ما أقسى هذه التي نسميها بلداننا. تقتلك إذا رفضت البقاء خانعاً أمام الظلم. تقتلك إذا رفضت الانخراط في عصر الظلام. غسان شربل/حاذروا أن توقظوه

إنّ التاريخ علّمنا أنّ الحروب تبدأ ثمّ تنتهي، لكنّ الحرب في عالمنا العربي لا تعرف لها نهاية.

مايا الحاج/سلطة الطفل الغريق

ينشغل الاعلام هذه الأيام بالحديث عن الهجرة والمهاجرين الى اوربا، وتفرد الفضائيات والمواقع الالكترونية مساحات واسعة للحديث عنها، وتحليلها.

لا تهمني التغطيات العربية او الأجنبية للحدث، قدر ما يهمني التغطيات العراقية لها، والتفسيرات العديدة التي تقدمها، من سياسيين ومثقفين، الغالب الاعم عليها هو رائحة المؤامرة التي تملأ الأجواء.

وهي مؤامرة لا تشترك فيها جهة واحدة، بل هي (حيص بيص) فهناك إسرائيل على حد تعبير المطبّعين، او (الكيان الصهيوني) على حد تعبير أصحاب الكهوف القومجية، ومن دخل معهم اليها من (متأسلمي) الزمن الراهن، و(اسلاموي) الأحزاب والحركات والتكتلات، الى اخرها من مجاميع المذكر السالم وجمع التكسير.

هناك من يضيف الى إسرائيل او الكيان الصهيوني، أمريكا، وألمانيا، ومن يشتط في ذلك ليضيف الأردن الى قائمة المتآمرين لتسهيلها السفر للراغبين بالهجرة، وهناك أيضا تركيا، وربما غدا تضاف دولا أخرى الى هذه القائمة التآمرية التي تطول ولا تقصر مع مرور الأيام.

ومنهم من يعيد سبب الهجرة هذه الى البطالة وقلة فرص العمل، ومنهم بسبب الأوضاع الأمنية المتردية، او بسبب أوضاع اجتماعية يشتط بعض المحللين فيها فيذكرون عامل الكبت الجنسي والذي يعزونه الى ضخامة المهور، وشروط النساء التعجيزية على المتقدم للزواج. الى اخر الأسباب، البعيدة او القريبة من الموضوع.

لو فرضنا ان ما يحدث الان هو ظاهرة اجتماعية او سياسية او اقتصادية، (طبعا يدخل الامن في صلب كل واحدة من التقسيمات الثلاثة)، واردنا ان نضع الحلول والمعالجات لها، فانه يتوجب علينا إقصاء جميع التفسيرات والتحليلات التي من شأنها أن تكون خاطئة، لكي لا تؤول بنا لمعالجات غير صائبة، وحلول غير ناجعة، تراكم علينا أخطاء أكبر من الظاهرة ذاتها.

بعض ما ذكرته من أسباب اسمعها من خلال الأحاديث المتداولة مع الاخرين، وبعضها الاخر اقرأها على لسان مسؤولين عراقيين.

استعين بمثلين من التفسير السياسي لهجرة العراقيين:

أحد النواب في تحذيره من الهجرة، فانه يعتبرها (انعكاساً لخيبات الأمل المتراكمة التي يعاني منها المجتمع العراقي بشكل عام) بداية حديثه جيدة، تلامس الواقع الصارخ الذي يعيشه العراقيون، لكن لنكمل بقية تصريحه: (غياب التخطيط الاستراتيجي لاحتواء الشباب العاطلين عن العمل واستثمار طاقاتهم بشكل بناء ومثمر يضعهم على الطريق الصحيح). هنا يدخل النائب في (حيص بيص) التي ذكرتها في بداية الموضوع.

فهو يعتقد وعن يقين ان البطالة هي العامل الرئيسي في هذه الهجرة، وهو ماتكذبه شهادات عديدة لمهاجرين رصدت اصواتهم تقارير صحفية كثيرة، تتحدث عن اسباب متعددة لهجرتهم. لنستمع الى اصواتهم:

الفساد

تدني مستوى الخدمات العامة.

لن يتأتى أي أمر إيجابي في هذا البلد.

لا يتمتع ..........، وهو كردي يبلغ من العمر 32 عامًا، بالسمات التقليدية لطالبي اللجوء، إذ إن مدخوله الشهري يبلغ ثلاثة آلاف دولار، وهو يقيم في منزل رحب حديث البناء على أطراف أربيل.

"أعمل منذ بلغت العاشرة من العمر... لبناء هذه الحياة وهذا المنزل. الآن أنا مستعد للتخلي عن كل هذا عندما أصل إلى إحدى هذه الدول. أي مكان... طالما أنا سعيد، آمن، أتمتع بعدالة اجتماعية وحقوق إنسانية".

 "أريد لأولادي حياة جيدة وآمنة بعيدًا مما يجري هنا".

 "كردستان لن يكون أبدًا جنة، سيصبح الوضع أسوأ عامًا بعد عام ".

"في العراق، كان لا يمكنني ارتياد أماكن تؤمّها أعداد كبيرة من الأشخاص. إنه أمر محفوف بالمخاطر".

في الحادية والعشرين من عمره، لم يعرف إلا الاضطرابات في بلاده، لذلك يقول "أحلم بأن أعيش حياة يسودها الأمان والسلام".

حاصل على شهاد الدبلوم العالي وموظف في وزاره الصحة العراقية.

حاصل على شهادة جامعية وحاليآ اعمل استاذ جامعي.

البطالة.

ويضيف أحدهم عبارة بليغة في وصف ما يدفع هؤلاء الى الهجرة حين يقول: (الناس يائسون).

لا تشكل البطالة الا واحدا من الاسباب العديدة لهذه الهجرة الانفجارية (على وزن الميزانية الانفجارية للأعوام الماضية).

ثم يوغل هذا النائب في هذه (الحيص بيص) ويلجأ الى اللغة الخطابية وهو يدعو الحكومة (الى تبني حملة توعوية تستهدف شريحة الشباب وتبعث فيهم روح التفاؤل وتذكرهم بدورهم الرائد في قيادة المجتمع، وذلك بالتزامن مع إجراءات واقعية تعمل على توفير فرص العمل وتحسين الأوضاع الاقتصادية وتنفيذ حملة الاصلاحات التي من شأنها أن ترفع معنويات الشاب العراقي بشكل كبير).

التصريح الاخر، وبمناسبة الهجرة، ولكن بتعميم أكثر، يقول وزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري: إن (الوضع الراهن الذي تتعرض له البلاد هو ظرف استثنائي يجب أن تتضافر فيه جهود العراقيين بمختلف مكوناتهم ليزول في أقرب وقت).

من المعلوم ان الظرف الاستثنائي، يكون فعلا (استثنائيا)، محدد بزمن معين لزواله، لكنه في الحالة العراقية أصبح قاعدة ومنذ عقود طويلة.

كاتب السطور، عاش هذا الظرف (الاستثنائي) في مراحله العمرية المختلفة (حرب الشمال – الحرب العراقية الايرانية – حرب الكويت – سنوات الحصار – الهجرة الى سوريا – الاقتتال الطائفي – الزرقاوي والبغدادي) وما بين هذه الفترات (اجاك الذيب، اجاك الواوي). يختصرها الشاعر الشعبي العراقي بقوله:

أكلوا سنين بلحمنه ..... وإحنه ندفع بالحساب

هذه الاحداث تغطي مساحة واسعة من عمري واعمار الكثيرين من العراقيين قبل العام 2003 وبعده.

فهل تكون جميع هذه السنوات والاحداث استثناء ام قاعدة؟

اضف تعليق