لقد مثّلت فتوى الجهاد الكفائي التي اصدرتها المرجعية الدينية العليا العام الماضي، القمّة في الخطاب الوطني، وبرأيي فإنها أرّخت لمرحلة مهمة من تاريخ العراق، كما انها بمثابة الفاصل بين زمنين في تاريخ العراق الحديث.

ولقد حقّقت الفتوى ما يلي؛

اولاً؛ انّها وقفت بوجه الانهيار الذي كاد ان يصيب العراق بسبب التمدّد المفاجئ والسريع للإرهابيين في مناطق شاسعة شملت مدن مهمة منها الموصل، فيما كان السياسيّون مشغولون بمشاكلهم وحصد مصالحهم الانانية الضيقة!.

ثانياً؛ انها عبّأت المجتمع العراقي في الحرب على الارهاب، وعلى مختلف الاصعدة، ففي اجواء الياس والخوف والقنوط التي خيّمت على البلاد بسبب الفشل الذريع الذي مُني به الساسة في إدارة الدولة، جاءت الفتوى لتشحذ الهمم وتُعيد التوازن الى شخصية المواطن والثقة بنفسه.

بمعنى آخر، فانّ الفتوى حقّقت بعدين، الاول؛ هو البعد المعنوي، والثاني؛ هو البعد المادّي، تمثّل الاول في بثّ روح الحماس في نفوس المجتمع الذي كاد ان ينهار بسبب الفوضى الأمنية والعسكرية والحرب النفسية المدمّرة التي شهدها العراق في مثل هذه الايام من العام الماضي، اما الثاني فتمّثل بإنجاز عملية التعبئة الشاملة التي تشكّل على اساسها الحشد الشعبي المبارك والذي يشهد بانجازاته وانتصاراته التي حققها بتضحياته السخيّة، العدو قبل الصديق.

كذلك، ينبغي ان لا نغفل هنا دور الفتوى في مواجهة الحرب الطائفية الشاملة التي كاد ان يشهدها العراق بسبب تمدّد الارهابيين، فلو انّهم كانوا قد حقّقوا ايّ تقدّم، ومن اي نوعٍ كان، صوب العاصمة بغداد او باتجاه المدن المقدسة مثل كربلاء المقدسة او النجف الأشرف او الكاظمية المقدسة او سامراء المقدسة، ونجاحهم في تنفيذ ايّة جريمةِ اعتداء مماثلة كالتي حصلت بتفجير مرقد الإمامين العسكريين، لشهدت المنطقة برمّتها، وليس العراق فحسب، بل العالم العربي والإسلامي، حرباً طائفية من العيار الثقيل، لا يعلم الا الله تعالى ماذا سينتج عنها من مآسي وآلام وخراب ودمار.

انّ الفتوى التي جاءت في الوقت المناسب تحديداً أوقفت الانهيار ورسمت معالم عراق جديد نتمنّى على العراقيين، وتحديداً الساسة، استيعابه بما يحقّق الأمن والسلام في البلاد.

واليوم، وفي الذكرى السّنوية الاولى لصدور الفتوى، ينبغي ان ننتبه الى المساعي الخبيثة التي يبذلها بعض المغرضين لإفراغ الخطاب المرجعي من محتواه الحقيقي، تارةً بنعته بالطائفية واُخرى بالتغافل عن معانيه الوطنية.

كما ينبغي الانتباه الى محاولات البعض توظيف الخطاب المرجعي لصالح اجندات حزبية او فئوية ضيّقة لا تخدم العراق بأي شكلٍ من الأشكال.

ان من الواجب علينا جميعاً فضح المتاجرين بالفتوى لخدمة اهداف حزبية او فئوية ضيقة، من خلال إطلاق فضاءاتها الوطنية، والحيلولة دون سجنها بمفاهيم حزبية وإثنية ودينية ضيقة، فهي لم تصدر للدفاع عن فئة دون اخرى او عن مكوّن دون اخر، انها مثّلت خطاباً وطنياً بكلّ معنى الكلمة، لإنقاذ العراق، كلّ العراق، ولعلّ ما سمعناه من المرجعية منذ العام الماضي ولحد الان من تعليمات وتوجيهات وإرشادات في إطار الفتوى، دليلٌ واضح وصارخ على وطنية المنطلق والمحتوى والمفهوم والأدوات، ولذلك فانّ كلّ مسعى، ومن قبل ايٍّ كان، لتحجيم الفضاء الوطني للفتوى ولعموم الخطاب المرجعي، انما يمثل عرقلة واضحة للجهد الوطني المبذول في الحرب على الارهاب.

انهم يخدعون انفسهم عندما يجيّرون الفتوى ونتائجها، وتحديداً تشكيلات الحشد الشعبي المبارك والمجاهد، لأنفسهم، فيدّعون مبادرتهم حتى قبل الفتوى، ناسين او متناسين بانهم سبب كل هذه البلوى التي يمرّ بها العراق اليوم، وسف لن ينسى العراقيون بانهم مسؤولون عن كل قطرة دم شهيد تراق اليوم في الحرب على الارهاب، وعن كل دمعة يتيم تتسلل الى الارض عبر خدّه الناعم، فبعد ان تورطوا بالفساد وبكل أنواعه وتجاهلوا الواقع لصالح اجندات غير وطنية ظلّت تدور في دائرة مفهوم (بعد ما ننطيها) اذا بهم اليوم يتاجرون بالفتوى والحشد وبدماء الشهداء وتضحيات الغيارى من ابناء العراق.

ليسكت المتاجرون قبل ان يفتح العراقيون ملفاتهم ليأخذونهم الى المقصلة!.

ان الحشد الشعبي، وكل هذه التضحيات الجسام، هي النتاج الشرعي لفتوى الجهاد الكفائي حصراً، فالحشد هو الابن البار للمرجعية الدينية العليا، ولذلك ينبغي عليه ان ينتبه الى مواطئ أقدامه، ليثبُت فلا ينزلق ذات اليمين وذات الشمال، وليحذر المتاجرين الذين يحاولون توظيفه لأجندات سياسية ودعايات انتخابية!.

* مشاركتي في تقرير صحيفة (الصباح) البغدادية والاعلام الدولي للعتبة الحسينية المقدسة، بمناسبة مرور عام على صدور فتوى الجهاد الكفائي من قبل المرجعية الدينية العليا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق