جماهير شعبية غاضبة تجوب الشوارع في مختلف المدن العراقية مطالبة بتحسين واقع الخدمات المتردية ومنها الكهرباء، نعتت من هم قائمين على إدارة الدولة العراقية بعبارات وهتافات تعبر عن عمق وسعة حجم المأساة التي يعيشها المواطن، خدمات في كل دول العالم هي عبارة عن حقوق متوفرة ومتاحة لمواطنيها بصورة أو أخرى ولا يسأل أو يتجادل بشأنها احد، بينما في العراق نجد ما هو مغاير وما هو يستوقف معه عدت تساؤلات حول تردي هذه الحقوق المسلم بها للمواطن البسيط على الرغم من توفر مقومات تقديمها للمواطن، نذكر بعضها وهي: توفر مصادر الطاقة الكافية لذلك، والإمكانيات المادية العالية للدولة العراقية وخاصة في الأعوام السابقة، والسؤال هو أين تكمن مشكلة الخدمات ومنها الكهرباء؟

1- مشكلة عقلية في من يحكم ويدير البلاد:

من المفارقة انه لا يمكن أن نتحدث عن عقول تعاقبت على حكم العراق بعد عام 2003 لان تلك العقليات واحدة كونها تمثل أشخاصا لم يتغيروا من قبل الشعب وفق الإلية الديمقراطية، التغير الذي حدث هو تبديل مواقعهم حالهم حال فريق كرة القدم الذي يفتقر إلى وجود أي بديل، وهذه مفارقة كبيرة في النظم الديمقراطية التداولية، عقلية من يحكم في العراق باتت غير قادرة على معالجة أزمات أصبحت عبارة عن حالة عامة يعاني منها الشعب وربما تهدد مستقبل البلد كونها تتعامل مع الواقع بخطوات وحلول ترقيعية لا إستراتيجية، عقلية المسؤول تعاني من تشتت الخطط والتخطيط في إدارة البلد والأدهى من ذلك ترفض من يقدم لها ذلك بدواعي الأنفة والنرجسية التي تحكم ذاتها، كما أنها تخلط في إدارتها وتقديمها للخدمات بين ما هو مهم وما هو أهم وما هو ضروري لكن ليس مهم ولا أهم، المتتبع لعقلية من يحكم في البلاد يجد أن غالبيتهم جل ما يقدموه هو من اجل تعزيز موقعهم وإدامتها لأطول فترة ممكن في السلطة وهذه لا تخلو من محاسن لكن مضارها ان تلك الخدمات التي قدمت ولازالت تقدم هي ليست بتلك الخدمات الإستراتيجية التي تتناسب وحجم الأموال المخصصة والتي صرفت لها ولبلد كالعراق يعاني من غياب البنية التحتية في الخدمات ومن ضمنها الكهرباء.

2- مشكلة الاختيار في القيادة والإدارة ومنها ملف الكهرباء:

هنا لابد من التوقف والتساؤل هل أحسن أبناء الشعب العراقي في استثمار التغيير السياسي الذي افرز نظام ديمقراطي بعد عام 2003 في اختيار من هو أهل وكفؤ من الناحية المهنية والإدارية في أدارت البلاد وخدمة العباد؟ للأسف نجد هنا إن الشعب لم يحسن الاختيار، البعض برر ذلك بحداثة التجربة وهو محق في ذلك لكن التجربة تكررت أكثر من ثلاث مرات وفي كل مرة يحدث في الاختيار ما هو أسوء من سابقه، نتيجة ذلك قام من هم في الواجهة السياسية والإدارية بتعمق جذورهم في السلطة وأصبحوا على حرفية تامة في الالتفاف على مشاعر واهتمامات الشعب في الوقت المناسب وتوجيه اختياراتهم بحجج مضللة وخاصة عندما يوظف الدين في خدمة السياسة، وهذا أدى الى حصول السياسي على مغانم ومخصصات وامتيازات تديم سطوته وبقاءه، خاصة عندما يكون القانون ضعيف ومن صنع نفس رجال السلطة، وهنا تكمن المعالجة في الشعب ذاته في الاستفادة من الماضي وتجاوز مرحلة الاستسلام واليأس في التجديد والتغيير للوجوه السياسية والإدارية الحالية والإتيان بغيرها.

3- مشكلة الفساد الإداري والمالي في وزارة الكهرباء:

آفة الفساد الإداري والمالي أدخلت البلاد في انهيارات متتالية منها: الأمنية والمالية والخدمية ومنها الكهرباء، فما أهدر على بناء وتجهيز محطات كهربائية حسب ما متداول في وسائل الإعلام وبعض المصادر النيابية والحكومية هو 24 مليار دولار وما يؤكد ذلك هو عدم وجود نفي حكومي لهذا الرقم الذي يذكر، الكل يتساءل عن مصير هذه المبالغ والذي كان بالإمكان من خلالها تشييد محطات كهربائية عملاقة تغطي ليس العراق لوحده بل لعدة دول مجاورة، فمشكلة هدر الأموال الذي حصل في وزارة الكهرباء وغيرها يرجعها الكثير إلى عدم وجود رقابة حقيقية وصارمة من الدولة على الأموال التي تصرف والمشاريع والخدمات التي تحقق من خلالها للمواطن، وهنا تبرز الحاجة إلى ضرورة وجود نظام قضائي وادعاء عام يحقق ذاتيا بهكذا أموال ومشاريع حكومية تقدم للمواطن، لكن للأسف نلاحظ ضعف أو غياب القانون الصارم المحاسب لهذا الفساد، أيضا واقع المحاصصة التي يعيشها البلد تعيشه وزارة الكهرباء حالها حال غيرها من الوزارات خاضعة للتقسيم القومي والطائفي وعلى مدى ثلاث دورات حكومية فتقسيمها وفقا لنظام المحاصصة هو إما الوزير سني والوكلاء احدهم شيعي والأخر كردي او بالعكس شيعي والوكلاء سني وكردي او الوزير كردي والوكلاء عربي شيعي وأخر سني وهكذا يمتد الأمر الى ابعد موظف وهو صاحب الجباية في المدن والأزقة والأرياف وهذا حال أيضا كل وزارات الدولة ومؤسساتها. نظام المحاصصة هذا جعل الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب فلا تفاجئ إن سمعنا احد كوادر وزارة الكهرباء يحمل شهادة علم نفس أو زراعة وهنا يكمن جزء من الفساد الإداري والفساد المالي على شاكلته.

الحلول لمعالجة أزمة الكهرباء

هنالك نوعان من الحلول لأزمة الكهرباء في العراق هي:

1- حلول ترقيعية آنية تساهم في تخفيف الأزمة وليست حلها بصوره نهائية.

2- حلول دائمة إستراتيجية تخص بنية الدولة وتنعكس نتائجها على واقع الكهرباء وحل معضلتها.

الحلول الترقيعية:

1- اعتماد المقياس الالكتروني في العدادات الكهربائية داخل البيوت والمحال والشركات وغيرها ومن خلاله فرض رسوم عالية جداً على كل من يتجاوز استهلاكه عشرة أمبير ومادون ذلك يعفى من الرسوم وتنظيم ذلك بتعليمات وضوابط قد يعفى البعض من الرسوم وفق عدد من المبررات المقنعة.

2- بالإمكان الاستفادة من أصحاب المولدات الأهلية وذلك بتحويل الخطوط الوطنية إليهم وتسليمهم إدارة بيع وتوزيع الكهرباء.

الحلول الدائمة الإستراتيجية لأزمة الكهرباء:

1- تسليم وزارة الكهرباء بدوائرها المختلفة ومحطاتها العاملة إلى كليات الهندسة الكهربائية في الجامعات العراقية وخاصة جامعتي بغداد والتكنولوجية وغيرها من الجامعات الأخرى وتشكيل لجنة من تلك الكليات ومن أكفئ العقول في إدارتها.

2- القيام بحملة وطنية من قضاة ومحققين عدليين وادعاء عام ومختصين من الأجهزة الرقابية ومن رجال الدين وبتشريع برلماني ملزم ومحدد بسقف زمني محدد بالتحقيق في ما صرف على وزارة الكهرباء من عام 2003 الى يومنا هذا والوقوف على تلك الأموال التي تم هدرها ومحاولة إرجاعها و بشتى الوسائل.

3- الوقوف على تجارب الدول التي نجحت في بناء مشاريع الكهرباء ونقل هذه التجارب الى العراق خصوصا في مجال الطاقة المتجددة مع دراسة الظروف الخاصة بالعراق.

وفي النهاية أزمة تردي الكهرباء ولمدة أكثر من 12 عام أوصلت السخط والاستياء الشعبي إلى مرحلة اللاعودة وهي بحاجة إلى حلول حقيقية ناجحة لا تقبل التأجيل والمماطلة من قبل الحكومة وحلها لاشك انه يعزز ثقة المواطن المفقودة بالحكومة خصوصا وإنها أصبحت مطلب جماهيري جامع وشامل لمختلف الشرائح والتوجهات.

* باحث مشارك في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية
www.fcdrs.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق