تذكَّروا كيفَ كانَ يُساق الشَّعبُ كقطيعِ النِّعاجِ إِلى حتفهِ كلَّ يومٍ في مُغامرةٍ جديدةٍ من أَجلِ أَن يُشبعَ الطَّاغية نزواتهُ التي لا تنتهي فيسعدَ وتسعدَ أُسرتهُ والحلقة الضيِّقة المُحيطة بهِ، من أَجل أَن لا يرتكبَ المرءُ جريمةً جديدةً بحقِّ نفسهِ وبحقِّ الأَجيال المُتعاقبة وبحقِّ البلادِ...

تتزامن ذِكرى التَّغيير وسقُوط نظام الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين هذا العام (٩ نيسان ٢٠٠٣) بالإِضافةِ إِلى تزامنها السَّنوي مع ذِكريات نيسان الأَليمة (تهجير الكُرد الفيليَّة وإِعدام المرجع الشَّهيد السيِّد محمَّد باقر الصَّدر عام ١٩٨٠) تتزامن مع ذِكرى الإِنتفاضة الشعبانيَّة المَجيدة (١٩٩١) والتي هزَّت عرش الطَّاغوت ومرَّغت هيبتهُ بالوحل وعرَّتهُ أَمامَ العالَم.

وفِي هَذِهِ الذِّكرى أَودُّ أَن أُوجِّهَ رِسالتَين؛

الأُولى إِلى العراقيِّين؛

أ/ لا تلتفِتُوا إِلى الوراء وتطلَّعوا دائماً إِلى الأَمام، فالماضي للعِبرةِ فقط كدرسٍ نتعلَّم مِنْهُ ليس أَكثر! وأَنَّ الذين يحنُّون إِلى الماضي، ولأَيِّ سببٍ كان، عليهم أَن يتذكَّروا المُناسبات التي تتزامن من ذِكرى التَّغيير ليُعيدُوا حساباتهِم أَلفَ مرَّة قبلَ أَن يلتفتُوا إِلى الماضي فيتصوَّروا، مثلاً، ماذا لو عادت عقاربَ الزَّمن إِلى الوراء مرَّةً أُخرى؟!؛

تذكَّروا، أَيُّها العراقيُّون، المقابر الجماعيَّة التي خلَّفها نظام الطَّاغية والحرُوب العبثيَّة والتَّدمير المُنظَّم وحلبجة والأَنفال وإِعدامهِ لخيرة أَبناء العراق العُظماء البرَرة وعلى رأسهم المرجع الدِّيني الفقيه الفيلسوف الشَّهيد السيِّد محمَّد باقر الصَّدر وأُختهُ العلويَّة الشَّهيدة آمنة الصَّدر (بنتَ الهُدى)!.

تذكَّروا كيفَ كانَ يُساق الشَّعبُ كقطيعِ النِّعاجِ إِلى حتفهِ كلَّ يومٍ في مُغامرةٍ جديدةٍ من أَجلِ أَن يُشبعَ الطَّاغية نزواتهُ التي لا تنتهي فيسعدَ وتسعدَ أُسرتهُ والحلقة الضيِّقة المُحيطة بهِ!.

تذكَّروا (فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) من أَجل أَن لا يرتكبَ المرءُ جريمةً جديدةً بحقِّ نفسهِ وبحقِّ الأَجيال المُتعاقبة وبحقِّ البلادِ إِذا فكَّر أَو حتَّى قارنَ بين الزَمنَينِ! زمنٌ ولَّى وزمنٌ يعيشهُ!.

ب/ إِنَّ الثَّابت والقاسِم المُشترك الذي نتبنَّاهُ وندافع عَنْهُ ونحميه هو العراق والعمليَّة السياسيَّة فقط (النِّظام السِّياسي الديمقراطي) فهما الخطَّ الأَحمر الذي نتَّفق عليهِما ونتمحور حولهُما وما سواهُما متغيِّرات!.

إِذا اتَّفق العراقيُّون على ذلك فسيكونونَ الأَقرب إِلى بعضهِم والأَقرب إِلى أَن يتَّفقوا على ما يريدون انجازه سيبذلون قُصارى جهدهم لتحقيقِ الإِصلاح.

إِنَّ المُشكلة الكبيرة التي تمزِّق وحدة العراقيِّين وتشتِّت جهدهُم (الإِصلاحي) وتصفِّر سعيهُم للتَّغيير المطلوب تكمنُ في أَنَّ لكلِّ جماعةٍ (صنمٌ) تعبدهُ وتستقتل للتَّبرير والدِّفاع عَنْهُ ولذلكَ لا يتَّفق العراقيُّون على شَيْءٍ لأَنَّ محصِّلة كلَّ حوارٍ هو الصِّفر وأَنَّ محصِّلة كلَّ نشاطٍ هو الصِّفر لشدَّة الخِلافات التي سببها كَثرة الخطُوط الحوراء التي لا تنتهي!.

بالتمسُّك بالهويَّة الوطنيَّة فقط نتجاوز مشاكِلنا ونحمي بلدنا ونظامنا الدِّيمقراطي.

ج/ لا أَحد يدَّعي بأَنَّ العمليَّة السياسيَّة مثاليَّة أَو أَنَّها استثنائيَّة! أَبداً، فالنَّواقصُ والأَخطاءُ واضحةً للعيانِ!.

إِنَّما نتحدَّث هنا عن أَصل العمليَّة السياسيَّة القائمة على الديمقراطيَّة وأَدواتها وهو الفارق الجَوهري بين عهدَين؛ عهدُ الإِستبداد والديكتاتوريَّة وتكميم الأَفواه ومُصادرة الحريَّات والسَّحق المُنظَّم لحقوقِ الإِنسانِ ونظام الحزب الواحد والقائد الضَّرورة! وعهد الديمقراطيَّة وأَدواتها والتَّداول السِّلمي للسُّلطة والتعدديَّة الحزبيَّة والإِعلام الحر وغير ذلك!.

الفارق كبيرٌ جدّاً لا يمكنُ ولا تجوزُ المُقارنة!.

ففي ظلِّ الديمقراطيَّة يمكنُ تحقيق التَّغيير والإِصلاح ولو بنسبةٍ ضئيلةٍ في كلِّ مرَّةٍ، أَمَّا في ظلِّ الديكتاتوريَّة فحتَّى الحُلم بالتَّغيير غير مسموحٍ بهِ وأَنَّ عقوبتهُ الإِعدام!.

ولذلك يلزمنا أَن نحمي العراق من خلال حمايةِ العمليَّة السياسيَّة والنِّظام الديمقراطي، وليس من خلال السياسيِّين أَو الاحزاب السياسيَّة!.

الرِّسالة الثَّانية إِلى السياسيِّين؛

١/ لا تتصوَّروا أَنَّكم قدرُ العراق أَبداً فإِنقلاب الطَّاولة على رؤُوسكم مشهدٌ قد نراهُ في أَيَّةِ لحظةٍ!.

تذكَّروا مصير الطَّاغية الذَّليل! وتذكَّروا صورتهُ! وتذكَّروا البالوعة التي إِختبأَ بها جرذ العوجة (سيف العرب) فقد تُصحِّيكم الذِّكرى من سكرة السُّلطة!.

٢/ ولا تتصوَّروا بأَنَّ الفلك قد تمَّ تثبيتهُ إِلى الأَبد بمجرَّد وصولِكم الى السُّلطة! أَبداً! فالفلكُ يدورُ دائماً كديلابِ الهواء فإِذا كُنتُم الْيَوْم في الأَعلى فسيهبط بكم إِلى الأَسفلِ ولو بعد حينٍ! وَلَو دامت لغيرِكم لما وصلت إِليكم!.

وتذكَّروا دائماً بأَنَّ التَّاريخ لا يرحم ولا يُجامل ولا يخدع!.

٣/ أَعيدوا النَّظر في سياساتِكم وسلوكيَّاتِكم ومتبنَّياتِكم وثوابتِكم ونهجِكم قَبْلَ فوات الأَوان! فـ (١٦) عاماً من السُّلطة كافية لتتعلَّموا إِذا كُنتُم تجهلونَ أُصول السُّلطة والحُكم، ولتتدرَّبوا إِذا كُنتُم تنظيريِّين فقط لا تُحسِنون إِلَّا الكلام المعسُول!.

٤/ لم يبقَ أَمامكم الشَّيء الكثير لتُعيدُوا التَّفكير بكلِّ شَيْءٍ، فالوقتُ ليس لصالحِكم، فإِذا انقلبت بكُم (العبَّارة) فسوفَ تأخذَكم الرِّيحُ ويقذفكُم الموجُ إِلى مكانٍ سحيقٍ لن تجدُوا فِيهِ مَن يذرف دمعةً واحدةً عليكم! اذ سيرميكُم الشَّعب في مزبلةِ التَّاريخ غير مأسوفٍ عليكُم أَبداً!.

أَمَّا رسالتي إِلى المخدُوعين بالشِّعارات (القَومجيَّة) التي تقول بأَنَّ التَّغيير في العراق ما كان ليتحقَّق لولا الدبَّابة الأَميركيَّة! وكأَنَّ إِنقلاب (١٧ تمُّوز ١٩٦٨) الأَسود لم يُنفَّذ على ظهرِ دبَّابةٍ أَميركيَّةٍ؟! وأُضيفُ بالقَول؛

إِنَّ كلَّ النِّظام السِّياسي العربي الحديث تشكَّل على ظهرِ دبَّابةٍ بريطانيَّةٍ كانت قد قادت عمليَّة الإِطاحة بالخلافةِ العُثمانيَّة بُعيد الحرب العالميَّة الأُولى لترسمَ حدُود الدُّوَل الحاليَّة!.

كما أَنَّ جُلَّ دساتير النُّظم السياسيَّة العربيَّة الحاليَّة تم تدوينها على ظهرِ دبَّابةٍ بريطانيَّةٍ أَو فرنسيَّةٍ!.

وأَنَّ جُلَّ النُّظم السياسيَّة الحاليَّة لم يكُن بإِستطاعتِها أَن تصمِدَ أُسبوعَين في السُّلطة لولا حماية الدبَّابة الأَميركيَّة والبريطانيَّة!.

فهذهِ نُظُم القبائِل الحاكِمة في دُول الخليج والأُردن والمغرب! وتلكَ نُظُم مصر والسُّودان وغيرِها!.

دعُوا الشِّعارات جانباً واركُنُوا اللَّافتات والكلام المعسولِ على الرفِّ وكونُوا واقعيِّين لتنظرُوا إِلى كلِّ اللَّوحة فلا تفتحُوا عيناً وتُغمضُوا أُخرى!.

[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق