استغرب تكرار الدعوات للحوار الوطني بين فعاليات المجتمع العراقي، ولعل آخرها وليس اخيرها دعوة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، سبب هذا الاستغراب ان وزارة الحوار الوطني، ومن بعدها مكاتب ولجان وزارية وبرلمانية بذات المعنى ناهيك عن مؤتمرات عقدت بمساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تصل حتى اللحظة...

استغرب تكرار الدعوات للحوار الوطني بين فعاليات المجتمع العراقي، ولعل آخرها وليس اخيرها دعوة رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، سبب هذا الاستغراب ان وزارة الحوار الوطني، ومن بعدها مكاتب ولجان وزارية وبرلمانية بذات المعنى ناهيك عن مؤتمرات عقدت بمساعدة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم تصل حتى اللحظة الى تلك الحلول المنشودة في تأسيس عقد اجتماعي دستوري يلتزم به جميع اصحاب المصلحة في المجتمع العراقي.

وهذا يستلزم قدرات مبتكرة ومتوافقة مع الذات والأفكار لادارة هذا التحليل ثم الحوار كمدخلات صحيحة، لان واقع العراق المتنوع واثقال معضلات موروثة يتطلب التحليل الحيادي لاصحاب المصلحة المجتمعية في ابرز النقاط التالية على سبيل الحصر لا الجمع ومنها:

اولا: لان ما ذكر في متن الدستور العراقي لم يبلور حالة احادية في النظام السياسي من حيث كونه اسلاميا ام ديمقراطيا ودمج بين كلا الحالتين يتطلب ان يكون الحوار تحت خيمة كلاهما، فلا نظام بثوابت الدين الإسلامي الا من خلال تطبيقات النظام الديمقراطي بقيمه وسياساته المعروفة في ادلة عمل دولية يخضع العراق لمعايير القياس على وفق تطبيقات معروفة في الحكم الرشيد. وعدم اتخاذ هذه الخيمة في مدخلات اي حوار وطني انما تعني ديمومة نظام مفاسد المحاصصة بكل اثامه، وعدم منح الاعلوية لما اتفق عليه في محاضر اجتماعات اللجنة المكلفة بصياغة الدستور، تستلزم الدفاع عن تغييرات جوهرية في متن الدستور النافذ.

ثانيا: في الواقع القانوني الوطني والدولي كان دخول القوات الأميركية احتلالا لبلد بحدود سيادية معروفة، اما انكشاف التدخل الاجنبي في شؤون البلد بوجود وكلاء محليين عن مصالح إقليمية تتجاوز قانون التمثيل في الهوية الشخصية للمواطنة العراقية.

حوار مطلوب

يحتاج اول مثابات الحوار المطلوب لفهم وتحديد الولاء والبراء لسيادة الهوية الوطنية العراقية من عدمه، اما ان يكون المتصدي لسلطان الحكم متعدد الولاءات فتلك فرية دستورية تحتاج الى حكم قاطع يفصل بين الميول والاهواء العقائدية وحتى الحزبية وبين ادارة السياسات العامة للدولة.

ثالثا: في الاتفاق الوطني على اعلوية الدستور، لابد من اتفاق وطني اخر على الاستراتيجية العليا للدولة وتحديد الإطار العام للسياسات العامة لاي حكومة واعتبار الالتزام بهذه الاستراتيجية العليا للدولة نموذجا للالتزام باحكام الدستور العراقي النافذ .. والاخلال بها جريمة خيانة عظمى تخرق الامن الوطن، ويمكن تضمين الاستراتيجية العليا للدولة حلولا لكل ما يختلف عليه في تحليل اصحاب المصلحة المجتمعية لادارة سيادة الدولة العراقية، من خلال تفسير استراتيجي للنصوص المختلف عليها مثل قانون النفط والغاز، او تنازع الصلاحيات بين الحكومة الاتحادية والاقاليم او المحافظات وعبر اليات الحكم الرشيد التي تقيس انجاز الاهداف وتحليلها على مستوى تطبيقات الاستراتيجية العليا للدولة.

عندها لن يكون البرنامج الحكومي يخالف قانون الموازنة العامة، ولا استراتيجيات فرعية للتنمية المستدامة تخالف مفردات عمل البرنامج الحكومي، لان جميع السلوك السياسي والاقتصادي انما يقع تحت قياس الالتزام بالاستراتجية العليا للدولة، والتي يمكن ان تصمم خطط التنمية المستدامة بثلاثين عاما مقبلة او اكثر، هكذا يكون الحوار الوطني على قاعدة المساواة بين المنفعة العامة للدولة العراقية.

وبين المنفعة الشخصية للمواطن العراقي/ الناخب. رابعا: اذا كان الاغلبية الغالبة من قوى تتصدى لسلطان الحكم تتحدث اليوم عن الاصلاح الشامل من خلال الحوار الوطني ..فمن ياترى يقف بالضد من ذلك ولماذا؟

اصحاب المصالح

في اي تحليل لأصحاب المصالح يمكن فرز عدة نماذج منها:

– المنتفعين من مفاسد المحاصصة والذين يرفضون قاعدة الكشف عن ذمتهم المالية ما قبل 2003.

– جمهور من المنتفعين بسبب قوانين العدالة الانتقالية ولذلك ما زالت هذه القوانين تتفاعل مجتمعيا سلبا وايجابا – جمهور من الساعين للانتفاع من حالة الفوضى غير الخلاقة، لعل وعسى يتغير وضعها بتوظيف فتات مفاسد المحاصصة، لعل وعسى .

- جمهور ممن تم وضعهم في مناصب الدرجات الخاصة وسقوط مفاسد المحاصصة انما يعني خروجهم من هذه المناصب، لذلك يتحدثون عن اهمية الاصلاح الشامل فيما يطبقون العكس تماما.

– جمهور الاغلبية الصامتة الرافض لمفاسد المحاصصة واللاهث وراء سراب السيادة لعله يحصل على وظيفة حكومية.

– جمهور ما اصفه بـ (حزب القنفة) الناقد فقط للتنفيس عن تلك الضغوط المعيشية وعند توفرها يصمتون لذلك ارتفعت الاصوات ما بعد تخفيض قيمة الدينار وخلال ايام الحظر الصحي.

– جمهور وعاظ مفاسد المحاصصة الذين يسعون لترويج ما مطلوب على طول الخط، فما هو مقبول اليوم عند حزب كذا يمكن يصبح العكس تماما عند ذات الحزب غدا، والاخطر في هذا النمط من له القدرة على خلط الأوراق حتى يهدد أجندة الحزب ذاته، لذلك تجدهم يتنقلون بين حزب واخر حسب الطلب.

– جمهور الفعاليات المجتمعية مثل الكفاءات الاكاديمية والمثقفة وبعض الزعامات العشائرية وشخصيات دينية، تبحث عن حلول لكن جهودها مبعثرة ما بين ميول واتجاهات عقائدية وبين مخاوف من الاشتراك في العمل الحزبي.

خامسا: كيف يمكن عقد الحوار الوطني بين كل ما تقدم؟

لا اعتقد الدعوة للحوار وحدها تكفي لتصميم نموذج معياري وطني كوثيقة إصلاحية يمكن طرحها من جهة اعتبارية مثل السيد رئيس الجمهورية، بمشاركة واجهات مجتمعية كبرى مثل المرجعية الدينية العليا للسيد السيستاني في النجف الاشرف وممثلية الكلدان في العراق والعالم بشخص الكاردينال لويس ساكو، بما يمكن لمثل هذه الوثيقة ان تستقطب اصحاب المصلحة المجتمعية لتكون مخرجات هذا الحوار.

مدخلات صحيحة للاستراتيجية العليا للدولة، وحلولا للكثير من مفردات التنازل عن سلاح منفلت وتساؤلات الهوية الوطنية الدستورية، عندها يمكن للجميع الجلوس على طاولة حوار منشود للاتفاق الوطني على سياسات مطلوبة، في عراق واحد وطن الجميع، اما تكرار الدعوة للحوار الوطني. فهو تأكيد على فشل ما مضى وعدم احترام ما التزمت به اطرافه، عسى ان تصل الأفكار والتطبيقات الى اهل الحل والعقد، لعل وعسى ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق