عدت تواً من رحلتي لواشنطن حيث عرضتُ ما أستجد من آراء العراقيين سواءً بحكومة السوداني، أو بموقفهم من الأحداث السياسية عموماً. أتاح لي ذلك الدخول في مناقشات معمقة مع المتخصصين ومن لهم خبرة عميقة في الشأن العراقي من الباحثين، وتلمس أو استنتاج الطريق الذي ستسلكه الإدارة الحالية مع حكومة السوداني...

عدت تواً من رحلتي لواشنطن حيث عرضتُ ما أستجد من آراء العراقيين سواءً بحكومة السوداني، أو بموقفهم من الأحداث السياسية عموماً. أتاح لي ذلك الدخول في مناقشات معمقة مع المتخصصين ومن لهم خبرة عميقة في الشأن العراقي من الباحثين، وتلمس أو استنتاج الطريق الذي ستسلكه الإدارة الحالية مع حكومة السوداني.

ابتداءً لا بد من القول أن معظم من عرضتُ عليهم نتائج استطلاع الرأي العام العراقي استغربوا من هذا الرضا الواضح الذي عبر عنه العراقيون تجاه أداء السوداني وحكومته، على الرغم من أتفاق الجميع أن أول مائة يوم تشهد غالباً شهر عسل لكل رئيس حكومة جديد.

لكن كان المستغرب أن يتفوق السوداني على سلفيه الكاظمي وعبد المهدي وبشكل واضح عندما تم تقييمهما بعد مائة يومٍ أيضاً. لقد كانت نتائج مفاجئة فعلاً لواشنطن لكني أوضحت أن المعطيات على الأرض تبرر ذلك على ما يبدو مع أنها تؤشر أيضاً وجود بعض الأرقام التحذيرية التي يجب على السوداني وفريقه الانتباه لها إذ سبق وهوت بشعبية أسلافه وأهمها عدم مكافحة الفساد.

على الجانب الآخر يبدو هناك حذر واضح في تصديق الرسائل الإيجابية المتعددة التي أرسلها السوداني للغرب والتي تذكّر بما فعله المالكي في ولايته الأولى. فرغم الترحيب بتلك الرسائل ألا (أننا سنقيّم الأفعال لا الأقوال) كما قال لي أحدهم. أن هناك وعي كامل بأن هذه الحكومة قريبة من خط السياسة الإيرانية عموماً وهذا ما يعزز الحذر من تلك الرسائل.

وبما أن الحديث عن السياسة الإيرانية فهناك شبه قناعة تامة بأن الاتفاق النووي الذي قامت به إدارة أوباما بات ميتاً ولا يمكن العودة اليه مطلقاً حتى مع رغبة الإدارة الحالية في التوصل لاتفاق ما مع إيران. لا بل أن السيد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية وهو من أهم المطلعين على السياسة الخارجية الأميركية، يعتقد أن هناك كثير من النقاش والعمل والذي سيتصاعد لاحقاً في واشنطن للبحث عن أفضل طريق للتعامل مع التهديد النووي والإقليمي الإيراني. وسأنشر نص حديثي مع السيد هاس في مكان آخر، ليطلع عليه الجميع.

من هنا فأن المقاربة السابقة التي كانت تعتمد استثمار النفوذ الايراني في العراق والمنطقة للضغط باتجاه عقد صفقة جديدة مع الإدارة الأميركية لم تعد قائمة ويجب على كل من إيران وأمريكا والعراق إعادة تقويم خياراتهم المتاحة بضمنها كيفية التعامل مع العراق.

وعلى الرغم من اعتراف الجميع بأن الشرق الأوسط بات خارج نطاق تغطية الإدارة الأميركية الحالية بدليل أن الرئيس بايدن لم يُشِر له ولا مرة واحدة في خطاب حالة الاتحاد الذي القاه مؤخراً مما فاجأ الجميع في واشنطن، الا أن العارفين بالشأن العراقي لا زالوا يعتقدون أن العراق سيستمر كأحد البلدان التي سوف لن تنسحب السياسة الأميركية منها، على الأقل على المدى القريب.

ان استقلالية القرار العراقي هو من أهم ما تتم مراقبته حالياً. وسيكون الامتثال لمتطلبات الشفافية في معاملات تحويل النقد الذي يمتلكه العراق للخارج من أهم الاختبارات التي يجب اجتيازها من قبل الحكومة وبأسرع وقت، ليس فقط استجابة لمتطلبات الفيدرالي الأمريكي بل لتقليل جريان صنبور تهريب الأموال العراقية للفاسدين وبما يحسن وضعية الاقتصاد العراقي.

كما أن ضبط المجاميع المسلحة وكبح نفوذها المتعاظم في العراق هو الاختبار الآخر المهم للعراقيين قبل الأمريكان. وقد لاحظ أحد المختصين أن هذين الاختبارين هما أهم اختبارين فشل الكاظمي في اجتيازهما على الرغم من قربه من أمريكا كما كان يُعتقَد.

ان كل المؤشرات سواء تلك القادمة من الرأي العام العراقي، أو من الخارج الأمريكي أو الإقليمي تشير الى أن السوداني سيكون تحت مراقبة قريبة من كل الأطراف، وأن عليه أتخاذ (أفعال) وليس قرارات فقط تعزز من الانطباع الإيجابي للرأي العام العراقي. وأن أمريكا كما يبدو تعلمت من درس المالكي ولا تريد أن تعطي شيك تأييد على بياض للسيد الكاظمي. وسواءً قبلنا ذلك أم لم نقبله فستبقى أمريكا لاعب أساسي لا يمكن تجاوزه وهو ما أثبتته أزمة الدولار الحالية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق