الحل السريع المرغوب به لدى العاطلين عن العمل هو ان يتم تعيينهم في دوائر الدولة، فليس أسهل من ان يوقع رئيس الوزراء او الوزير او رئيس الدائرة المعنية قرار بالتعيين الفوري لكل هؤلاء، لكن هذا الحل ليس حضاريا وليس عمليا؛ انه حل من نوع الجمهور عاوز كده، كما يقول....

لان مسؤولي الدولة، التنفيذيين والتشريعيين، كلهم او اغلبهم او بعضهم، لا يعرفون مفهوم الدولة الحضارية الحديثة، او لا يفهمونه، او لا يؤمنون به، فان محاولاتهم لحل المشكلات التي يعاني منها العراق، دولةً ومجتمعاً، حلول بدائية تقليدية، متخلفة. وهذا ما ينطبق اشد الانطباق على مشكلة البطالة.

عندنا قسم كبير من قوة العمل، من الذكور والاناث عاطلون عن العمل. منهم خريجو كليات بشهادة البكالوريوس، ومنهم خريجو معاهد حملة شهادة الدبلوم، ومنهم خريجو الاعدادية، وهكذا نزولا الى فئة "يقرأ ويكتب" فقط. وجميع هؤلاء بشر، يتعين اطعامهم وكسوتهم وتوفير الرعاية الصحية لهم وغير ذلك. ونصفهم تقريبا من الشباب الذكور الذين يحلمون بالزواج وتكوين اسرة، ونصفهم الثاني من البنات اللواتي ليس لهن معيل سوى الاب او الاخ، وربما كان هؤلاء عاطلين عن العمل. وهذه مشكلة اقتصادية واجتماعية عويصة، لها اثار وتبعات سياسية واخلاقية جمة، كما ان لها اسبابا وعوامل شتى.

الحل السريع المرغوب به لدى العاطلين عن العمل هو ان يتم تعيينهم في دوائر الدولة. فليس اسهل من ان يوقع رئيس الوزراء او الوزير او رئيس الدائرة المعنية قرار بالتعيين الفوري لكل هؤلاء. لكن هذا الحل ليس حضاريا وليس عمليا؛ انه حل من نوع "الجمهور عاوز كده"، كما يقول اخواننا المصريون، او من نوع الاستجابة المضطربة لمطاليب المتظاهرين. وهذه استجابة زبائنية تستهدف شراء سكوت العاطلين والمتظاهرين ورضاهم الزائف المدفوع الثمن عن الحكومة ومسؤوليها. وفي هذا السياق اقول انه لا يكفي ان يذهب المسؤول التنفيذي الاول في الدولة بموجب المادة ٧٨ من الدستور الى ساحة التحرير ويلتقي بعدد من الشباب المتظاهرين ويسألهم ان كانوا يرغبون في التعيين بوزارة الدفاع، فيوافقون، وتنتهي المشكلة. هذه سذاجة من الطرفين من المؤسف ان ينحدر البلد اليها.

قلت ليس هذا حلا واقعيا، لسبب بسيط وجوهري وهو ان دوائر الدولة تعاني من البطالة المقنعة، وزيادة التعيين تعني مفاقمة هذه البطالة المقنعة في وقت تتحجج فيه الدولة بعدم قدرتها على توفير رواتب موظفيها الحاليين.

ما هو الحل الحضاري الحديث لمشكلة البطالة؟

الجواب بكلمة واحدة هو ضخ قوة العمل في سوق العمل الانتاجي، الصناعي والزراعي والخدمي من خلال مشاريع ذكية محددة، تتم بالتعاون بين الدولة والقطاع الخاص. ومن هذه المشاريع ما يلي:

اولا، "المشروع الوطني لتشغيل الشباب" الذي وضعته وزارة التخطيط في الحكومة السابقة التي يجري شتمها كل يوم. وتم ايقاف المشروع الان رغم انه "تم رصد المبالغ المطلوبة من قبل البنك المركزي والبنك الدولي، وتم فرز الاراضي لثمان محافظات، وتم توقيع عقود الشركات المطورة، وتم تسجيل ٣٠ الف شاب على المشروع"، كما قال مصدر مطلع.

ثانيا، المشروع الذي اقترحه المهندس عادل شبر والقاضي بتخصيص ٧ مليارات من احتياطي البنك المركزي لتنفيذ مشاريع بناء مدارس ومستوصفات وتبليط شوارع الخ.

ثالثا، مقترح الطلب من الولايات المتحدة صرف جزء من السندات الحكومية العراقية المودعة لديها بقيمة حوالي ٣٤ مليار دولار لتنفيذ مشاريع انتاجية وبنية تحتية بما في ذلك مصانع الدولة المعطلة بواسطة شركات اميركية وبايدي عاملة عراقية.

رابعا، مقترحات رجل الاعمال عباس فاضل شمارة لاستيعاب الايدي العاملة المعطلة.

خامسا، مقترح تأسيس شركات اهلية لتنفيذ مشاريع صغيرة او متوسطة بتمويل من الاموال المدخرة في المنازل والتي يقدرها البعض ب ٤٣ مليار دولار.

سادسا، مقترح المقاول المهندس عبد الله عويس لتنفيذ مشاريع كثيرة بما في ذلك بناء المدارس مقابل دفع قيمتها بالگير الاسود.

وهناك الكثير من المشاريع الذكية التي قدم بعضها لرئيس الوزراء لكي تتم دراستها وتنفيذ الصالح منها، وقد قدمت له شخصيا بعض هذه الافكار مشفوعة بالتاكيد على انني لا اطمح بمنصب ولا اطمع براتب. وكانت ثمرة كل هذه المقترحات الزيارة الاستعراضية للخريجين المتظاهرين الذين يطالبون بالتعيين في دوائر الدولة!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق