كثير هم من بحثوا في موضوع السلطة وابعادها وحجم تأثيرها ولكل منهم وجهة نظر غالباً ما كانت تنطلق على وفق قناعات شخصية تتعلق برؤيته للأحداث او التأثيرات الناجمة من جراء البيئة التي عاشوا فيها، كما هو حال ارسطو وافلاطون وما وضعوه من مفاهيم عدت اساسيات جرى تطويرها كما هو حال مفهوم المدينة الفاضلة، وحتى ابن خلدون في مقدمته الشهيرة التي ركز فيها على العصبية وتمجيده للبدو الرحل باعتبارهم غير مقيدين بالالتزام بأية اوامر وايضاً بعيدين عن الخضوع الذي يتميز به ابن الحضر او الريف وهذا الرؤية كانت تنطبق على عصره او محيطه ذات الطابع الصحراوي البدوي وهي بالتالي محدودة التطبيق، وصولاً الى ماكس فيبر الذي صنف السلطات الى ثلاثة انواع ( السلطة التقليدية والملهمة والقانونية ) ويمكن اعطاء ملخص على كل واحدة منها وكما يلي :

(السلطة التقليدية) Traditional Authority

في هذا النوع من السلطات تكون شرعية السلطة متأتية من قدسية التقاليد والعادات المتواترة بالمجتمع بغض النظر عن أساسها الفعلي أو الواقعي، وتلك التقاليد هي التي تقرر شرعية منْ هو في السلطة، فالسلطة الأبوية أي سلطة الأب أو الزوج أو رب الأسرة على أفراد أسرته، وسلطة رئيس العشيرة أو القبيلة على أفرادها، وسلطة الأمير أو الملك التقليدي، كما في الملكية التقليدية التي ما زالت قائمة حتى اليوم في بعض البلدان على أفراد شعبه تمثل أنواعاً مختلفة من السلطة التقليدية، فالأساس الذي تعتمد عليه هذه السلطة هو اعتقاد الأفراد السائد بوجود قواعد معينة لها قدسية أو قوة روحية معينة بحيث تعرّض المخالف لها للغضب الإلهي، أو تعرّضه لنوع من العقاب الدنيوي، وهذه القواعد هي التي تجزم بضرورة خضوع الأفراد أصحاب السلطة سواء كانوا ملوكاً، أم أمراء، أم أرباباً لأسر، أم رؤساء لعشائر أو قبائل للعقاب الإلهي أو الدنيوي.

(السلطة الملهمة او الكاريزمية) Charismatic Authority

في هذه السلطة يكون الاساس فيها وجود شخص يتمتع بصفات او مؤهلات خارقة يتمكن من خلالها استلهام الاخرين عبر تمتعه بصفات يتفرد بها او يتمكن من طرحها بصورة جيدة فهي تقوم على أساس وجود شخص يمتلك صفات استثنائية غير اعتيادية، وهذه الصفات يعتقد بها أفراد الشعب ويخضعون له على أساس هذا الاعتقاد، من هنا فالشرعية التي يتمتع بها حكم هؤلاء الأفراد تنبع من اعتقاد الناس بصفاتهم الخارقة التي قد تستمد جذورها من شيء غيبي، مثل الاعتقاد بالقوى الروحية التي يتمتع بها الحاكم أو التي قد تظهر بواسطة المعجزات أو بواسطة انتصاراته المتوالية في الحروب، أو في مختلف المجالات الأخرى التي هي في صالح أفراد الشعب، ولكن مثل هذه السلطة قد تتلاشى إذا لم يكن هناك شيء من الدلائل على صحة الصفات الخارقة أو غير الاعتيادية التي يتمتع بها الحاكم، والأمثلة التي يوردها (فيبر) على ممارسي هذه السلطة تشمل الأنبياء والسحرة والقادة المشهورين، ورؤساء بعض الأحزاب لمن يتبعهم من الأفراد.

"السلطة القانونية" Legal Authority

النوع الثالث التي تشير إلى نمط من السلطة يقوم على أساس عقلي رشيد مصدره الاعتقاد بقواعد أو معايير موضوعية وغير شخصية، يفوّض الذين يملكون مقاليد السلطة إصدار أوامرهم بهدف إتباع هذه القواعد والحفاظ عليها، وقد استخدم (فيبر) كلمة "بيروقراطية" Bureaucracy للإشارة إلى هذا النمط من السلطة.

بعد التعرف على انواع السلطات لدى فيبر والفروق ما بينها وباعتبار العراق اليوم يمر بمرحلة انتقالية لا سيما بعد اضفاء نوع من الاستقرار تتعالى بعض الاصوات الى تأجيل الانتخابات فيما يذهب البعض الاخر الى امكانية تعديل او ايجاد ثغرة دستورية تسمح بتمديد عمل الحكومة الحالية الى مدة اطول لحين استكمال متطلبات الانتخابات القادة وتحقيق مزيداً من الامن والاستقرار، وربما للمرة الاولى بعد عام 2003 ان يحصل رئيس وزراء على قبول مجتمعي ومن قبل اطراف عدة والفضل يعود لعدة عوامل رافقت مسيرة السيد العبادي طيلة مدته التنفيذية، والسؤال هنا هل العراق يحتاج الى سلطة ملهمة كما حددها فيبر او ان الامر صعب وبالتالي الاستمرار بالسلطة العقلانية القانونية التي تقوم على اسس البيروقراطية ومعاملة الرئيس او المسؤول كموظف؟

لا ضير في الجمع ما بين السطلة الملهمة وبنفس الوقت القانونية ومعنى ذلك ليس من مصلحة العراق الاعتماد فقط على كاريزمية شخص للوقوف ورائه والا تجربة صدام حسين حملت الويلات للعراق لا سيما كانت سياساته تقوم على اسس تنشئة جيل عبر توجيه افكاره نحو الالهام بشخص الرئيس والتأثر بسلوكه، وبالتالي بالرغم من الحاجة الى قيادة ملهمة لكسب تعاطف الشعب معه للوصل الى خطوات متقدمة من الديمقراطية وبنفس الوقت لا يمكن التسليم له بكل شيء بعيدا عن القواعد والاسس الديمقراطية او المجازفة بتجربة قد تعيد العراق الى الوراء نتيجة التفرد باتخاذ الإجراءات.

النتيجة بالرغم من حاجة العراق الى شخصية ملهمة لعلاج الإخفاقات وكسب ود الجمهور والقضاء على المحاصصة الا ان متطلبات السلطة العقلانية تبقى الهدف الاسمى لأنها تدوم عكس الملهمة التي تنتهي بانتهاء الشخص وبالتالي صناعة دولة المؤسسات واعتبار المسؤولين موظفين بمواقعهم يؤسس لحالة مستقبلية يضفى على طابعها العامل الديمقراطي والانتقال السلس للسلطة وبناء الدولة، وهذا ما يطمح اليه الجميع.

وخلاصة القول: مع اقتراب الموعد الانتخابي لابد من التركيز على اختيار الاشخاص القادرين على بناء دولة بعيداً عن التأثر بشخصية معينة مهما كان انتمائها، اذ يكفي تجربة الاعوام السابقة.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018

www.fcdrs.com

اضف تعليق