من دواعي المصلحة الوطنية العليا سياسيا وأمنيا وعلى الأصعدة كافة... أن لا تُسَيّس التظاهرات الشعبية من أي طرف كان، وأن تبقى عفوية معبّرة عن ضمير وغضبة المستضعفين والمظلومين والمحتجين على تردي الخدمات واستشراء الفساد المالي والإداري... وذلك متنفسٌ مشروع وحالة صحية وممارسة سلمية لحقوق ديمقراطية كفلها الدستور والقانون...

والعراقي أكثر وعيا ونضجا وإدراكا مما يتصور بعض المراهنين على صبرهِ الجميل، إنّه يعي المخاطر التي تحدق بالوطن ولكن أرباب الفساد والصفقات المشبوهة ومن يتستر عليهم باتوا اليوم الوجه الآخر (للدواعش) بعد أن أضاعوا سيادة البلد ونهبوا الثروات واستنزفوا الخزينة بالامتيازات والحمايات والمشاريع الوهمية، ولا أحد يزايد على وطنية العراقي وحرصه ووعيه فاتركوه يتنفس الحرية ويعبّر عن رأيه فهو وحده الذي يرى.. وصوته ميزان الصدق والحق والحقيقة...

أبعدوا السياسة عن التظاهرات حتى لا تفسدها الدسائس والمحاور والخلافات العقيمة، واستخلصوا الدروس والعبر من حركة الجماهير وانظروا الى شرعية المطالب الشعبية بعين المسؤولية الوطنية فهي تؤشر لمواطن الخلل والفساد والتخبط وسوء التخطيط وضياع الأموال العامة الذي طبع سياسة وأداء منظومة الحكم والسلطة في العراق خلال السنوات الماضية..

العراقيون لم ولن ينسوا أن أبنائهم يقاتلون في الجبهات دفاعا عن الوطن والمقدسات ولكنهم لن يسمحوا لحيتان الفساد أن تستظل براية النصر المعمّدة بدماء الشهداء الأبرار وتضحيات الأبطال الصامدين في مواجهة العدوان... والمتظاهرون مصممون على التصدي بوعيهم وحسّهم الوطني لكل مندسٍ أو مغرضٍ يحاولُ حرف التظاهرات عن سلميتها وأهدافها المشروعة أو تسييسها بشعارات سياسية أو طائفية مقيتة وهذا ما شهدته وأكدته تظاهرات ساحة التحرير يوم ومساء (الجمعة 7 أب 2015 ) وغيرها من مواقع التظاهر المنتشرة في محافظات العراق وهذا ليس موقفا عرضيا أو منظما بل نهج وطني جبلت عليه الشخصية العراقية منذ الأزل...

ولا ننسى أنّ من يقف في حماية التظاهرات اليوم هم أبناؤنا وإخواننا في الأجهزة الأمنية والقاسم المشترك بين الجميع هو حب العراق وحمايته والتضحية في سبيله والهدف والمصير واحد والمعادلة الأمنية والقانونية والوطنية تستدعي تضافر الجهود والتعاون البنّاء بين الأطراف المعنية كافة لحماية المتظاهرين وأمن التظاهرات والممتلكات العامة والخاصة وتفويت الفرصة على المتصيدين في الماء العكر...

ومن دواعي الوفاء والعرفان والمحبة للرابضين في خنادق القتال من بسلاء الحشد الشعبي المقاوم ومن يساندهم من رجال القوات المسلحة أن نحافظ على تماسك الجبهة الداخلية بالقول والفعل ونبادلهم الموقف المسؤول في كل ممارسة وعمل له علاقة بأمن الوطن والمواطنين... والتظاهرات هي ساحة الاختبار الأخطر والأصعب، ونعتقد جازمين أن العراقيين سيثبتون للعالم أجمع أنهم شعب حيٌ أصيل جدير بالحياة الحرة الكريمة وسيمنحون التجربة الديمقراطية بعدا وطنيا وتاريخيا يغنيها ويعزز معانيها على مستوى الالتزام والنضج والممارسة في نفس الوقت الذي يقاتلون فيه بثبات وشجاعة عدوان (داعش والقتلة) وهم عازمون على دحر نهجهم التكفيري إلى الأبد وذلك ليس ببعيد ونراه قريبا...

ومن المؤشرات الايجابية في الأزمة الراهنة والذي أشادت به وأثنت عليه المرجعية الرشيدة في خطبة الجمعة هو موقف رئيس الحكومة د حيدر العبادي وانحيازه لمطالب المتظاهرين وتفاعله ايجابيا مع معاناتهم... وهو مطالبٌ اليوم بخطوات إصلاحية شاملة وقرارات مهمة وإجراءات صارمة تكون أكثر جرأة وشجاعة في مكافحة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية وأن لا يكتفي بحلول ثانوية غير مؤثرة... تسانده في ذلك إرادة شعبية واسعة وتفويض المرجعية الرشيدة وصوتها الحكيم...

أما الفاسدون ولصوص المال العام فهزيمتهم محتومة وقادمة وقريبة وسيلاحقهم الشعب بالقانون والقضاء والعدالة ومصيرهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة ومأواهم السجن وحاويات القمامة وذلك جزاؤهم وبئس مثوى الظالمين.. (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ (17- الرعد)...

* مستشار إعلامي وأمني ومتحدث سابق باسم القوات المسلحة

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق