خلال عمر الازمة اليمنية التي تجاوزت شهرها الثاني، كانت هناك محاولات متواضعة لإنهاء الصراع ووضع حد للمعاناة الانسانية الكبيرة التي يعاني منها ملايين المواطنين في اليمن، البعض منها كان لجس النبض ومراقبة ردود الافعال السعودية، باعتبارها الدولة التي تبنت عمليات "عاصفة الحزم" بمشاركة حلفائها من العرب وغيرهم، والبعض الاخر كان يحاول اثبات الوجود وتحدي "الحزم السعودي" واعتبار ما يجري مجرد "مغامرة خطيرة في الخليج".

لكن من بين جميع هذه المحاولات، كان المجتمع الدولي ينظر الى تحركات "الامم المتحدة" وصوت امينها العام، "بان كي مون"، باعتبارها منظمة عالمية محايده وليست طرفا في النزاع السعودي-اليمني، وهي تحظى باحترام وتقدير اغلب دول العالم، اضافة الى امتلاكها لأدوات الضغط السياسي والدبلوماسي، ما يؤهلها لتلعب دورا محوريا في عملية احلال السلام او وقف اطلاق النار، ومن ثم اطلاق مبادرة دولية لرعاية مفاوضات سياسية واسعة تجمع اطراف النزاع والفرقاء اليمنيين لوضع خارطة طريق يمنية تضمن موافقة هذه الاطراف لحل سياسي مناسب وعادل.

الامم المتحدة بدورها حاولت بعد ايام من انطلاق عملية "عاصفة الحزم" بدعوة من الامين العام لإيقاف اطلاق النار والجلوس للحوار، لكنها قوبلت بتجاهل وغضب خليجي، اما المبعوث الاممي لليمن "بن عمر" فقد قدم استقالته "احتجاجا" على "الحزم" السعودي، بعد تأكيده بان الاطراف اليمنية اقتربت من الجلوس على طاولة المفاوضات التي عملت الامم المتحدة على ترتيب تفاصيلها، "التحالف العربي" تجاهل ايضا مناشدات الامم المتحدة لاستمرار "الهدنة الانسانية" التي استمرت لخمسة ايام فقط، وهو ما اصاب المنظمة وامينها "بخيبة امل" كبيرة، وتزامن مع هذا التجاهل، اقامة السعودية لمؤتمر "انقاذ اليمن" الذي شاركت فيه الامم المتحدة بصورة وصفت على انها "خجولة" وربما تكون "غاضبة" من تصرفات "التحالف العربي" ومن يقوده، سيما وانها استثنت جماعة "انصار الله" او الحوثيين من هذا المؤتمر، بالمقابل فإنها (الامم المتحدة) اعلنت بانها تعد لمحادثات سلام شاملة في "جنيف" لكل اطراف النزاع، بما فيهم "انصار الله".

المناكفة السياسية بين الامم المتحدة والسعودية الداعمة لحكومة الرئيس "هادي" في اليمن استمرت ليعلن "هادي" رفضة لعقد هكذا مؤتمر من دون تنفيذ الشرطين الاساسيين، "الانسحاب من صنعاء والمدن الاخرى التي سيطر عليها الحوثيون"، و"الاعتراف بحكومة هادي الشرعية"، وعلى اثر ذلك تم تأجيل المؤتمر المزمع عقده في 28/ ايار الى اشعار اخر، وهو ما اكده مسؤول كبير في الامم المتحدة، والغريب ان شروط "هادي" التي لا تعترف "بها" او"به" جماعة "انصار الله"، باعتباره فاقد للشرعية، على حد وصفهم، جاءت في وقت لا تبدو فيه اي علامات نصر للتحالف العربي او السعودية او حتى لحكومة الرئيس هادي، كما ان معارك عنيفة جرت على الحدود السعودية وسط ضربات صاروخية استهدفت مدن سعودية، اضافة الى اسر عدد من حرس الحدود واسقاط طائرة "اف 16" تابعة لسلاح الجو السعودي، فيما بقي ميزان المعارك داخل اليمن لصالح الحوثيين بعد ان سيطروا على مدن يمنية تجاوزت حدود "صنعاء" بعشرات الكيلومترات باتجاه الجنوب والشرق، من دون ان تتمكن "اللجان الشعبية" المدعومة من "التحالف" من كسر شوكة الحوثيون والمتحالفون معهم، كما يبدو من سير المعارك والضربات الجوية انهم ما زالوا يملكون الكثير من الاصرار على مواصلة القتال حتى النهاية.

ويبدو ان الازمة اليمنية لا يراد لها نهاية او حل سياسي قبل تحقيق النصر الذي تبحث عنه القيادة الجديدة في السعودية، واشار الكاتب والسياسي الامريكي "بروس ريدل" الى هذا التوقع بالقول "رهن وزير دفاع السعودية ونائب ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، مستقبله وبلاده بتحقيق نوع من النصر في حرب المملكة في اليمن"، واضاف " أن محادثات الأمم المتحدة، التي تترك صنعاء تحت سيطرة الحوثيين المدعوم من إيران، ليس انتصارا حاسما بالنسبة لأفراد العائلة المالكة، فمحمد بن سلمان يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير"، ويرى الكاتب ايضا أن "هناك حديث عن عدم وجود خطة لنهاية الحرب، ولكن لا أحد يريد أن يقول صراحة بأن الرياض في مستنقع هوت فيه بنفسها، في الوقت الذي يبدو أن القبائل اليمنية والحوثيين عازمون على استدراج السعوديين"، ومع هذا فقد اغلقت هذه القيادات جميع ابواب "الدبلوماسية الاممية" حتى الان، كما انها لم تدعو جماعة الحوثي، (وهي طرف رئيس في الازمة اليمنية)، او من يمثلهم من الوسطاء الى مؤتمرها الاخير.

ان استسهال الحل "العسكري" على حساب الحل "الدبلوماسي" يجانب المنطق، وتحديدا في هذه الفترة الحرجة التي اربكت حسابات الشرق الاوسط والعالم العربي، بعد ان تنامت قوة التنظيمات المتطرفة (داعش واخواتها)، الى جانب الحساسية الطائفية والمذهبية، والصراعات الاضافية في سوريا وليبيا والعراق، وتدهور اسعار النفط عالميا، وغيرها من الارهاصات والمشاكل الامنية والاجتماعية والحقوقية التي يعاني منها الملايين من الشباب العربي، وبالتالي فان الذهاب نحو المجهول من دون وجود حسابات استراتيجية توضح معالجة الازمات باقل الخسائر، لا يمكن ان يولد الا مزيدا من "الخسائر العربية" او "الخليجية" في اليمن.

اضف تعليق