للولايات المتحدة الامريكية تاريخ طويل من التعامل مع من تسميهم بـ"الجهاديين"، سيما المنخرطين تحت منظمات او حركات إسلامية متطرفة، كحركة طالبان وشبكة حقاني او القاعدة وداعش، وليس بالضرورة ان يكون التعامل المتبادل بينها وبين هذه المنظمات الإرهابية سلبيا، يعتمد على أسلوب الاستهداف او التصفية والاعتقال، بل اعتمد على النوع الإيجابي أيضا، اذ يمكن الاستفادة من هذه العناصر المسلحة للقيام بأدوار قد تعجز عن تنفيذها ادواتها الأخرى، وحتى الرسمية منها، وبالتالي يمكن الاستفادة، في بعض الأحيان، من تنظيمات متطرفة، لتحقيق مصالح الولايات المتحدة الامريكية في بعض البلدان والمناطق الحرجة.

وغالبا ما تضطلع الأجهزة الاستخبارية الرسمية بهذه الأدوار السرية، (القذرة او السيئة كما يطلق عليها مجازا)، التي تجري من وراء الكواليس، وأبرز هذه الأجهزة، وكالة الاستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه)، "في عام 2013، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن وكالة المخابرات المركزية لها أكبر ميزانية من بين (مجتمع الاستخبارات الأميركي)، وقد اتخذت وكالة الاستخبارات المركزية أدواراً هجومية بشكل متزايد، بما في ذلك القيام بعمليات سرية شبه عسكرية"، طبعا إضافة الى (سي آي ايه)، هناك اكثر من جهة تمارس الأدوار الاستخبارية، بعضها مرتبط بوزارة الدفاع، والأخر بالحكومة الفدرالية بصورة مباشرة.

بعض هذه الأجهزة تضخمت بشكل كبير، وتوسع عملها ليشمل الداخل كما الخارج، وقد واجهه الرئيس الأمريكي، بارك أوباما، مشاكل عديده مع اهم جهاز فيها، وكالة الاستخبارات المركزية، وخرجت العديد من الفضائح والتسريبات الى العلن، فيما يوحي بان حربا قوية وسرية دارت بين البيت الأبيض والوكالة المركزية، وانتهت بسحب العديد من الميزات التي كانت الوكالة تتمتع بها، بعد ان حاول أوباما إعادة الوكالة الى تخصصها الحصري في جمع المعلومات وتحليلها، وترك تنفيذ العمليات الأخرى لجهات ذات تخصص ثاني، خصوصا على مستوى تنفيذ الطلعات الجوية بطائرات من دون طيار.

في سوريا لم يكن حضور وكالة الاستخبارات المركزية فعالا بما يكفي، او مشابها لوجودها في باكستان وأفغانستان واليمن، ربما بسبب القيود التي حاول الرئيس الأمريكي فرضها عليها، كجزء من المعركة، او بسبب تردد أوباما نفسه من الدخول في الازمة السورية بسرعة من دون حساب النتائج، لكن مع التحركات الامريكية الأخيرة، من ضربات جوية وتدريب لعناصر مسلحة سورية وتنفيذ عمليات توغل خلف خطوط العدو لإنقاذ رهان او قتل قادة في بعض التنظيمات الإرهابية النشطة في سوريا، (خرسان، داعش)، عاد اسم وكالة الاستخبارات المركزية مجددا، جمع وتحليل المعلومات والقيام بتجنيد عناصر من الداخل، والاشراف على تدريب المسلحين، وربما تنفيذ عمليات توغل، أصبحت كلها من مهام هذا الجهاز.

ويبدو ان الوكالة الامريكية، التي غالبا ما تنشط في بؤر التوتر، تحاول التعويل على ارثها القديم في التعامل مع التنظيمات والحركات المتطرفة، لتحقيق بعض النجاحات التي ترسخ وجودها وسط الازمة السورية، سيما وان تركيزها بات ينصب في الآونة الأخيرة على قيادة وعناصر "جبهة النصرة" التابعة لتنظيم القاعدة، كجهة يمكن التعامل معها ضد تنظيم "داعش" بعد ان اختلف عناصر التنظيمين فيما بينهما داخل سوريا.

الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، أكد هذا التوجه، بعد ان قدم ما يشبه النصيحة الى الرئيس الأمريكي، أوباما، لضم "النصرة" او بعض عناصرها الى "التحالف" الذي تقوده بلاده ضد داعش، سيما الذين "انضموا إليها (جبهة النصرة) بدوافع انتهازية أكثر مما هي دوافع إيديولوجية"، مضيفا ان المقاتلين "الذين يرغبون بترك جبهة النصرة والالتحاق بصفوف المعارضة المعتدلة ضد النصرة والدولة الإسلامية (داعش) والأسد".

لكن ما يحير، ان أوباما الذي حاول تحجيم دور الوكالة الاستخبارية وتغولها داخل مؤسسات الدولة الفدرالية، هل يمكن ان يغير موقفة خلال الفترة المقبلة؟.

وهل يعني هذا ضمنا عجزه عن السيطرة على تمدد الوكالة واحتوائها؟ ام هو فشل استراتيجية أوباما في سوريا الذي اضطره في النهاية الى الاستعانة بالأساليب القديمة التي حاول التخلص منها؟

اضف تعليق