هذه الاتفاقية تحمل بين جنباتها العديد من المخاطر بالنسبة لإيران، لاسيما وان ذاكرة التاريخ تحتفظ بالكثير من المواقف وعلى سبيل المثال ما حصل بين سريلانكا والصين على اثر اتفاقية مبرمة بينهما، اذ اضطرت سريلانكا لتسليم ميناء للصين في إطار عقد إيجار لمدة 99 عاما، بعدما أخفقت في تسديد ديونها للصين...

حرك خبر الاتفاقية الاستراتيجية التي من المؤمل ابرامها بين إيران والصين المياه الراكدة في بحيرة الاحداث الدولية، وأصبح في الأيام المنصرمة الحديث عنها، وأهدافها، ونتائجها، وجميع ما يتعلق بها يتصدر وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.

حدث مثل هذا بالتأكيد لا يمر كغيره من الاحداث، فهو قد يؤدي الى تأثيرات على جميع الأقطاب الدولية، وما سيلحق ذلك من تداعيات خطيرة على المستوى المحلي بالنسبة لإيران وكذلك على مستوى العلاقات الدولية والمشهد العام، اذ من المؤكد ان يتم النظر الى هذه الاتفاقية ليس على انها فتح نوافذ اقتصادية فحسب، بل يتعدى الأمر ذلك كثيرا ويتداخل مع الجانب السياسي بشكل كبير.

اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي تمتد لمدة 25 عام تعد من اهم الاحداث الداخلية لايران، فهي لم تشهد تحولا كبيرا منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

وتصرف حكومة طهران من الممكن تفسيره على انه تعبير عن حالة عدم الرضى عن الحلفاء الأوربيين والروس، وعدم الوقوف الى جانبهم في المعركة الدائرة مع المحور الامريكي، ما دفعها الى الاصطفاف بجانب المعسكر الشرقي بقيادة الصين التي أصبحت تتحكم بالسوق الإيرانية الكبيرة وتجعلها منفذا جديدا لمنتوجاتها المختلفة.

وهي بذلك محقة بعدما وضع الرئيس الامريكي شروط تعجيزية على التبادل التجاري مع الصين، اذ اراد ان يزيد من قيمة الضرائب المفروضة على السلع الصينية، وبالنتيجة تزداد التكاليف وتنخفض الفائدة، ومن البديهي فان كل مُنتج يبحث عن سوق رائجة لتصريف منتجاته ولم يراعي في سبيل ذلك المواقف الدولية والنتائج المترتبة على ذلك.

بموجب هذه الاتفاقية ستفتح الصين نافذة تطل من خلالها على المياه الدافئة في الخليج وبحر عمان، وبذلك تصبح واقفة الى جانب القوى العظمى المتحكمة في الشؤون الدولية وهي امريكا والروس، مجتمعين جميعهم في مساحة واحدة مستندين بذلك الى غطاء قانوني وفق اتفاقيات دولية رصينة.

بعد ان فشل الاتفاق التجاري الذي قارب ان يرى النور بين العراق والصين، الذي وضع لبناته الأولى رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي وشرع بأكملها المستقيل عادل عبد المهدي واجرى من اجل اتمام ذلك زيارة فريدة من نوعها، برفقة وفد حكومي رفيع المستوى.

أخذت ايران تسعى ومن خلال قربها من المحور الشرقي الى تقوية كفتها امام غريمها التقليدي، الولايات المتحدة الأمريكية التي تواصل تضييق الخناق عليها تارة عبر البوابة الاقتصادية وأخرى عبر التنافس التكنولوجي وكذلك المجالات الصناعية الأخرى منها العسكرية والنووية.

هذا التقرب العراقي اغضب الأمريكان وجعل منهم اداة لإفشالها بشتى الطرق وبمختلف الأساليب، وبالفعل جيشت وسائل الإعلام التابعة لها للتقليل من أهميتها بالنسبة للعراق وعدم جدواها في المرحلة الحالية، وبالفعل حدث ذلك وبقيت الاتفاقية حبيسة الادراج ولم ترى النور لغاية الآن، ومن المؤكد انها تلاشت وذهب نحو المجهول.

العوامل السياسية والعلاقات الدولية لها تأثير كبير على اتمام الصفقات التجارية، وما حدث في العراق خلال الاتفاقية دليل واضح على أهمية العلاقات الطيبة بين الدول.

ربما تكون خطوة الحكومة العراقية آنذاك غير مدروسة، اذ من غير المعقول ان تسمح لها الولايات المتحدة وهي المتواجدة على أراضيها، ان تذهب بفتح نوافذ تجارية وعلاقات دولية وطيدة مع غريمها في كل شيء، وبالتالي رأينا بأم اعيننا كيف جندت ابواقها وجيوشها الإلكترونية من اجل افشال الصفقة وجعلها بمثابة حبل المشنقة الذي سيلف على رقبة العراق وينهي وجوده عبر إغراقه بالديون والاستثمارات التي لا تخدم المواطن بصورة عامة.

ذات الأمر من الممكن ان يحدث بخصوص الاتفاقية الإيرانية الصينية، فالولايات المتحدة لا تريد لدولة ان تنشط وتسبقها في اي مجال، وهذا التحرك سيقود الى نمو اقتصادي كبير للصين وقد ينعكس بالفائدة على الحليفة ايران.

ومرجح ان نرى في الأيام القادمة جملة من الإجراءات والخطوات التي تقف وراءها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد تقدم بعض التنازلات لحكومة طهران وتخفيف حدة التوتر بينهما، وربما تخدعها لفترة معينة لحين ضمان عدم تمرير الاتفاقية.

هذه الاتفاقية تحمل بين جنباتها العديد من المخاطر بالنسبة لإيران، لاسيما وان ذاكرة التاريخ تحتفظ بالكثير من المواقف وعلى سبيل المثال ما حصل بين سريلانكا والصين على اثر اتفاقية مبرمة بينهما، اذ اضطرت سريلانكا لتسليم ميناء للصين في إطار عقد إيجار لمدة 99 عاما، بعدما أخفقت في تسديد ديونها للصين.

فلا يمكن ان نستبعد حدوث ذلك مع حكومة طهران وهي على وشك انهيار اقتصادي، فمن المحتمل ان تتوقف ايران عن تسديد الفوائد او الديون المترتبة على ذلك، الأمر الذي سيترتب عليه استيلاء الصين على الأصول والحصول على الامتيازات في حقول النفط والغاز والموانئ والجزر الإيرانية.

ولنفرض ان الاتفاقية لا تلبي طموحات حكومة طهران التي تبحث عن خلاص للازمة التي تمر بها، لكنها قد تكون القشة المنقذة لها في زمن تكالب الأزمات عليها وقل ناصريها.

اضف تعليق


التعليقات

عادل حميد
العراق
هذه الاتفاقية مع غض النظر عن كل التبريرات يقوده مجموعة من الفاسدين الذين مستعدين ان يبيعوا بلادهم من اجل البقاء في السلطة كما انها تعبر عن غباء اقتصادي وسياسي، فهل تتصور ان الشركات الصينية ستبقى اذا ازدادت حدة العقوبات على ايران، في كل الاحوال ايران خاسرة لان هذه الاتفاقية اسوء من كونها استعمارية، والحمد لله انها فشلت في العراق... الطيور على اشكالها فكلهم مستبدون...2020-07-16