تناقلت وسائل الاعلام والتوصل الاجتماعي تسريبات حول جدول سلم رواتب الموظفين الجديد المزمع اقراره، ولمن يطلع على السلم الجديد ان صح ما نشر فأنه يثير علامات الاستفهام والتعجب في طريقه التعامل مع فئات الموظفين الهشة التي تعاني من الفقر والغبن الوظيفي الذي ولد ما يعرف بأدبيات الإدارة بالاغتراب عن المؤسسة...

تناقلت وسائل الاعلام والتوصل الاجتماعي تسريبات حول جدول سلم رواتب الموظفين الجديد المزمع اقراره، ولمن يطلع على السلم الجديد ان صح ما نشر فأنه يثير علامات الاستفهام والتعجب في طريقه التعامل مع فئات الموظفين الهشة التي تعاني من الفقر والغبن الوظيفي الذي ولد ما يعرف بادبيات الإدارة بالاغتراب عن المؤسسة التي ينتمي اليها الموظف بسب غياب الرضا الوظيفي، ويمكن ان نؤشر على هذا الجدول المفارقات القانونية الاتية:

1- تضمن الجدول الجديد زيادة الرواتب الاسمية للموظفين بلغت نسبة (150 بالمئة) لموظفي الدرجة العاشرة صعوداً الى نسبة (10 بالمئة) لموظفي الدرجة الاولى وهي اعلى درجة يصلها الموظف بعد قضاء خدمة وظيفية فعلية تفوق الـ (30) سنة، وهذا الامر ان كان مقبولاً بهدف زيادة الرواتب الاسمية للموظفين من الدرجة (10 – 4) باعتبار ان رواتبهم الاسمية متدنية وتقليل الفوارق العمودية في سلم الرواتب بين الدرجات العليا والدنيا في السلم وان الزيادة وصلت الى اعلى من (100 بالمئة) للدرجة العاشرة، الا ان معدي السلم تجاهلوا معيار سنوات الخدمة والتدرج الوظيفي وضربوه عرض الحائط، اذ ان اهم امتياز يتحصل للموظف بعد خدمة طويلة هو الامتياز المالي الناجم عن تدرجه بالوظيفة وهو حق وليس مكرمة.

مخصصات واردة

2- لوحظ ان سلم الرواتب الجديد قد الغى كافة المخصصات الواردة في القوانين النافذة. وقرارات مجلس الوزراء، ومنها على سبيل المثال لا الحصر المخصصات الواردة في قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 وهي مخصصات الشهادة والمنصب والاعالة والاطفال والموقع الجغرافي والحرفة، اضافة لما ورد من مخصصات في القوانين الاخرى التخص طوائف معينة من الموظفين كمخصصات الخدمة الجامعية ومخصصات اللقب العلمي والمخصصات الممنوحة للقضاة واعضاء الادعاء العام وموظفي هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية مقابل صرف مخصصات مقطوعة مقدارها (80 بالمئة) من الراتب الاسمي موزعة بنسبة (50 بالمئة) تحت مسمى مخصصات تحسين معيشه وبنسبة (30 بالمئة) تحت مسمى مخصصات خطورة وهذا مخالف لنص المادة (18) من قانون رواتب موظفي الدولة سابق الذكر، وبذلك فقد اهدر معدي السلم معيار الشهادة عندما ساوى الموظف بدون شهادة مع الموظف الحاصل على شهادة الدكتوراه وهذا اخلال بمعيار العدالة الذي ينشده معدي السلم لان العدالة المقصودة تتمثل بالمساوة لمن هم في مراكز قانونية متماثلة وليس مساواة موظف الدرجة (10) مع موظف الدرجة (1) من السلم.

كما ان الغاء المخصصات الواردة في التشريعات الاخرى تتطلب تدخل تشريعي وان مثل هذا الالغاء سيجعل الزيادة النسبية في الرواتب الاسمية معدومة القيمة، وسيتم تدوير المخصصات لتوزيعها على الدرجات الدنيا مما يسبب ضرر للدرجات العليا، في حين كان يفترض من واضعي السلم تحقيق العدالة من خلال رفع نسب المخصصات المستحقة لهذه الفئات المقررة في القوانين النافذة لتقليل الفارق العمودي والافقي للرواتب دون الغاء هذه المخصصات وتقرير مخصصات مقطوعه للجميع رغم تفاوت المراكز القانونية من حيث الشهادة والخدمة والدرجة الوظيفية والخبرة، لذا فأن هذا السلم عبارة عن اعادة تدوير المبالغ ضمن اطارها ولا يتضمن اي زيادة بل على العكس تم انقاص الرواتب والمخصصات من حيث النتيجة.

زيادة الرواتب

3- ان تعديل سلم الرواتب محكوم بمبدأ (الزيادة) والزيادة تشمل الرواتب ونسب المخصصات وليس العكس، وهذا ما نصت عليه المادة (3/ثانياً) من قانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل التي اجازت لمجلس الوزراء تعديل مبالغ الرواتب المنصوص عليها في جدول الرواتب الملحق بهذا القانون في ضوء (ارتفاع) نسبة التضخم لتقليل تأثيرها على المستوى المعيشي العام للموظفين، ولاشك ان الوضع الاقتصادي في ضوء ارتفاع سعر صرف الدولار الموازي في الاسواق، وفي ضوء ارتفاع اسعار المواد الغذائية وايجارات العقارات في تضخم عالي، وان اقرار هذا السلم سينقص القدرة الشرائية لكافة فئات الموظفين وسيؤدى الى ارتفاع الاسعار بحجة زيادة رواتب الموظفين، في حين ان الجدول من حيث واقعه لا يتضمن زيادة في مقدار المبالغ المرصدة لرواتب الموظفين في الموازنة وان الامر لا يعدو سوى اعادة تدوير وتوزيع المبالغ على السلم ودرجاته والتي ستنطلي على عامة الموظفين المبتهجين بالزيادة المنشودة.

4- ان جوهر فلسفة الاصلاح المالي الحقيقي وتحقيق العدالة والوفرة المالية لخزينة الدولة تتمثل في تقليل رواتب الرئاسات الثلاثة ومخصصاتها ورواتب اعضاء مجلس النواب والذي يفترض منحهم مكافئة شهرية مؤقته لحين انتهاء تكليفهم بخدمتهم النيابية، مع الغاء رواتبهم التقاعدية شأنهم شأن كل النواب في العالم لان هذه الرواتب والرواتب التقاعدية تشكل عبئاً على الخزينة العامة، والمكافأة البرلمانية تمتاز بخصائص (كونها تتعلق بالنظام العام ومتساوية في مقدارها ومحمية بموجب القانون وتدفع لمدة محدودة، خلال فترة العضوية فقط لتغطيه نفقات النائب وتكون خاضعه لضريبة الدخل وغير مبالغ في مقدارها).

وفي ذلك يقول العميد بارتملي ( …ان السخاء في تحديد المكافئة البرلمانية لن يحول بين النواب والرشوة ، فمن يقبل الرشوة سوف يفعل سواء اكان راتبه كبيراً ام محدوداً)، وكذلك يقول الدكتور محمد عبد الله العربي (ان الافراط في المكافأة يذكي الطمع في الكراسي النيابية التي يشغف بها ادعياء السياسة للحصول على مغانمها...)، وهذا ما معمول به في امريكا وفرنسا وايطاليا ومصر ولبنان والجزائر وفلسطين وموريتانيا، وبالجدير الاشارة الى ان المادة (48) من قانون المجلس التاسيس العراقي نصت على تقاضي عضو المجالس النيابية مكافئة برلمانية مقدارها (3000) روبية تدفع اليه على شكل اربعه اقساط، كما قرر القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 في المادة (35) منه مكافأة شهرية لعضو مجلس الاعيان مقدارها (50) دينار طيلة مدة العضوية.

5- لم يتضمن قانون رقم (28) لسنة 2019 والخاص بإلغاء امتيازات المالية للمسؤولين في الدولة اي نص يعالج تخفيض الرواتب الاسمية والمخصصات المرتبطة بالرواتب للمسؤولين المشمولين بهذا القانون، عدا بعض المخصصات كمخصصات العلاج والضيافة، وهذا يقتضي اعادة النظر برواتب هذه الفئات لتحقيق العدالة وتقليل الفارق العمودي بين هذه الفئات وفئات الموظفين الهشة المحصورة من الدرجة (10 صعودا الى 1) من سلم الرواتب.

لما تقدم ندعو اللجنة المكلفة بوضع هذا السلم ومجلس النواب مراعاة الملاحظات اعلاه عند مناقشة واقرار السلم واخضاعه لمعايير موضوعية وتحقيق العدالة لمن هم في مراكز قانونية متماثلة وفقاً للخدمة والشهادة والتدرج الوظيفي والخبرة وتقليل الفارق العمودي بين رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث ورواتب اعضاء مجلس النواب وبين موظفي الدولة الاخرين المحصورين في سلم الرواتب… والله ولي التوفيق.

............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق