فِي بِلاد التَّنوع الطّائِفي الإسْلامِي تَتَوافر لَدى أَنِظمة الاسْتِبداد مَساحةٌ واسِعة وخِيارات كَثِيرة لِتَشويه الواقِع الدِّيمغرافي لِصالح جِهة التَّوازن بَين الطَّوائف أَو لِجِهة تَغْليِب نِسبة سُكانية لِطائفة بِعينها على حِساب النِّسبة العَددية لِطائفة أُخرى. التَّوازن الدِّيمغرافي الطائفي بِنسبَة النّصف إِجراء مُمكن ومُتوافر لِصالح أَنظمة الاستِبداد...

فِي البِلاد الإسْلاميّة ذات التَّنوع الدِّيني تَخْشى أَنْظمةُ الاسْتِبداد مِن النّمو السّكانِي لِلإتْجاه المَسِيحي الوطَني ونُفوذِه. فَلوْ كانت نِسبةُ المَسِيحيين في هذه البلاد تُشكّل أَقلّ مِن نِصف عَدد السُّكان؛ فإنّ لاتِجاههِم السّياسي أنصاراً ونفوذا دُوليين مُؤثرين في السِّياسات الكبرى المُتعلّقة بِمَصير وُجودِهم، وهمْ أَقْدر على تَعويض نَقْص نِسبتهم كأقليّة. وبِذلك يَنْعدم خِيارُ نِظام الاسْتِبداد فِي العَبَث بِورقة التَغْيير الدِّيمغرافي في جِهة العَدد المسيحي ومَساحَةِ انْتِشاره. فإنْ تمادى النظام وأخذته العزة بهذا الإثم؛ فإنِّ مَصير المَسِيحيين سَيسْتَحيل إلى كارِثَة وَطنية تَفُوق قدراتِ النِّظام، وتَتَجاوز حَدّ استِيعابه. وَمثالهُ المعاصر: مَسِيحيّو السُودان، وَمَسِيحيّو تيمور الشرقية بِأنْدُونِيسيا.

 فِي بِلاد التَّنوع الطّائِفي الإسْلامِي تَتَوافر لَدى أَنِظمة الاسْتِبداد مَساحةٌ واسِعة وخِيارات كَثِيرة لِتَشويه الواقِع الدِّيمغرافي لِصالح جِهة التَّوازن بَين الطَّوائف أَو لِجِهة تَغْليِب نِسبة سُكانية لِطائفة بِعينها على حِساب النِّسبة العَددية لِطائفة أُخرى.

التَّوازن الدِّيمغرافي الطائفي بِنسبَة النّصف إِجراء مُمكن ومُتوافر لِصالح أَنظمة الاستِبداد، وكذلك تَرْجِيح النِّسبة العددية لِطائفة دُون أُخرى، ولكنّ الإِقْدام على صُنع التَّوازن السُّكاني بُين الطَّوائف مَحْفوف بِالكثير مِن المَخاطِر علىٰ مَصِير النّظام المُستبدة ولا تُرجى مِنه السّلامة!

فُلَوْ خُيّر نِظامٌ "سَنِّي" بينَ العَملِ على إِيجاد التَّوازن السُّكاني العددي الطائفي بِنِسْبة النِّصف لصالح الشِّيعة والسُّنة معا، وبَينَ التَّرجِيح العددي لِصالح الشِّيعة؛ فإنّه - بِلا شَك- سيَخْتار "التَّرجيح" لِصالح الشَّيعة على السَّنة!.. تِلك مُفارقة مُثِيرة، لأنّ السَّعي إلى مُعالجة ظاهرة الانْتِماءات الخارِجيّة لِلسّكان السُّنة مُعَقدةٌ جِدّا إذا ما تفاقمت، وتَصعب مُكافَحتُها أَمْنيّا، وذلك لِحِساسيّتها السِّياسية والإجتماعية على المُستوى القَومي والإسلامي" والإِقْليمي.

العَبثُ السِّياسي بِالميزان السكاني الطائفيّ لِصالح الشِّيعة فِي بِلاد التَّعدد الطّائفي قابِلٌ لِلمُعالجة أَمنِيّا، وَبِوسائِل شتى تكادُ تكون تَقلِيدية، وَمِنها- على سبيل المثال-تَأجِيج النَّعرة الطّائفِية إِعلاميا بِما يَكشِف عن وُجود تَهدِيد صَوري لِمَصير النِّظام َوطائِفته" السُّنية" الأَقلِّية. فإنّ فِي هذا المَشْهد المُخْتَلق ما يَكفِي مِن المُبَررات لِلإقْدام علىٰ تَعْطِيل مَصالِح الشِّيعة وَكَسْب التّأْيِيد والتَّضامُن السِّياسي الإقْلِيمي والدُّولي والعَربي والإسْلامي، فضلا عن الدَّعم المباشر الوَفِير غَير المُكلِف سِياسيّا فِي الضِدّ مِن الشِّيعة!

وفِي المُقاِبل، أَنَّ صُنْع التَّوازن الدِّيمُغرافي بَين الطَّوائف بِنِسبة النِّصف يُصبِح مُمتَنِعا سيِاسيّا ومُغامرة غَير آمنة تُهدّد سِيادة النِّظام المُستبد.

وإِن اخْتَلّ النِّظام السُكاني العددي لِصالح السُّنة علىٰ حِساب النِّسبة السُّكانية الشِّيعية؛ فالوَيْل والطامّةُ الكُبْرى يَنْتظران النِّظام المُسْتبد حيثُ بَلاء الانْتِماءات الخارجية مُعَقّد جدّاً ويتطلب كثيراً مِن الحَذَر، تَمْهيدا لِتهدئة الخَواطِر، وعَقْد مَزِيد مِن المُساومات، والمبالغة في تبويس اللحى والرَّبت علىٰ الأكتاف علىٰ المُستوى الإِقْليمي والعَربي.

صَدَق إِنْباء القائِلين بأنَّ "طوف الشِّيعة هَبِيط دائما" فِي النِّظام الدِّيمغرافي إِنْ جُعِل من الشِّيعة أَغْلبيّة سُكانية فِي بِلاد التَّعدد الطّائفي. وأَمّا تَحقِيق الأَغْلبيّة السُنية على حساب الشيعة فَحِلمُ يَقِظة وأَمَلٌ يُراوِد الأَقليّات السُّنية تحت ظل النّظام السُنِّي وإن كان مُستبدا!

إِنَّ المُعطيات السِّياسية المُتوافِرة للمسيحيين والمؤثرة في حماية مصيرهم كَدِين نشط ومستقر فِي بِلاد التَّعدد الدِّيني، كلها مُتوافرةٌ لِلسَّنة فِي بِلاد التَّعدّد الطّائِفي، وَهي أَقْرب إلى مُستوى الحَصانَة، وإِنْ مُنِعا مِن تَشْكيل الأَغْلبيّة السُكانية أَو تحقيق التّوازن بِالنِّصف.. ما الّذي يَمنَع مِن تَوافِر ذات المعطيات لَدى الشِّيعة؟!

المانعُ ليْس مُتعلقا بِواقع الإنْتِماء والوَلاء مُطلقاً.. فالشِّيعي الأَصِيل يَنْتَمي لِوطَنِه ويُوالي أَهْلَ البَيْت صَلوات الله وسلامُه عليهم، ولا يَزِيد فِي ذلك ولا يَنْقُص منه. إِنَّما المانِع مُتعلقاً بِالرّؤية الشِّيعية المُشوشة لِلإنْتِماء والخاطِئة لِلولاء مِن جِهة، وبِواقع المَرجِعيات الكُبرى الّتي يَؤُمها الشِّيعة.

المَرجِعيات الكُبرى لا تَتَعاطى السِّياسة حتى بالمفهوم الشّيعي مُنذ سادت "التَّقية" عِند الغَيبَة الكَبرى، ولا تُصنَّف ذاتها فِي قائمة الإنْتِماءات والوَلاءات، ولا تَتَدخل فِيهما إلا فِي أَحْوال نادِرة.. لكنّ ثِقْل الدّور المَرجعي الأَصِيل والمُعاصر قابِلٌ لِتَبنِّي دور حضاري متقدم من أجل تَوفِير الحَصانة لِلشِّيعة فِي كلّ مكان، مع قَلِيل مِن البذل في السَّعي الثَّقافي الجادّ علىٰ طريق إِصْلاح وتَنْمية مَفهوم الوَلاء.

مُنْذ السَّبعينات جَرى العَمل علىٰ تَوظيف شَرائِع المُنظمات الإنْسانيّة والحُقوقيّة الدُّولية مرجعيا، مِن أَجْلِ تَوفِير حَصانَة عادِلة أَوْ حِماية لِلشِّيعة مِن آلة البَطْش السِّياسي الطّائفي المُضاد فِي البِلاد التي تَحْكمها نُظم طائفيّة مُفسدة.. تِلك مُقدمات لِتعزيز دَور المَرجعيّات ولا يَنبَغي الإكْتِفاء بِها أو جعلها عَملاً مُستقلا بِذاته.. وكذلك بَيانات التَّضامُن الصادِرة عَن المَرجعيات الشِّيعية. فإِنّهما لا يفِيان لِوحدِهما بِالغَرَض.. آلة الحَصانة مُتوافرة في مقام المَرجعيات الأصيلة، ولا يَنْقُصها غَير الحاجَة إلىٰ عَقل حَصِيف، ويد متمكنة، ومَنْهج انتشار منظم وفاعل.. حاجة تَزيد في مقام المرجعية هَيْبةً دولية وتأثيرا محليا وإقليميا.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق