q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

هل أنا أتطور؟

فن الانتقال من الوعي الذاتي إلى تحسين الذات

كيف أتطور؟ وهل أنا أتطور؟ كيف يمكنني الانتقال من الوعي الذاتي إلى تحسين الذات؟ أسئلة أرهقت فكر الانسان في ظل هذا الزخم المتفرد من تجليات العولمة وحمى التكنولوجيا، حيث يتم إنفاق جزء كبير من أوقاتنا على تنافسية الحياة بين الواجبات والحقوق من أجل النجاح، وإحراز...

كيف أتطور؟ وهل أنا أتطور؟ كيف يمكنني الانتقال من الوعي الذاتي إلى تحسين الذات؟ أسئلة أرهقت فكر الانسان في ظل هذا الزخم المتفرد من تجليات العولمة وحمى التكنولوجيا، حيث يتم إنفاق جزء كبير من أوقاتنا على تنافسية الحياة بين الواجبات والحقوق من أجل النجاح، وإحراز تقدم ملموس في كل اختياراتنا، ومع ذلك كثيرا ما يتملكنا الإحباط والشعور بعدم الرضا فندخل في صراع ذاتي يفرض علينا كما هائلا من الأسئلة والبحث عن إنعاش شغفنا نحو التطور بل إنه التحدي الذي تدور حوله حياة البشرية.

لذلك من خلال حياتنا المزدحمة، قد يكون من الصعب إيجاد وقت للتفكير حول من نحن؟ وماهية نقاط القوة والضعف لدينا؟ ومحركاتنا وشخصياتنا، وعاداتنا وقيمنا علاوة على ذلك الكثير منا لا يميلون إلى قضاء الكثير من الوقت في التفكير الذاتي والتطوير الذاتي الذي يشمل المجالات الرئيسية للوعي الذاتي، وتتمثل في سمات شخصيتنا، والقيم الشخصية، والعادات، والعواطف، والاحتياجات النفسية التي تحرك سلوكنا.

في هذا الصدد يقسم لنا المفكر وخبير التنمية البشرية "جيم روهن" التطور الشخصي إلى ثلاثة أجزاء.

- الروحية: المعتقد والتنمية الروحية

- المادية: التنمية الصحية والمالية

- العقلية: مهارات التعلم والقراءة والتفكير

ثم حدد أربع خطوات للنجاح:

1- أفكار جيدة: العثور على الأفكار الجيدة هي تغيير للحياة ولا شيء قوي مثل الفكرة.

2- خطط جيدة: الخطط مهمة لأنها تلد الأفكار الجيدة.

3- التعامل مع الوقت: التعامل مع الوقت أحد تحديات الحياة عبر تعلم الانتظار و الصبر.

4- حل المشاكل: النجاح هو ببساطة حل المشاكل، وهناك العديد من المشاكل التي تعترضنا في الحياة منها مشاكل العمل، مشاكل الأسرة، المشاكل الشخصية، المشاكل المالية، المشاكل العاطفية، والجميع لديهم قائمة من المشاكل ومما لا شك فيه أن أفضل طريقة لحل المشكلات تكون بتشخيصها جيدا ثم تدوينها على الورق، ثم تحديد الحلول الممكنة لها، وهذا بعد طرح ثلاث أسئلة مهمة - ما الذي يمكنني فعله لحل المشكلة؟

كما حدد لنا جيم روهن بشكل دقيق ومفصل مهارات النجاح والتغيير الذاتي نلخصها في النقاط التالية:

أولا: الاستعداد، ويكون بتطوير القدرة على الامتصاص أي نتعلم أن نكون مثل الإسفنجة ثم نطبق مقولة "أينما كنت كن هناك."

ثانيا: فن الرد من خلال تطوير مهارة الاستجابة، والقدرة على أن نتأثر بما نراه ونسمعه لأن النجاح ليس مجرد معرفة بل هو استجابة للمعرفة، وتعني الاستجابة للحياة أن ندع الأشياء الحزينة تجعلنا حزينين، وأن ندع الأشياء السعيدة تجعلنا سعداء، وأن ندع الأشياء المحيرة تحيرنا، ببساطة نترك الأشياء الصعبة تخلق لنا صعوبة، وهذا يبني البنك العاطفي الخاص بنا.

ثالثا: التدبر والتأمل وسيلة إضافية للحصول على المزيد من القيمة مما نعرفه وما كنا نمر به، فقط يكفينا أن نأخذ بضع دقائق في نهاية اليوم نبحث عن مكان هادئ إذا استطعنا، ثم نعود مرة أخرى بتفكيرنا عبر هذه الأسئلة البسيطة أين كنا؟ ماذا رأينا؟ ماذا سمعنا؟ بما شعرنا؟ وهذا ما يسمى بمهارة الاسترجاع التي ستضيف قيمة لمستقبلنا، ولا تستغرق إلا بضع ساعات في نهاية الأسبوع، أو دقائق في نهاية اليوم، أو نصف يوم في نهاية الشهر وعطلة نهاية الأسبوع، أو في نهاية العام، أي جعل كل ما مضى أكثر قيمة مقابل حياة أكثر قيمة لمزيد من الاستثمار في المستقبل.

رابعا: الفعل من خلال تطوير القدرة على التصرف، والقدرة على اتخاذ إجراءات، وقرارات حاسمة بشأن مشاعرنا ومعرفتنا، والتدرب على العمل المنضبط الذي يولد الأفكار والمشاريع والقيم.

خامسا: المشاركة، وهي قدرة بشرية فريدة من نوعها، كما أنها ظاهرة خاصة في التجربة البشرية يتم من خلالها زيادة القدرات والوعي والتفرد وتعميق فن التواصل الجيد، وكيفية التأثير على الآخرين باستخدام اللغة، وتقديم المساعدة.

كل تلك النقاط التي تحدث عنها جيم روهن تساعدنا على الانتقال من الوعي الذاتي بقيمة التطور الى تحسين الذات وهذا لا يكون إلا من خلال مهارة الإدارة الذاتية، لأن الانتقال من الوعي الذاتي الى تحسين الذات ليس بالأمر السهل، حيث يتطلب منا إدارة حياتنا اليومية بشكل جيد، ويتم ذلك من خلال عدة استراتيجيات نذكر أهمها:

1- تحديد الجوانب التي تتم فيها الإدارة الذاتية مثل العادات، التحفيزات، الاستجابة، مواطن الضعف والقوة، أي تحديد كل ما يدفعنا إلى الافتقار للإدارة الذاتية.

2- النظر في اختياراتنا وردود الفعل الخاصة بنا اتجاه تلك الخيارات بدلا من السلوكيات الافتراضية.

3- تحديد خطة للإدارة الذاتية.

ومن هنا يبدأ تحسين الذات بإدراك الذات، ويعرف الوعي بشكل عام "معرفة شيء ما" أما الوعي الذاتي هو "معرفة الذات" ففي عام 1939 لاحظ العالم إريك فروم العلاقة بين مفهوم الذات، وكيف يشعر المرء بالآخرين وتوصل الى أن الكراهية ضد الذات مرتبطة بالكراهية ضد الآخرين، حيث ذكر عالم النفس الشهير كارل روجرز في عام 1961 أن الوعي الذاتي وقبول الذات، وكذلك القدرة على معرفة الآخرين وقبولهم لازمة للنمو الشخصي، ووجد أن أحد الاحتياجات الإنسانية الأساسية هو الحاجة إلى احترام الذات "رعاية الذات".

إن تحسين الذات لا يتم إلا بتغيير الشخصية لأننا بمجرد أن ندرك نقاط القوة والضعف لدينا يمكننا رفع سلم التنمية الشخصية لتحسين الذات، فإدراك المرء لذاته أمر بالغ الأهمية في عملية التغيير التي عبر عنها داريل كورنر "Daryl Conner" في كتابه الإدارة بسرعة التغيير "Managing at the Speed of Change" على أن الأشخاص الذين يتكيفون ببطء أكثر من وتيرة التغيير التي تحدث من حولهم يفعلون ذلك لأن لديهم قدرة منخفضة للغاية على التعامل مع عدم اليقين.

وبذلك فإن الوعي الذاتي هو البوابة لتحسين الذات، وهو سمة أساسية للغاية يجب أن يمتلكها المرء في الحياة لأنه يساعدنا على العيش كل يوم مع نظرة إيجابية وصحية، ويعتمد تحسين الذات بدرجة كبيرة على مقدار انفتاحنا على صوت الذات العليا أي "وعي الروح" هذا هو الجزء الذي يشير إلى ما هو مناسب لنا ويوجهنا نحو أفضل مسار للعمل، وإذا لم يتصرف الشخص بناء على إدراكه الذاتي للتحسين الذاتي ستقوض كل محاولاته نحو التطوير الذاتي، خاصة في ظل هذه الجائحة الصحية العالمية "فيروس كورونا" فانطلاقا من النقاط الأنفة الذكر يمكن للمرء الوصول الى بناء وعي ذاتي ثم تحسين الذاتية عن طريق تغيير نمط الحياة من خلال وضع خطة للحياة، والتمسك بها، وتحديد الأهداف، ثم ترتيبها حسب الأولوية، واحترام الذات، والتنظيم الذاتي، والتقييم الذاتي، والمراقبة الذاتية، والتحكم الذاتي.

* باحثة متخصصة في الإدارة الدولية-الجزائر
[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق