كَثُر الحديث في الفترة الاخيرة عن رغبة الرئيس أبو مازن بالاستقالة وعن صراعات داخلية حول خلافته وإعادة ترتيب الاوضاع في منظمة التحرير الفلسطينية، وتأتي الدعوة لاجتماع المجلس الوطني وما تردد من تقديم الرئيس ومجموعة من اعضاء اللجنة التنفيذية لاستقالتهم لتعزز هذه الاحاديث. ومع أن المصادر الإسرائيلية كانت السبَّاقة والأكثر حديثا عن الموضوع، إلا أن المصلحة الوطنية العليا تتطلب النظر جديا وخطورة لمسألة صحة الرئيس وخلافته ولما وصلت إليه حال منظمة التحرير الفلسطينية من أوضاع مزرية.

نعتقد أن الأمر كما يقلق الشعب فإنه يقلق الرئيس أيضا الذي يدرك خطورة المرحلة وشدة التحديات، بحيث أصبح النظام السياسي ونخبه عبئا على الشعب الفلسطيني وعائقا أمام تحرك الشعب لمواجهة الاحتلال والبحث عن طريق الخلاص، كما أنه نظام عاجز عن تجديد شرعياته ومؤسساته، بل يجوز التساؤل إن كان عندنا الآن نظام سياسي أم لا؟!.

بعض الذين تناولوا الموضوع كان حديثهم عقلانيا وواقعيا وينطلق من الحرص على المصلحة الوطنية وعلى الرئيس أبو مازن ويهدفون من وراء تناولهم للموضوع توجيه الأمور نحو انتقال آمن للرئاسات وتجديد الشرعيات واستنهاض المؤسسات بما يحافظ على كرامة الرئيس ولا يؤدي للفوضى. مقابل هؤلاء نجد مَن يتحدثون عن خلافة الرئيس والإجراءات الاخيرة التي اتخذها من منطلق سوء نية ويعتبروها محاولة من الرئيس لخروج آمن لشخصه من خلال ضمان خلف في الرئاسات يختارهم الرئيس يحفظون مصالح الرئيس وبطانته بما يقطع الطريق على أية محاولات لفتح ملفات المحاسبة لاحقا، دون اهتمام بمصلحة ومستقبل القضية الوطنية.

من المؤكد وجود حراك تقوده مؤسسة الرئاسة له علاقة بمرحلة ما بعد أبو مازن وبترتيب اوضاع منظمة التحرير، حراك وقرارات تصدر تباعا، وإن كانت القرارات – مثلا استهداف سلام فياض وياسر عبد ربه وقبلهما محمد دحلان ودعوة المجلس الوطني للانعقاد - تصدر باسم الرئيس وتجري في ظل ولايته، إلا أن في خلفية الأمر يكمن صراع يصل لحد كسر العظم بين أشخاص يتطلعون لخلافة الرئيس وضمان مواقع عليا في منظمة التحرير، والمُقربون من الرئيس من هؤلاء يوظفون وجود الرئيس واسم الرئيس لتصفية خصومهم ومنافسيهم وتامين مواقع قيادية لأنفسهم قبل رحيل الرئيس.

الوضع خطير ودقيق وليس مجرد البحث عن خليفة للرئيس، للأسباب التالية:

1- حالة العجز والانهيار في كل مؤسسات ومكونات النظام السياسي – منظمة التحرير والأحزاب من كان منها داخل المنظمة او خارجها، والسلطة الوطنية -.

2- فشل كل الخيارات والاستراتيجيات، خيارات المقاومة وخيارات التسوية السياسية والشرعية الدولية.

3- فشل كل جهود المصالحة وصيرورة الانقسام واقعا يتكرس يوما بعد يوم.

4- الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة ليست معنية باستمرارية وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني – منظمة التحرير والسلطة الوطنية - واستنهاضه أو نشله من عثراته أو تجديد شرعيته، بل معنية بالإجهاض عليه حيث ترى هذه الاطراف – خصوصا إسرائيل وواشنطن ودول أوروبية بل وعربية - أن وظيفة منظمة التحرير والسلطة ورئيسهما قد انتهت، والمرحلة القادمة هي مرحلة دولة غزة فقط بدون سلطة وطنية وبدون منظمة التحرير الفلسطينية.

5- لا توجد آليات واضحة لخلافة الرئيس أبو مازن في الرئاسات الأربعة التي يحتكرها – حركة فتح ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية والدولة – وما يوجد منها محل خلاف بين مكونات النظام السياسي.

6- حتى آلية الانتخابات غير مضمونة كمخرج للأزمة، سواء بسبب الخلافات الفلسطينية الداخلية أو بسب الاشتراطات الإسرائيلية لعقدها، أو بسبب الشتات.

7- غياب قيادات كارزمية وازنة داخل الوطن يمكنها الإمساك بزمام الأمور ومنع التدهور بعد رحيل أبو مازن. وللأسف لم تنتج الحالة السياسية حتى الآن بديلا وطنيا أفضل مما هو قائم، لا داخل حركة فتح ولا في منظمة التحرير بكل فصائلها، ولا عند جماعات الإسلام السياسي.

8- ضعف الحزب الحاكم – حركة فتح – ووجود انقسامات وخلافات وصراعات بين قياداته، فلا يمكن لحالة مأزومة حل أزمة حالة أكبر.

9- وجود جماعات متعددة معنية بالتأثير على مسار انتقال السلطة وتجديد الرئاسات، وهي جماعات نافذة ومتغلغلة في مراكز القرار، ومعنية بإنهاء الحالة الوطنية وتدمير كل ما يرمز لوجود المشروع الوطني ومؤسسات وطنية جامعة، وهذه جماعات مصالح فاسدة مرتبطة بأجندة خارجية موجودة في قطاع غزة وفي الضفة.

10- تحركات حركة حماس ومحاولتها تأسيس كيان سياسي منفصل عن الكل الوطني، وعلى أنقاض منظمة التحرير والمشروع الوطني.

لذا فإن كثيرا من القرارات والتصريحات الصادرة عن القيادة الفلسطينية أو تُنسب لها، فيما يخص آليات مواجهة مشاكل الوضع الداخلي وترتيبات خلافة الرئيس أو التخفيف من بعض مسؤولياته، ملتبسة وتثير القلق – مثلا دعوة المجلس الوطني للانعقاد وما يروج من تقديم الرئيس وست من أعضاء التنفيذية لاستقالاتهم -. لذا نتمنى على الرئيس أبو مازن إن رَغب في الترجل عن صهوة جواد العمل السياسي أو التخفيف من مسؤولياته، أن يؤمِن خروجا آمنا ليس لشخصه وبطانته فقط، بل للشعب ولمجمل القضية الفلسطينية. الخروج الآمن للشعب والقضية من المأزق الراهن يتطلب من الرئيس القيام بالخطوات التالية قبل رحيله، إن أراد الرحيل:

1- إعادة ترتيب الوضع الفتحاوي من خلال عقد المؤتمر السابع في موعده، وحل كل الخلافات الداخلية في الحركة.

2- أن يرد الاعتبار لمنظمة التحرير ويستنهض مؤسساتها، ويُجدد عضوية لجنتها التنفيذية، ويُفعل دورها الوطني على أسس توافقية وبما ينص عليه قانون منظمة التحرير ويتوافق مع القرارات السابقة الصادرة عن المجلس المركزي للمنظمة.

3- التخلص من الفاسدين والمشبوهين الذين تسللوا لمراكز مؤثرة في السلطة وبعضهم مفروضين فرضا من طرف الإسرائيليين، وفي استطاعة الرئيس محاربة هؤلاء وإقصائهم من مواقعهم، وهي مهمة أكثر أهمية ووطنية من قطع راتب موظف صغير لأنه يعارض السياسة العامة أو ينتقد الرئيس.

4- بعد ذلك يتم تتم دعوة الإطار القيادي المؤقت لاجتماع يعمل أولا على تجديد العضوية فيه وزيادة عدده، ثم يتكلف بالتصدي لحل مُجمل القضايا الوطنية.

5- الفصل بين الرئاسات وخصوصا ما بين رئاسة حركة فتح ومنظمة التحرير من جهة والسلطة الوطنية من جهة أخرى.

سيادة الرئيس أبو مازن

خلال عشر سنوات من رئاساتكم لكل الكيانات الرسمية للنظام السياسي، عاش الشعب الفلسطيني ومرت القضية بأسوأ الظروف والأوضاع، بالتأكيد لا يمكن تحميلكم لوحدكم المسؤولية، ولكن وجودكم على سدة الحكم يجعلكم مسئولين ولو بطريقة غير مباشرة، ولأن القضية لن تنتهي بنهاية سلطتكم، نتمنى على سيادتكم أن تتركوا وراءكم مؤسسات وقيادة وطنية أمينة على القضية الوطنية وقادرة على مواصلة النضال الوطني.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق