تعني كلمة الكولاج، لصق، وهي فن بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معا، وبالتالي تكوين شكلٍ جديد.

كانت بداية هذا الفن في الصين بعد اختراع الورق في القرن الثاني قبل الميلاد تقريباً. لكنه ظل محدود الاستعمال حتى القرن العاشر للميلاد، حين بدأ الخطاطون في اليابان باستعمال مجموعة من القصاصات من الورق ليكتبوا على سطحها إنتاجهم من الشعر.

في أوروبا، ظهر الكولاج في الكاتدرائيات المسيحية خلال القرن الثالث عشر الميلادي، عندما اخذت باستخدام لوحات تصنع من أوراق الأشجار المذهبة، والأحجار الكريمة وبعض المعادن الثمينة في اللوحات الدينية. وفي القرن التاسع عشر للميلاد استخدمت طرق الكولاج أيضا بين أوساط هواة الأعمال اليدوية للتذكارات مثل استخدامهم لها في تزيين البومات الصور والكتب.

في القرن العشرين تقدم الكولاج خطوة الى الامام حين ادخل الى الفن التشكيلي عبر جورج براك وبابلو بيكاسو، ليصبح جزءا مهما من الفن الحديث.

يذكر محسن عطية في كتابه (التفسير الدلالي للفن) أنه في المرحلة التكعيبية أحدث بيكاسو بأسلوب الكولاج صدمة. والأوراق المقصوصة حولت الصور إلى أخرى أفرغت من معناها، وحلت فيها معانٍ أخرى. والصدمة يحدثها الانتقال المفاجئ من المعنى الشائع الذى بدأ منه الفنان والمعنى الآخر المتزامن معه، حيث ينتقل المشاهد عبر نقطة بين عالم وآخر عبر وسيط حسي.

عندما يتجاور شكلان منفصلان أو مجلوبان من نوعيتين مختلفتين من المواد في لوحة الكولاج على مسطح العمل الفني، ينتج الواقع الأشد قوة الذي هو العمل الفني (ما فوق الواقع). وذلك يعنى أن الفنان قد اتبع منطق الكارثة في التعامل مع الانتقالات الشكلية. فقد تجاوز (منطق التغيرات التدريجية) الهادئة، لأن عملية القص واللصق تشبه فعل الزلزال الذي يحدث تغييراً غير معروف مسبقاً؛ بل يحدث (صدعاً) على سطح العمل الفنى؛ وينتج صيغتين؛ إحداهما فوق الأخرى ؛ويبدأ عمل الاستعارة؛ «فيوحي الفنان بالتشبيهات ويجعل الأشياء الجامدة مؤنسنة».

تقول الكاتبة الألمانية هيرتا مولر الحائزة على جائزة نوبل للآداب سنة في حوارها مع جريدة دير شبيغل الالمانية2009:

بالنسبة لي فن (الكولاج) طريقة للكتابة ولا شئ آخر. بدأت منذ سنوات عديدة بإعطاء بطاقات للأصدقاء بكلمات ملصقة عليها، لقد كان دائما معي مقص صغير يُطوى وعندما أقرأ المجلات على متن الطائرة وتُعجبني كلمة ما، أقوم بقطعها.

وحين تسألها المحررة: ما هو الفرق بين التأليف بالكلمات المقصوصة وكتابة الروايات؟

تجيب الكاتبة: إن إلصاق الكلمات عملية ذات معنى، فالكلمات تمتلك الاستطاعة والقدرة على فعل كل شيء. أنا أخذ دائما الكلمات المعتادة فقط وعندما أضعها معا، ينشأ ما هو جديد، ويبدأ في اللمعان. إنها ليست مثل النثر الذي يبقى مع الإنسان لمدة ثلاث أو أربع سنوات فقط، كما أن هذا النثر يجعلني دائما في خدمته وليس العكس. أما الفن التصويري فهو قصير يجب تضمينه في بطاقة وأعرف أنني في غضون أسبوع سأكمله، لأن الكلمات موجودة بالفعل لدرجة أن اعتقادي يذهب في بعض الأحيان في اتجاه أنني لست "أنا" من يكتب، كما أن القافية تقذفكِ حيث لا يمكنكِ الوصول. إن القافية أشبه بمحرك صغير يدفع الكل.

وتقول في مكان اخر من نفس الحوار: إن الإنسان لا يعمل فقط لكسب لقمة العيش، ففي الوقت الذي نعمل فيه نكون آنذاك لسنا حاضرين بكامل وعينا، لذلك فنحن نساوي ما نقوم به وهذا الأمر يريحنا. إن الإنسان يتحرر أثناء العمل من نفسه والكتابة تُفضي إلى الطريق الواحد، أظن أن كل عمل أدبي يجعل المرء مهووسا به ويُعرف بنفسه من خلاله، وهذا ما جعلني شغوفة باللغة، ولكن هذا ليس له أي علاقة باللغة كلغة ولكن أكثر بالحياة. أريد أن أقول في كتبي، ماذا يحدث في الحياة، فاللغة مجرد أداة.

فلكي يتمكن المرء من الابتعاد عن نفسه يمكنه أن ينشغل بالكلمات.

اما ممدوح رزق في موضوعه (مكائد القص : الكولاج اللازمني) واصفا عمليات القص في الرواية فيكتب قائلا:

تبدو الذاكرة أشبه بالكولاج الهائل غير المؤطر، المهيأ والمحرض دائماً لتوثيق نصوصه المتوالدة : أشلاء وشظايا لا تخضع العلاقات فيما بينها لنظام محدد، إذ يمكن لمشهد ما أن يخلق في أي لحظة وبكيفية مبهمة ارتباطه بمشهد آخر مستقر في الماضي .. ليست هناك شروط صارمة تلزم هذه الصلات بالانتماء إلى طبيعة معينة، أوتقديم أنماط جاهزة من التفسيرات حول إرادتها .. لا يوجد قانون بإمكانه السيطرة على استراتيجية الدمج بين مشاهد مختلفة زمنياً لتكوين مشهد متحرر من سلطة الزمن، ولذلك إذا مارست صورة ما بشكل مفاجىء هذا الاستدعاء العفوي لصورة أخرى في الذاكرة فتمسّك بالصورة المرئية أكثر من تمسكك بالأخرى التي استدعتها .. استغل هذه الفرصة الثمينة في التنقيب والبحث داخل رصيدك من التجارب السابقة عن مشاهد أخرى استرشاداً بالمشهد المنتزع من الذاكرة، سواء في سياقاته المتماثلة أو المناقضة .. اعقد مقارنات بين جميع الصور المكتشفة بنية الفرز واختبار الأغراض المختلفة لتوافقاتها مع الصورة الأساسية، وكذلك التغييرات والتعديلات الممكنة في التفاصيل دون قلق بحتمية توفير مسوغات يمكن للجميع استيعابها أو أسانيد منطقية للتفاهمات المنجزة بين الصور المتباينة .. أعد ترتيب قصاصات الذاكرة وفقاً لاستجاباتك غير المتوقعة مهما كانت غامضة، ومهما بدت عسيرة الترويض كمعنى مدرك كلياً، ومتخماً بالثقة في روابطه الآمنة .. أنت أولاً وأخيراً تخلق الكولاج اللازمني الذي يخصك.

ما تبقى من سطور هو (كولاج) حول العنف والكتابة واشياء أخرى، افترض انها سترسم دروبا جديدة للقاريء يبتعد فيها عن كل الصخب المحيط بنا، ويقتنص لحظات تأمل قد توسع من فضاءات النظر امامه.

نسير ......

بشكل مستقيم تماما

غير ان الدروب ملتوية.

لا خرائط

لننجو ...

ولا

مفر من الهروب..

صديقي المصور الفوتوغرافي صباح والي.

.......................................

أحاول من خلال الكتابة أن أجد أولئك الرجال والنساء الذين يرغبون بالعدالة والجمال.

حاولت، ومازلت أحاول، أن أقول الكثير بكلمات أقل. أن أبحث عن الكلمات المجردة على حساب البلاغة. كانت الكتابة ولاتزال صعبة، لكنها في غالب الأحيان تعطيني شعورًا عميقُا ومتعة كبيرة، بعيدًا عن العزلة والنسيان.

حاولت، وأحاول أن أكون ماهرًا بما يكفي لأتعلم الطيران في الظلام. حاولت، وأحاول أن أتقيأ كل ذلك الكذب الذي نتجرعه كل يوم ونحن مجبرون. وحاولت، وأحاول أن أكون عصيًا، تجاه الأوامر التي يصدرها سادة العالم، والتي هي ضد ضمائرنا، وضد المنطق السليم.

حاولت، وأنا أحاول أن أشجب المثل القديم “الإنسان ذئب أخيه”. هذا كذب. الذئاب لاتقتل بعضها، نحن المخلوقات الوحيدة الذين تتخصص في قتل بعضها البعض.

ادواردو غاليانو/ لماذا اكتب؟

ولو نظرنا إلى ما تفعله الجماعات المتطرفة باسم الدين من قتل للإيزيديين وسبي لنسائهم، أو ما فعلوه مؤخرا بالدروز في سوريا، نجد أن بداية مشروع القتل هي إخراج هذه الطوائف والملل والنحل خارج عالم الإسلام وإدخالها في عالم الكفر، وبهذا يرضى ضمير الإنسان، وهو هنا ضد طبيعته، القتل كأمر مقبول.

ثقافتنا اليوم، وبما لا يقبل الشك، وإن كان المتطرفون بعيدين عنها إلا أنها لا تبتعد عن ثقافة المتطرفين كثيرا.

إن السياق الحاكم لما يحدث وقبوله هو ثقافي في المقام الأول، فالثقافة الحية هي القادرة على الرفض بصرامة لما هو خارج عن منظومة قيمها. أما إذا ما تقبلت ثقافة ما ذلك الذي ترفضه قيمها فتأكد أنها ثقافة مأزومة أو في قلب الأزمة.

مأمون فندي/ أزمتنا. حضارية أم سياسية؟

لقد تكوّن المجتمعُ الدينيّ في التاريخ العربيّ عبر مراحل مختلفة، وكل مرحلة امتازت بمزايا مختلفة عن الأخرى، وكذلك الظاهرةُ الدينيةُ اختلفتْ من مكان لآخر طبقاً لسيادة ظروف معينة، لكنّ المجتمعَ الدينيَّ في العصر الحديث، نشأ في القرن الثامن عشر في بلاد نجد والحجاز على يد حركة بدوية سلفية هي: الحركة الوهابية، التي قامت بإحياء التراث السلفيّ في الشريعة والفقه والفكر. وعلى هذا الأساس، تشكّل مجتمع دينيّ على نمط الثقافة البدوية، وقد رعت الدولة السعودية هذه الثقافة منذ نشأتها وساهمتْ في نشرها في البلدان والقارات مرفقةً الفكرة بالمال فتوسعتْ في صفوف الفقراء والجاهلين حتى توسعتْ واستفحلَ أمرُها وصارتْ لها طموحات سياسية متنامية، فأخذت تركبُ أيَّ موجةٍ لتصل إلى الحكم أو تؤسس الدولةَ الإسلاميةَ المزعومةَ مستثمرةً المالَ والدعم اللوجستي الخليجيّ في حروبها الوحشية التخريبية في العراق وسوريا وليبيا ومصر واليمن.

صديقي ناظم عودة / أصولُ الظاهرة الداعشية

الشِّقَاق لا يأتي مع الولادة كما اللغة بل يظهر لاحقاً، وكلَّما تقدم الطفل في مضمار اللغة تعمق الشقَاق أَكثر فأكثر. حيث اللغة، كما هو معروف للجميع، منظومة ومؤسسة، وجملة من القواعد والأسس والعلامات. بمعنى آخر هي نسيج وغلالة، وليست فقط أداة تواصل وتعبير. ودخولنا في عالمها، يكون عنوةً وليس خياراً، بل إن أثر اللغة على الإنسان كأثر الختان. ولأن الكلمات ليست هي الأشياء، غدونا نحيا في عالم موازٍ للواقع بدل أن نعيش الواقع كما هو، وننزلق على سطحه كما حبات المطر على زجاج النوافذ، من هنا منشأ الاغتراب والقلق وكل الحروب والفظاعات التي نرتكبها بعد تبريرها باستخدام اللغة عينها. فمن دون اللغة ليس هنالك أنا وأنت، وليس هنالك نحن وأنتم، وليس هنالك شر ولا خير. فالإنسان، على حد تعبير هايدغر، يسكن في اللغة وليس في «الواقع».

نارت عبدالكريم / «الشرّ» في اللغة

(اثناء الصلاة وفي الركعة الاخيرة سمعنا صوت احدهم يقول (يا الله) وكنا نعتقد انها اشارة للامام حتى لايستعجل بالصلاة ليلحق المنادي على الركعة الاخيرة، لكن بعدها بقليل واثناء السجود سمعنا صوت الانفجار من الصفوف الخلفية للمسجد، ليتحول المشهد مأساة على الارض وهو ما ادى الى تساقط عشرات الجرحى والمصابين والشهداء وكانت الصورة مؤلمة وحزينة جدأ).

النائب الكويتي خليل الصالح / في جزء من روايته عن التفجير في مسجد الامام الصادق (ع)

هناك الكثير ممن سينسون نار حرائق النفط، ونقاط السيطرة في الشوارع، المشردين في العواصم، جريدة «النداء»، حي القدس، الحكومة المؤقتة: «صدام اسمك هز أميركا». وهناك ذاكرة تقاوم النسيان بالكتابة. الكتابة التي يستحثها سؤال وإجابة متعلقة بـ«ماذا تبقى؟».. وكل شيء ولا شيء.

الروائي الكويتي عبد الوهاب الحمادي/ في شهادته عن غزو صدام للكويت

ليس الداعشي سوى كائن منكوب بالعجز الناجم عن الرعاية الرسمية والتاريخية لثقافة كارهة للحياة، كائن اختنق بعجزه فصار ساديا. سادن الموت هذا سادي لا يكف عن الالتذاذ بإلحاق الألم بضحاياه. يقال إن السادية تعويض عن الخواء بشعور مرضي بالقدرة والقوة، تقوم بتحويل العجز إلى قدرة على كل شيء.

نذير الماجد / جئناكم بالذبح

أنت تسأل، ما الذي تعلّمنا إياه الكتابة؟ أولًا وقبل أي شيء، إنها تذكرنا بأننا أحياء، وأن الحياة هدية، وامتياز، وليست حقًا. يجب علينا أن نستحق الحياة بمجرد أن نحصل عليها. الحياة تطلب أن نردَّ لها الجميل لأنها منحتنا الحركة.

(الزن في فنّ الكتابة) للروائي الأميركي برادبيري

من ناحية مبدئية، ليس فيلم «الممتثل» فيلم تجسس ولا هو فيلم بوليسي وكذلك ليس فيلماً عاطفياً وإن كان فيه قدر من كل نوع من هذه الأنواع. بل هو واحد من تلك الأفلام الذكية والعميقة التي اعتاد المخرجون الايطاليون الكبار تحقيقها لتخدمهم في فضح الفاشية التي هيمنت على بلادهم عشرات السنين. غير أن هذا الفيلم المأخوذ عن رواية لألبرتو مورافيا، وحققه للسينما برناردو برتولوتشي، يرسم لنا في الوقت نفسه صورة لتحول مثقف ضائع منذ طفولته، الى عميل سري ينفذ أوامر رؤسائه من دون أي منطق أو تفكير، كما تفعل الخراف في قطعانها مؤتمرة بأمر راعيها الذي يتحكم بها كما يريد. ومن هنا اعتبر الفيلم دائماً صورة سيكولوجية لذهنية الفاشي وتكوّن العميل، ورسماً تاريخياً لجزء من الأسباب التي تجعل إنساناً عادياً، نموذجاً فاشياً. ومن هنا أهمية الفيلم في تاريخ هذا النوع من السينما... بل ربما أهميته أيضاً لناحية كونه يحلل في شكل علمي شخصية الفاشي.

ابراهيم العريس/ «الممتثل» لبرناردو برتولوتشي: دراسة سيكولوجية لشخصية الفاشي

لمن تكتب؟

للكاتبين على صفحة الماء احلامهم.

من يقرؤك؟

انا وظلي.

الشسمة / حيدر الجراح

اضف تعليق