.

تفرض ما تريد وتمرر ما ترغب فيه إرضاء لجمهورها وتحقيقا لمصالحها الذاتية، وبذلك يكون هذا الاجراء بمثابة سحب السلاح الأول والاهم للكتل السياسية التي اتخذت من بنود الموازنة العامة مساحة لفرض الإرادة والتحرك لضرب الخصوم عبر عقد الصفقات مع الشركاء يسبق التصويت النهائي على المشروع.

وكذلك البرلمان يعتبر من المتضررين نتيجة لهذا الإقرار، الذي خول الحكومة الحالية التصرف بالأموال دون الرجوع اليه لمدة ثلاث سنوات، الا في بعض الحالات التي تحتاج الى تعديل او إعادة نظر، فهو يرى ان الحكومة اقصته الى حد ما، واضعفت دوره الرقابي فيما يخص حركة الأموال داخليا وتسوية الحسابات.

وهو لا يريد ان تأخذ الحكومة الحالية كامل حقوقها وصلاحياتها الممنوحة وفق الدستور، ويحاول ان يبقى النفاذة الوحيدة التي تمنح التراخيص لمرور التمويل لهذا المشروع او تلك الوزارة التي في الأساس تعتبر حصة لحزب معين او جهة متنفذة.

مشروع الموازنة العامة عانى طيلة العقدين الماضيين من الإقرار في الزمن المحدد، وكما هو معروف في البلدان المستقرة، ونتيجة لهذه المعاناة فقد اعتاد الشعب العراقي على مرور ستة أشهر لإقرار القانون، يتبع ذلك تأخر في جميع الاتجاهات العمرانية والاقتصادية وغيرها.

لذا أراد السيد السوداني ان يستثمر ما منحه الدستور من حق تشريعي، والعمل على الابتعاد قليلا عن الخلافات السياسية، في الوقت الذي صرح فيه ان الحكومة الحالية هي حكومة خدمات، فهو يريد ان يستكمل المشروعات المتلكئة وتوفير الدعم لها لحين الانتهاء منها، وهو امر إيجابي مع الاخذ بعين الاعتبار ما سيرافقه من تحديات تتمثل بتقلب أسعار النفط عالميا وعدم استقرار السوق المالية داخليا.

إقرار مشروع الموازنة العامة بهذه الشاكلة، سيعمل بشكل او بآخر على إيقاف عمليات الابتزاز السياسي، الذي يثقل كاهل المسودة ويعرضها للنقض في المحكمة الاتحادية، بما يؤخر علمية التمرير المتأخر في الأساس، وهنا يكون السوداني قد وضع الكتل السياسية جميعها في دائرة الاحراج وترك الحكم للجمهور العام، وهذا بحد ذاته ذكاء سياسي سيجنبه العوائق السياسية المتوقعة.

اضف تعليق