البطالة خلل حاد في المركب الحضاري. والحل الحضاري للبطالة هو ما كان مرتبطا بمعالجة هذا الخلل، وخلل البطالة مرتبط بشكل اساسي بالعنصر الاول في المركب الحضاري وهو الانسان، كما تؤدي البطالة الى اخراج العنصر الخامس، وهو العمل، من المركب الحضاري. وبإخراج هذا العنصر، تتوقف علاقة الانسان بالعنصر الثاني، وهو...

في مقال سابق، وصفت الاستمرار في ضخ الجهاز الوظيفي للدولة بمزيد من الموظفين بانه اجراء غير حضاري لحل مشكلة البطالة. لماذا؟

دعوني في البداية ابين ما هو المقصود وغير المقصود، بكلمة "الحضاري" في كتاباتي. غير المقصود ما هو منتسب لاي من الحضارات السبع او الست الموجودة الان، حسب توينبي. والمقصود هو ما كان على علاقة بالمركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة به.

البطالة خلل حاد في المركب الحضاري. والحل الحضاري للبطالة هو ما كان مرتبطا بمعالجة هذا الخلل. وخلل البطالة مرتبط بشكل اساسي بالعنصر الاول في المركب الحضاري وهو "الانسان". كما تؤدي البطالة الى اخراج العنصر الخامس، وهو العمل، من المركب الحضاري. وباخراج هذا العنصر، تتوقف علاقة الانسان بالعنصر الثاني، وهو الطبيعة، فيتعطل انتاج الانسان، وبالتالي تقل انتاجية المجتمع. وهذه نتيجة خطيرة من نتائج هذا الخلل، وبها يكون المجتمع متخلفا. المجتمع غير المنتج مجتمع متخلف.

الحل الحضاري للبطالة يكون باعادة ادخال الانسان في علاقة عمل مع الطبيعة. وهذا يكون من خلال الصناعة والزراعة وما يرتبط بهما من خدمات وتجارة وغير ذلك. ونستطيع ان نلاحظ ببساطة الان ان تعيين الاف الاشخاص في مكاتب الدولة ودوائرها، من دون محتوى انتاجي لهذه التعيينات ليس حلا حضاريا للبطالة، انما هو حل زبائني، ورد فعل غير مدروس لاحتجاجات المواطنين المطالبين بعمل، وهذا حق مشروع كفله الدستور لهم.

حين يريد المسؤول التنفيذي في الدولة حل مشكلة البطالة، عليه ان ينطلق من هذه الرؤية الحضارية-العلمية للحل. وهنا تكون نقطة الشروع في تفكيره هي: خلق فرص عمل جديدة. وهذه هي الفكرة الحاكمة لكل الافكار والمقترحات التي ذكرتها في العمود السابق؛ انها جتوفر فرص عمل انتاجية للشباب العاطلين عن العمل وفقا لاحتياجات الرؤية الانتاجية وحاجات المجتمع الفعلية. ويمكن للمسؤول التنفيذي الاول ان يشرع بتنفيذ تلك الافكار سوية ليوفر فرص عمل انتاجية لمئات الالاف من الشباب من دون ان يزيد في اعداد الموظفين الحكوميين او يزيد الاعباء المالية للدولة.

وفي حالتنا العراقية يبدو الامر ممكنا وميسورا حتى مع وجود بعض الصعوبات. فاطلاق مشروع بناء المدارس مثلا سوف ينشط معامل الطابوق وانتاج السمنت والحديد والاخشاب وبقية مستلزمات البناء. وسوف يتطلب هذا تشغيل اعداد كبيرة من المواطنين في طول البلاد وعرضها. والشروع بتنفيذ المشروع الوطني لتشغيل الشباب سوف يؤدي الى تأسيس الالاف من الشركات الانتاجية الصغيرة والمتوسطة، وسوف ينتج عن ذلك تنشيط اعمال التسويق والتجارة الداخلية ويقلل الحاجة الى الاستيراد وعمليات الفساد المرتبطة بها مثل مزاد العملة الذي يقال انه يستخدم كطريقة لغسيل الاموال القذرة.

كما ان تنشيط الانتاج الزراعي سوف يوفر العديد من اصناف المواد الغذائية، وما يرتبط بها من صناعات، كصناعة المعجون والدبس وغير ذلك. كل هذه المقترحات سوف تؤدي الى دوران حركة المركب الحضاري بوتيرة انتاجية عالية من شأنها ان تشجع اصحاب رؤوس الاموال على ولوج مساحات جديدة في النشاط الاقتصادي، من ضمنها الصناعات الخفيفة والمتوسطة.

غني عن القول ان هذا يستلزم وجود بيئة قانونية مناسبة. وهنا يأتي دور المسؤول التنفيذي الاول بتقديم مشاريع القوانين اللازمة الى مجلس النواب لتشريعها بالسرعة الممكنة لحل مشكلة البطالة، حضاريا، بتفعيل عناصر المركب الحضاري بطريقة انتاجية مثمرة. ويمكن ان يتم ذلك كله من خلال خطة طوارىء لمدة ٦ اشهر فقط، وبهذا تتضح العلاقة السليمة بين التنظير العلمي وبين الاجراءات والحلول العملية السريعة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق