في ظل التطورات المتسارعة يبقى السؤال الأهم بعد ان حددت امريكا اثنين وخمسين هدفا في حال كانت ردة فعل ايران مبالغ فيها، هل ستؤثر هذه التصريحات على حجم ونوع الرد الايراني ام ستمضي بطريق الاجابة التي قالت بانها لا تتعدى الساعات القليلة القادمة؟...

من يعرف تاريخ الحروب الامريكية وسياسية النفس الطويل التي تتمتع بها، قد لا يتفاجأ حين سماعه انباء اغتيال قائد فيلق القدس الايراني الجنرال قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس، في طريق عودتهما من بيروت فجر الثالث من كانون الثاني الجاري.

عادة لم تتأخر الولايات المتحدة في الرد على من يحاول استفزازها بتصرف معين او خطوة غير مدروسة، لكنها لم تتوانى ابدا عن الرد هذه المرة، فقررت ان يكون الرد بعد مرور ساعات على اقتحام سفارتها الاكبر في بغداد وعلى ايد فصائل موالية لإيران بصورة مطلقة.

امريكا بهذه الضربة المفاجئة لم تعطي المجال لاحد ان يفكر كونها جاءت بصورة سريعة وغير متوقعة من جميع الاطراف ليس إيران فحسب، فما الذي دفع بها الى توجيها بهذا التوقيت تحديدا وما الذي كان يدور في مخيلة ترامب حين أمر بذلك.

الضربة جعلت القوى السياسية في العراق بصور عامة في حيرة من امرها، فهي على الرغم من اختلاف وجهات نظرها فيما يخص التدخلات الخارجية الا انها اتفقت جميعا على ان ما حصل هو انتهاك سافر على السيادة العراقية.

وهذا الانتهاك بحد ذاته اذا ما ارادت الحكومة العراقية الرد عليه فهي تعلم ان امريكا تقف خلفه وليس دولة اخرى، فهي لا تريد ان تبقى صامته ولا تستطيع ان تشهر الاستنكار وتوسع رقعته بمدى اوسع مما قالته، فذلك سيؤثر على مستقبل العملية السياسية ومن يديروها بصورة عامة.

فهل نرى موقفا حكوميا يعيد للعراق كرامته المسلوبة على ايد ادارة البيت الابيض؟، ام ستبقى مكتفية بالتصريحات الخجولة التي لا تغني ولا تسمن؟، من المتوقع ان لا يخرج الموقف العراقي الرسمي من دائرة الاستنكار والاسباب معلومة لا داعي لذكرها.

بعد الانتهاء من موقف الحكومة العراقية دعونا نتناول الاحداث من جانبين الاول ما يتعلق بموقف الفصائل العراقية التي تنضوي تحت الخيمة الايرانية، لم تقل حيرة هذه الفصائل عن حيرة الحكومة العراقية، فهي تعرف ان امريكا لن تتردد للحظة عن تدمير اي جهة ترى من الضروري ضربها والدليل على ذلك هو قصفها لمقر كتائب حزب الله حين استشعرت بالخطر على رعاياها وجنودها في البلاد.

من شارك في الاحتجاجات الشعبية التي جرت بالقرب من السفارة الامريكية وتحديدا من قادة التشكيلات المندرجة تحت مظلة القوات الامنية، أصبحوا اليوم في موقف مغاير على ما كانوا عليه قبل الاستهداف الامريكي الاخير، فمن الممكن تتكرر الضربة لأي منهم وفي اي وقت اذا استمروا في التصريحات والمواقف التي تثير غضب الامريكان.

فأمريكا بهذا التصرف المدروس جيدا قد تكون اوقفت خطر تلك المجاميع الذي من المتوقع ان يمتد ليطال اهداف اخرى غير التي تم استهدافها وادت لمقتل المتعاقد الامريكي.

وبعد التناول للموقفين لم يبقى امامنا سوى ان نوضح الموقف الايراني وما يتوجب على المسؤولين في إيران فعله في المرحلة الحرجة للغاية، فهو الآن يتأرجح بين موقفين وكلاهما صبعا عليه، فالتعاطي الضعيف مع الموقف يعني مخاطر بذهاب ماء الوجه، في المقابل اذا ارتفع سقف ردة الفعل فمن المتوقع ان يكون مخاطرة بفقدان الحياة، ولا مبالغة في ذلك كون المستهدف هو الرجل الثاني في ايران ولا صعوبة في الوصول الى ما هو ابعد من ذلك.

الخيارات مفتوحة امام إيران للرد على هذه الحادثة وهي وحدها من يستطيع تقدير الموقف، فلا ضرورة ان تستمع للمطالبات الامريكية التي تريد ان يكون العين بالعين وان تكون ردة الفعل لا تتجاوز حجم سليماني، فهي بذلك الرد استهانت بشخصية الجنرال واعتبرت استهدافه شيء بسيط، بينما هو غير ذلك بالنسبة للايرانيين فهو يحظى بشعبية ومقبولية جماهيرية.

فهي تتحكم وتسيطر بصورة مباشرة بمضيق هرمز الذي يعد الشريان الذي من خلاله يتم امداد دول العالم بالنفط الخام، ومن المحتمل ان تعزف ايران على هذا الوتر الحساس بالنسبة لدول الاتحاد الاوربي بمجملها ولا يروق لها هذا التحرك في حال اتجهت نحوه حكومة طهران.

ايران لغاية الآن تستخدم سلاح الحرب النفسية لدعم موقفها واحداث ردود فعل دولية حول الاستهداف، لكنها وفي حال لوحت بالذهاب صوب هذا الاتجاه فمن الممكن نلاحظ تدخل من دول الاتحاد الاوربي التي لا تريد مزيدا من التوتر والتصعيد في المواقف بين البلدين.

ويبقى لنا الحق في ان نتساءل بعد ان حددت امريكا اثنين وخمسين هدفا في حال كانت ردة فعل ايران مبالغ فيها، فهل ستؤثر هذه التصريحات على حجم ونوع الرد الايراني ام ستمضي بطريق الاجابة التي قالت بانها لا تتعدى الساعات القليلة القادمة؟.

اضف تعليق