العراق ليس طرفا في النزاع الايراني الاميركي الذي يمكن تسويته في اية لحظة اذا غيرت ادارة ترامب من سياستها العدوانية ضد ايران، ولا ينسجم مع دعاوى احترام السيادة العراقية، اتخاذُ العراق ساحة للرد العسكري على الهجومات المزعومة، وهو يكشف عن عجز الولايات المتحدة عن مواجهة اعدائها...

يبدو حديث مساعد وزير الدفاع الاميركي جوناثان هوفمان عن احترام الولايات المتحدة لسيادة الدولة العراقية، ادعاءً فارغا من اي معنى في ظل العملية العسكرية الاميركية التي استهدفت مقرات تابعة للحشد الشعبي (كتائب حزب الله) على الحدود العراقية السورية.

قال هوفمان ان الولايات المتحدة "تحترم بصورة كاملة السيادة العراقية، وتدعم عراقا قويا ومستقلا"، لكن التصرف العسكري الاميركي الذي لا يمكن وصفه باقل من كلمة عدوان لا يصدق هذا القول. خاصة وان البيان الاميركي يكشف بوضوح العقلية السياسية الكامنة خلف التصرف العسكري. وهي عقلية تفتقد الى الحكمة والحنكة السياسية. فقد ربط البيان بين الغارة العسكرية على مواقع تابعة للدولة العراقية، وبين النزاع الاميركي-الايراني. فقد قال البيان ان على ايران والقوى الحليفة لها ان توقف هجماتها على القوات الاميركية.

اذاً، فان التصرف الاميركي ينطلق من مزاعم على هجمات "ايرانية"، وكانه رد عليها، او "دفاع عن النفس"، كما قال البيان، وهذه المزاعم، فضلا عن كونها بلا دليل، الا انها لا تبرر ان يحصل الرد على الارض العراقية.

العراق ليس طرفا في النزاع الايراني الاميركي الذي يمكن تسويته في اية لحظة اذا غيرت ادارة ترامب من سياستها العدوانية ضد ايران، ولا ينسجم مع دعاوى احترام السيادة العراقية، اتخاذُ العراق ساحة للرد العسكري على الهجومات المزعومة. وهو يكشف عن عجز الولايات المتحدة عن مواجهة اعدائها المزعومين في ساحات المواجهة الحقيقية مفضلة الرد باساليب لا تلحق ضررا بالعدو الموهوم وفي ساحات لا علاقة لها بهذا النزاع.

ان الولايات المتحدة ترتكب خطأ جسيما وعدوانا غاشما بتحويل العراق الى ساحة لتصفية حساباتها مع دول اخرى. وتنتهك سيادته الوطنية في ظروف داخلية بالغة التعقيد.

ويتضاعف هذا الخطأ في الحسابات السياسية حين يكون المستهدف بالعدوان هو الحشد الشعبي الذي يحتل مكانة سامية في الضمير الشعبي العراقي لدوره المتميز والكبير في تحرير اراضينا من الاحتلال الداعشي الغشيم.

ان كتائب حزب الله وبقية الوية الحشد الشعبي منغمسة بالتصدي لداعش، وهي لا تتدخل حتى بالشأن العراقي الداخلي، وليست طرفا في الصراع الايراني الاميركي.

فالصواريخ الاميركية لم تضرب عدوا مشتركا، مثلا، انما ضربت الكرامة الوطنية العراقية في الصميم. وهذا امر مما لا يمكن غفرانه والسكوت عنه وتجاوزه.

كان يفترض بالولايات المتحدة ان تمتنع كليا عن مثل هذه التصرفات، ليس فقط احتراما للسيادة العراقية، وانما ايضا مراعاة لما يعانيه العراق من ازمة داخلية لا يعرف احد كيف سوف تنتهي، خاصة وان العراق ليس في وضع مناسب لحماية سيادته الوطنية او الرد المناسب على اي عدوان، لهذا ليس بمقدور الكتاب ان يطالبوا حكومة مستقيلة مشلولة ولا رئيس جمهورية مترددا بان يقوموا بما يجب عليهم فعله للرد على العدوان الاميركي.

تقف العلاقات العراقية الاميركية التي لم تعززها الثقة المتبادلة ذات يوم على مفترق الطرق. ولم يشفع للولايات المتحدة دورها في مساعدة الشعب العراقي في التخلص من نظام صدام حسين الجائر بسبب سياساتها المدمرة وتصرفاتها الطائشة او المنهجية بعد ذلك، والتي ادت الى نتائج ومضاعفات سلبية اضرت بالشعب العراقي والدولة العراقية.

ان الولايات المتحدة، وبخاصة ادارة ترامب، بحاجة ماسة الى مراجعة سياساتها وتصرفاتها، فيما يتعلق بالعراق بل المنطقة، واصلاحها بسرعة، اذا ارادت ان تكسب ثقة شعوب المنطقة ودولها، والا فان مستقبل موقع الولايات المتحدة في العراق والمنطقة في مهب الريح، وبشكل مضر بالمصالح الاميركية بالذات قبل مصالح دول المنطقة والسلام العالمي.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق