يتذكر جميع العراقيون أوضاع البلد بعد اجتياح تنظيم "داعش" لثلث مساحة العراق الجغرافية في منتصف العام 2014، وكيف تّسلم السيد العبادي رئاسة الوزراء بعد تمسك سلفه وكتلته ائتلاف دولة القانون بولاية ثالثة، ولولا شجاعة السيد العبادي آنذاك، وإظهار قدرته على تحمل المسؤولية وتصدية لقيادة البلد بدل السيد المالكي، لربما قد شهدنا رجوع العراق إلى المربع الأول.

وعلى الرغم من صعوبة الوضع السياسي وتدهور الوضع الاقتصادي وهشاشة الوضع الأمني للبلد، فضلاً عن التفكك والضعف "الأمني والعسكري" الذي عانته المؤسسة العسكرية أبان عهد حكومة السيد المالكي في مواجهة تنظيم "داعش"، إلا أن السيد العبادي أظهر قدرة فائقة على تحمل المسؤولية في خلق بيئة سياسية داخلية وخارجية لمعالجة أوضاع البلد بشكل عام، ليتمكن من خلالها فيما بعد، إعادة الوضع السياسي إلى الواجهة ومسك زمام المبادرة العسكرية في الحرب ضد تنظيم "داعش"، وكسب التأييد الإقليمي والدولي، لاسيما الموقف الأمريكي "الذي تأرجح في وقت سابق"، وكذلك تمكنه من دفع عجلة التقدم الاقتصادي وعدم المساس برواتب الموظفين وكسب ثقة اغلب مكونات الشعب العراقي.

إلا أن كل تلك الإيجابيات التي رسمها السيد العبادي خلال فترة توليه رئاسة الحكومة الحالية، ربما تصبح في مهب الريح، ان لم يتداركها بمعالجات واقعية وملموسة، سواء تلك المتعلقة بالخدمات أو ما يتعلق منها بالأشياء المعنوية في محاسبة الفساد واسترداد الأموال التي سرقت على مدار السنوات السابقة.

ولو استعرضنا انجازات حكومة السيد العبادي حتى هذه اللحظة، نرى بأنها نجحت في جوانب مهمة كالنصر على تنظيم "داعش" وتقوية المؤسسة العسكرية والحفاظ على وحدة البلد وافشال مخطط التقسيم الذي كانت تسعى إليه بعض الإرادات الداخلية والإقليمية والدولية، وانفتاحه السياسي على المحيط العربي ودول الجوار، إلا أنها فشلت في بعض المجالات، لاسيما في مجال القطاع الخدمي بالرغم من صعوبة الوضع الاقتصادي للبلد وانخفاض اسعار النفط العالمية.

فالحكومة الحالية فشلت في ملف الكهرباء، وتحاول أن تعوض فشلها وفشل الحكومات السابقة بتحويل هذا الملف إلى القطاع الخاص أو ما يسمى بمشروع خصخصة الكهرباء ‘‘المرفوض شعبياً‘‘، على الرغم من الموازنات الضخمة التي خصصت لمعالجة أزمة الكهرباء منذ العام 2003 وحتى يومنا هذا. كذلك فشلت الحكومة فشل ذريع في مجال البنية التحتية وإعادة بناء الطرق والجسور، فضلاً عن الفشل المتكرر في دعمها للقطاع الزراعي والصناعي والتجاري والصحي.

فالفلاح العراقي لم يستحصل مردوداته المالية لمحصولي الحنطة والشعير للأعوام (2015 و2016 و2017) ولم يُدعم بشكل كافِ سواء فيما يتعلق بحماية منتجاته الزراعية من المحاصيل المستوردة أو فيما يتعلق بدعمه بالأسمدة الكيماوية والمبيدات الزراعية وغيرها من المواد الضرورية النافعة له والهادفة إلى زيادة انتاجه الزراعي.

أما فيما يتعلق في المجال الصناعي والجانب الصحي فما زال هناك الكثير أمام حكومة السيد العبادي، لاسيما في المجال الصحي الذي يعاني من تدهور مستمر، كذلك الحال بالنسبة للواقع التربوي والتعليمي الذي يعد اللبنة الأولى في بناء المجتمعات والدول، لم تسعى حكومة السيد العبادي إلى تطويره وإعادة النظر بكثير من الأمور التربوية التي تحتاج إلى معالجة بل على العكس من ذلك، نراه اليوم يعاني من تدهور واضح ومستمر سواء فيما يتعلق بالخطط والاستراتيجيات التي وضعت لمعالجته على المدى البعيد أو ما يتعلق بالمعالجة الآنية لمسألة التردي الواضح في هذا القطاع، لاسيما في مسألة بناء المدارس والزخم الذي تعاني منه المدارس العراقية.

الحكومة العراقية برئاسة السيد العبادي خرجت منتصرة من التحديات الرئيسة التي واجهتها على مدار الثلاثة أعوام الماضية، ولم يتبقى إمامها سوى النجاح السياسي في كسب ثقة الشعب العراقي من خلال توفير الخدمات الازمة والضرورية مثل الماء والكهرباء وتطوير البنية التحتية وتنويع موارد البلد، لاسيما فيما يتعلق بالقطاعات التي أشرنا لها أعلاه. هذا بالنسبة على الصعيد الحكومي العام.

اما على الصعيد الشخصي بالنسبة للسيد العبادي، فإذا ما أراد الفوز بولاية انتخابية ثانية وكسب ثقة الناخب العراقي، فعليه أن يحدد موقفه الشخصي من حزب الدعوة بشكل عام، وموقفه من ائتلاف دولة القانون بشكل خاص؛ لأن اغلب شرائح ومكونات المجتمع العراقي ما زالت تّحمل الحكومة السابقة برئاسة السيد المالكي وائتلاف دولة القانون بشكل خاص وحزب الدعوة بشكل عام نتيجة تردي الوضع السياسي والاقتصادي والعسكري، وإن بقاء السيد العبادي متأرجحاً دون تحديد موقفه الشخصي مما ذكر أعلاه، ربما قد يطاح به سياسياً في الانتخابات القادمة بشكل أو بآخر، وقد لا ينال مبتغاه السياسي ‘‘على الرغم من وجود التأييد والمساندة الداخلية والدعم الإقليمي‘‘.

وعلى ما يبدو بأن حرب السيد العبادي التي من المؤمل أن يشنها ضد الفساد، هي محل شك ولعبة خطرة ومحفوفة بالمخاطر، وربما قد تطيح به وبتطلعاته السياسية القادمة، فالفساد ما زال قوياً ويمتلك قاعدة سياسية وقضائية يستند إليها، وهناك تبويبات سياسية وقانونية وربما حتى دستورية تشجع على الفساد في الدولة العراقية، فضلاً عن الضعف القضائي الذي عاناه القضاء العراقي بعد العام 2003.

لكن مع ذلك، فإن السيد العبادي بحاجة حقيقة إلى كشف ملفات الفساد ومحاسبة مرتكبيها، محاسبة حقيقية عن طريق القضاء دون الاستهداف السياسي والشخصي، وهو بحاجة حقيقية أيضاً إلى استراتيجية ورؤية سياسية – اقتصادية شاملة تستطيع النهوض بشكل تدريجي بالواقع الاقتصادي والخدمي المتردي منذ العام 2003، لاسيما فيما يتعلق ببناء الإنسان العراقي واستشعاره بهويته الوطنية المفقودة.

وعليه أن يستثمر "السيد العبادي" انجازاته الحالية وقبوله "الداخلي والدولي"، في معالجة حقيقة مدروسة لمعوقات بناء الدولة العراقية، لا سيما في مسألة تحييد القضاء واعطاءه الدور الرئيس في كشف ملفات الفساد السابقة والحالية ومعالجة الثغرات القانونية والسياسية المشجعة عليه، فضلاً عن معالجته لمسألة الفصائل المسلحة وحصر السلاح بيد الدولة وهيكلة قوات الحشد الشعبي ضمن المؤسسة العسكرية العراقية.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق