لنعترف في البداية ان ما يجري من صراع في العراق هو تحت مظلتين، الاولى مرجعية قم (بشقها السياسي التابع لولاية الفقيه) ومرجعية النجف الاشرف.

الاولى تنضوي تحتها معظم الحركات والاحزاب الاسلاموية الشيعية، والتي تشارك في الحكومة منذ العام 2003 وحتى مستقبل ليس بالقصير.

الثانية تنضوي تحتها جماهير التظاهرات التي خرجت منذ اسابيع، مع اختلاف في درجات الاقتراب او الابتعاد عن المرجعية. اذا اخذنا بنظر الاعتبار، التظاهرات التي خرجت قبل تأييد المرجعية لمطالب المتظاهرين والذي كان في الجمعة الثانية لانطلاقها.

لهذا لا اتفق مع من صنف المتظاهرين الى مجموعتين فقط وهما شيعة خامنئي وشيعة السيستاني، فهناك الكثير من الشيعة المستقلين، او الذين يتبعون اسماء مرجعية اخرى، توحدت مطالباتهم في التظاهرات.

المظلة الثانية، هي المظلة الحكومية وتمثلها جميع الكتل والاحزاب والجهات والشخصيات المتواجدة في الوزارات او الهيئات التابعة للحكومة (لا توجد هيئات مستقلة بما تعنيه كلمة الاستقلالية)، والتي تقبض على مصادر القوة وهي السلطة والمال.

المظلة الثالثة هي المظلة الشعبية، وينضوي تحتها الملايين من العراقيين من شمال البلد الى جنوبه، ومن شرقه الى غربه، ولا يعتد بالانقسامات المجتمعية الحاصلة حاليا، لأنها نتاج ظروف عديدة منذ العام 2003 وحتى الان، ساهمت في تكريسها بعض القرارات الحكومية، وممارسات السياسيين، الا ان النتائج المتحصلة لهذه القرارات والممارسات توحد الجميع.

جميع ممارسات الاحزاب الاسلاموية الشيعية (على اعتبار انها صاحبة القرار في الحكومة وخاصة حزب الدعوة) تتماهى مع الخطاب السياسي والمجتمعي لولاية الفقيه الايرانية، مع وجود بعض المفارقات التي تفرضها ثقافة العراقيين وتتقاطع مع هذه التوجهات.

هذه المفارقات والتقاطعات هي في المحصلة النهائية لا تتعارض مع توجهات ولاية الفقيه، طالما ان القرار السياسي للطبقة الحاكمة، ومفاتيح اللعبة هي بيد المحسوبين عليها، ظاهرا او باطنا.

خذ مثلا الموقف العراقي من الازمة السورية او اليمنية، الموقف السياسي من بعض دول الجوار، العلاقات الخارجية للعراق (عدم النظر الى الاستثناء الامريكي).

القوى العسكرية المتواجدة فعليا على الارض، والتجاذبات لتجييرها، لمصلحة هذا الطرف او ذاك.

الاستثمارات والصادرات الايرانية للعراق، والتي وصلت الى اكثر من تسعة عشر مليار دولار، بدءا من اللبن الزبادي والجبس وليس انتهاء بالبناء والانشاءات، وحتى (مقرنص) الارصفة في الشوارع العراقية.

حتى الان، لازالت الطبقة السياسية الحاكمة تسيطر على ما تبقى من الوضع العراقي، وقد حاولت إطلاق عدد من الرصاصات (الخلّب)، التي ابتهج لها المتظاهرون، لكنها رصاصات خلب لا تدمي او تقتل، فقاطرة الاصلاحات لم تنطلق لعدم وضع القطار على السكة اصلا.

الجماهير المتظاهرة ومن خلفها البيانات المؤيدة لمطاليبها من قبل المرجعية الدينية في النجف الاشرف لا زالت تواصل احتجاجاتها، لكنها حتى اللحظة تطلق على الحكومة رصاصات خلّب ايضا، لا تدمي ولا تقتل، من قبيل اقالة محافظ او مجلس محافظة، او اقالة مدير عام او تدوير وزير، او محاكمة فاسد صغير وسجن أصغر منه، وما شابه ذلك، كل هذا لا يؤدي الى اصلاح حقيقي يمكن ان ينقذ العراق سياسيا واقتصاديا.

كثيرون من المحسوبين على هذه الاحزاب يقفون على الباب لاحتلال تلك الاماكن، فهي محاصصة متعارف عليها بينهم، ولا تحدثني عن التكنوقراط، فلدى الاحزاب الكثير من افراد هذه الطبقة، الذين وصلوا الى مناصب ومواقع عن طريق التملق لهذه الاحزاب.

ما الذي يمكن ان تفعله الحكومة، وهي الحريصة على النظام السياسي الذي فرضه التغيير في العام 2003؟.

ستبقى تطلق صافرة القطار المغادر لمحطة الوقوف الاخيرة، لكنه لا ينطلق، ولن ينطلق دون وضعه على السكة. رصاصات خلب.

ما الذي يمكن ان يفعله المتظاهرون؟.

حمل القطار ووضعه على السكة ليتمكن من الحركة، عبر مطاليب واضحة وحاسمة: تغيير الدستور والنظام الانتخابي. رصاصات حقيقية.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
العراق - كربلاء المقدسة
شكراً جزيلاً للاخ الكاتب حيدر الجراح على مقاله الرائع ومقالاته الجميلة .
جاء في نهاية المقال: "...عبر مطاليب واضحة وحاسمة: تغيير الدستور والنظام الانتخابي". وانا اسأل: هل هذه بالتحديد مطاليب عامة الناس المتظاهرين وغيرهم؟ ثم ما الذي سيشمله التغيير في الدستور؟ وايضاً النظام الانتخابي؟ اعتقد اننا بحاجة الى وحدة رؤية واضحة لما نريد تغييره واصلاحه. هكذا انتصرت الشعوب ووصلت الثورات او الانتفاضات الى بر الأمان. تحياتي2015-09-03