منذ أن تولى الرئيس الأمريكي الحالي إدارة البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، عادت الإدارة الأمريكية إلى سلاح العقوبات ضد إيران.

 

وافق مجلس النواب الأميركي بأغلبية ساحقة يوم الثلاثاء الماضي 25 تموز 2017 على تشريع قانون لفرض عقوبات جديدة على روسيا، إيران وكوريا الشمالية على الرغم من اعتراض إدارة الرئيس دونالد ترامب على التشريع. وأيد التشريع (388) صوتاً؛ وذلك بفضل تأييد قوي من الجمهوريين. ويتعين موافقة مجلس الشيوخ عليه قبل إرساله إلى البيت الأبيض ليوقعه الرئيس ترامب.

ووفقاً لهذا التشريع فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على (6) شركات تابعة لمجموعة إيرانية لها دور رئيس في برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية "كما تزعم واشنطن" بعد قيام طهران بتجربة إطلاق صاروخ قادر على حمل أقمار اصطناعية لوضعها في مدار الأرض. وتأتي هذه العقوبات كردة فعل أمريكية على ما اسمتها بـ(الاعمال الاستفزازية المتواصلة والتهديد الذي تمثله طهران للشرق الأوسط).

وقد عدت الخارجية الأمريكية إطلاق ايران للصاروخ الباليستي انتهاك للاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الكبرى، قبل أن ترد الإدارة الإيرانية بان أطلاقها للصاروخ لا ينتهك قرار الأمم المتحدة، وأن الخطاب الأمريكي علامة سوء نية تجاه الاتفاق النووي وانتهاك لبعض فقراته.

ونتيجة لهذه الاتهامات المتبادلة بين الإدارتين (الإيرانية والأمريكية) واتساع دائرة العقوبات الأمريكية على إيران في الأشهر الأخيرة، لاسيما بعد تولي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مقاليد الحكم في البيت الأبيض. قد يتسائل البعض عن مدى خطورة العقوبات الأمريكية على الاتفاق النووي؟ وهل أن ترامب انتهك الاتفاق بتوقيعه على العقوبات المتكررة على إيران؟ أم أن العقوبات الأمريكية ما زالت تدور حول الاتفاق النووي؟.

منذ أن تولى الرئيس الأمريكي الحالي إدارة البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2017، عادت الإدارة الأمريكية إلى سلاح العقوبات ضد إيران. ففي شباط من العام نفسه أعلنت واشنطن عن فرض عقوبات جديدة هي الأولى بعد تولي ترامب الإدارة الأمريكية. وشملت العقوبات الجديدة (13) فرداً و(12) كياناً إيرانياً يعتقد ارتباطهم بالبرنامج الصاروخي الإيراني، وبدعم ما تصفه واشنطن بالأنشطة الإرهابية. وتمثل العقوبات الحالية التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية الحزمة الثانية من العقوبات الأمريكية خلال السبعة أشهر الماضية، والتي اشتملت هذه المرة على (6) شركات تابعة لمجموعة إيرانية تعتقد واشنطن بأن لها صلة مباشرة ودور رئيس في برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية.

مبدئياً، وبشكل عام يمكن القول بأن كل العقوبات والقرارات الأمريكية التي اصدرتها الإدارة الأمريكية الحالية لم تنتهك الاتفاق النووي بعد، وأن الضجة التي احدثها الرئيس ترامب قبل وبعد وصوله إلى البيت الأبيض بشأن الاتفاق النووي هي خطة مرسومة سلفاً في ذهن الرئيس الأمريكي وإدارته الحالية؛ وذلك من أجل إجبار طهران على خرق الاتفاق؛ لأن الولايات المتحدة مدركة لتداعيات انتهاك الاتفاق الذي ابرمته الدول الكبرى بمصادقة مجلس الأمن بقراره الأممي رقم (2231) الذي صادق بموجبه على بنود الاتفاق النووي الموقع بين الدول (5+1).

كما أن غرض الرئيس الأمريكي من العقوبات الحالية على إيران تندرج ضمن خططه الانتخابية وخلفيته الجمهورية في إلغاء الاتفاق النووي من دون انتهاك، وهي سياسة يتبعها الرئيس الأمريكي لتضيق الخناق على الإدارة الإيرانية من أجل خرق الاتفاق. ورغم كل العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران، إلا أن الأخيرة مدركة لسياسة وخطط الرئيس الأمريكي فيما يخص الاتفاق النووي. وهذا ما أكده نائب الرئيس الإيراني (اسحاق جهانغيري) في معرض كلامه على العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران مؤخراً بأن "لدى واشنطن برنامجا منظما تسعى من خلاله للترويج بأن إيران هي التي ستنقض الاتفاق النووي، وكلها مساع باءت بالفشل حتى الوقت الحالي".

وعلى الرغم من تأكيد الخارجية الإيرانية بأن العقوبات الأمريكية الأخيرة على إيران تنتهك المواد 26، 28 و29 من نص الاتفاق النووي، واتهام واشنطن لطهران بانتهاك الاتفاق النووي، إلا أن، لا يحق لأي طرف منهما أن يحدد أو يتهم الطرف الآخر بانتهاك الاتفاق؛ لأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي الطرف المسؤول عن الاتفاق النووي وهي التي تحدد آليات خرقه من عدمها، وكذلك هي من تمتلك الحق في الحكم على التزامات طهران ببنوده، وليس واشنطن، فضلاً عن ذلك، فإن تجربة إيران الصاروخية لم تتضمنها بنود الاتفاق النووي. فاتفاق الدول الكبرى مع إيران انحصر بتجربة إيران النووية وتخصيب اليورانيوم بعيداً عن تجربتها الصاروخية ودورها الإقليمي.

وبهذا يمكن القول بأن الطرفان (واشنطن وطهران) لم ينتهكا الاتفاق النووي بعد، وهو ما زال بعيداً عن العقوبات الأمريكية والصراعات الثنائية بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؛ لأن الرئيس الأمريكي عارف بالتكلفة السياسية والدبلوماسية التي ستلحق بسمعة بلاده في حال اقدم على خرق أو نسف الاتفاق. فضلاً عن ذلك فإن خيار إنهاء الصفقة النووية الإيرانية سيكون مكلفًا جدًّا للولايات المتحدة، فهي ستنفر حلفاءها الرئيسيين في أوروبا وفي أماكن أخرى، وتثنيهم عن المشاركة مستقبلا في أي مساعٍ دبلوماسية أمريكية. ولهذا سيعمد الرئيس الأمريكي إلى شيطنة إيران في المجتمع الدولي لوضعها في دائرة الاتهام المستمر بخرق الاتفاق مع فرض عقوبات أمريكية مشددة من أجل اجبارها على خرق أو نسف الاتفاق، على الرغم من أن خرق الاتفاق سيكون أمر مستبعد من قبل الطرفان، لاسيما في ظل العقلية السياسية الحالية التي تدار بها الإدارتين الأمريكية والإيرانية. ولربما يلجأ الطرفان إلى سياسة الاتهام المتبادل في نقض الاتفاق وذلك بسبب الخشية من التداعيات الأممية والدولية التي تترتب على نقض الاتفاق النووي.

وإذا ما اختار القيام بذلك، فإن انعكاسات السياسة الخارجية الأمريكية ستكون غير سارة، حيث إن تمزيق الصفقة الإيرانية قد يبدو شيئًا جيدًا بالنسبة للقاعدة الجمهورية، لكن على الصعيد الدبلوماسي فهي خلل في الواجهة الأمريكية.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق