ان الديمقراطية والفكرة الحزبية غير مسؤولتين عن تجربة الاحزاب العراقية، ولهذا اقول انه ليس من السليم ان ينفر المواطن العراقي من الديمقراطية والحزبية، بل السليم ان يبادر المواطنون الفعالون، بالتعاون فيما بينهم، الى تقديم البدائل السليمة، لتقديم نموذج افضل لحزب سياسي في نظام ديمقراطي...

وجود الاحزاب السياسية في النظام الديمقراطي ضرورة يكاد يجمع عليها الباحثون السياسيون، فلا نتحدث عنها الان، لكن ما اريد ان اتحدث عنه هنا هو ما هو هدف الحزب السياسي في نظام ديمقراطي دستوري؟

الاهداف الايديولوجية او شبه الايديولوجية، مثل الاحزاب الشيوعية والقومية العروبية والاسلامية، تضع اهدافا لها من خلال رؤيتها العقائدية. فقد يقول الشيوعي ان هدفه اقامة حكومة دكتاتورية البروليتارية، ويقول الاسلامي ان هدفه اقامة الدولة الاسلامية، ويقول القومي العروبي ان هدفه اقامة الدولة العربية الواحدة.

وكل هذه الاهداف المنتزعة من رؤية عقائدية سابقة للدولة القائمة اهداف غير دستورية لانها كلها تستبطن الاطاحة بالنظام السياسي القائم المعرفة هويته بالدستور الدائم للدولة. ولهذا، فان هذه الاهداف لا تصلح ان تكون اهدافا لحزب سياسي مجاز ويعمل ضمن قوانين دولة دستورية ديمقراطية.

من ملاحظة عمل الاحزاب السياسية في الدول الديمقراطية، نراها كلها تشترك في هدف واحد هو الوصول الى السلطة والمشاركة فيها من خلال الانتخابات. بمعنى ان هدف الحزب السياسي هو الفوز بثقة الناخبين واصواتهم لكي يصل الى السلطة، اما منفردا او بالشراكة مع احزاب اخرى.

والحزب السياسي في نظام ديمقراطي حزب انتخابي، يخوض معركة الفوز بثقة الناخبين من خلال هدف محدد معلن يسعي الى تحقيقه في حال اوصله الناخبون الى السلطة. فعلى سبيل المثال نجد ان هدف حزب brexit في بريطانيا هو الخروج من الاتحاد الاوروبي، بينما هدف حزب الديمقراطيين الليبراليين هو البقاء في الاتحاد الاوروبي. ولهذا ان اعضاءً في حزبي المحافظين والعمال مؤيدين للخروج، تركوا احزابهم والتحقوا بحزب brexit، في حين التحق الاعضاء المؤيدون للبقاء بحزب الديمقراطيين الليبراليين.

وهكذا يضع كل حزب سياسي هدفا عمليا محسوسا و منظورا لعمله ويسعى الى كسب مؤيدين لهذا الهدف الذي يعبر عن حاجة فعلية وواقعية. ويكون هذا الهدف ضمن البرنامج السياسي للحزب. وبه قد يتفق او يختلف مع غيره من الاحزاب، فان اتفق فسيكون هذا مفتاحا للتعاون بين الحزبين او الاحزاب المتفقة وقد يفتح الباب امامها للتوحد والاندماج او الائتلاف.

وغالبا ما تكون الاهداف خدمية تستهدف تحسين حياة الناس، وحل المشكلات التي يتعرضون لها، او تمثل استجابة لقضية تتبناها شريحة كبيرة من الناس. ونادرا ما تضع الاحزاب السياسية في دولة ديمقراطية اهدافا بعيدة عن حاجات الناس وهمومهم واحساسهم اليومي، لانها بذلك سوف تخسر اصوات الناخبين.

هذه الصورة لعمل الاحزاب السياسية ليست واضحة جدا عندنا، والسبب الرئيس لذلك ان النظام القائم ليس ديمقراطيا بصورة سليمة، والاحزاب العاملة بمعظمها احزاب فئوية غير ديمقراطية، ومنسوب الثقافة السياسية منخفض نسبيا، فضلا عن عيوب التاسيس والممارسة التي رافقت العملية السياسية وفي مقدمتها الفساد والمحاصصة وغير ذلك. وهذا ما ادى الى تكون فكرة سلبية عند الجمهور حول المفهوم الحزبي، ونفرة لدى شرائح ربما تكون كبيرة من الاحزاب الموجودة.

ان الديمقراطية والفكرة الحزبية غير مسؤولتين عن تجربة الاحزاب العراقية، ولهذا اقول انه ليس من السليم ان ينفر المواطن العراقي من الديمقراطية والحزبية، بل السليم ان يبادر المواطنون الفعالون، بالتعاون فيما بينهم، الى تقديم البدائل السليمة، لتقديم نموذج افضل لحزب سياسي في نظام ديمقراطي. وهذا لا يستدعي مخالفة الدستور، بل بالامكان، بل الضروري، الاتكاء على الدستور في عمل من هذا النوع. ويكون هدف هؤلاء المواطنين الفعالين الوصول التدريجي للمشاركة في السلطة واستثمار ادوات الدولة في تحقيق الاهداف التي ينادون بها في محاربة الفساد والتخلص من المحاصصة وتحسين الخدمات ومعالجة البطالة وغير ذلك.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق