تتلهف الشعوب ومنذ القدم لأن تكون لها أيام تعتز بها فتجعلها مثابات تاريخية تؤكد الأصالة والنهوض والتحدي والقدرة والقوة والمنعة والعنفوان والانجاز لهذا الشعب أو ذاك، فما من شعب اليوم إلا وله يوم أو أكثر من (أيام الله) التي يعتز ويحتفي بها، يوم النصر، يوم الاستقلال، يوم الثورة... الخ.

ولا تبدو لباحث الاجتماع السياسي أن الاحتفال بهذه الأيام وتلميعها وزخرفتها وتأكيد الحضور والمشاركة فيها ترفاً سياسياً أو إجتماعاً كمالياً بل إنه حاجة وضرورة، وهي حاجة منتجة وأساسية لكل شعب. وكلما تعرض شعب أو أمة إلى نكسات أو هزائم أو كوارث طبيعية أو غير طبيعية كلما كانت حاجته لتلك الأيام أكبر ليستعيد بها العزيمة والأمل من جديد ويغذي فيها روح التوحد والجماعة.

لقد كان العراق بحاجة الى نصر بحجم نصر الموصل أو أكبر بعد ما تعرض له من قبل داعش وأعوانها. تحرير الموصل نصر يستحق الثمن الذي دفع من أجله ويستحق الفرح والزهو والكبرياء، لكن ثمنه الغالي يستدعي من صاحب القرار وممن صنعوا هذا النصر أمور:

1- إن هذا النصر يصلح أن يكون مرتكزاً صلباً للانطلاق ورسم علاقة جديدة مع دول الاقليم والعالم يستعيد العراق فيه جزءً مهماً من زمام المبادرة والفاعلية والاحترام ويصلح أيضاً لترتيب الوضع الداخلي ورسم معالم عملية سياسية ذات آفاق مفتوحة بدل الانسداد الحاصل قبل النصر.

2- الحذر من الوقوع في حالة الغرور أو التقاعس أو الفتور أو الغفلة والانتباه الى أن الحرب لم تنتهِ بعد.

3- التفكير الجدي بإدامة زخم الانتصار عبر ايجاد طريقة ناجعة وناجحة وممكنة في إدارة المناطق المحررة بالتشاور مع جميع الفرقاء.

4- الاستفادة من دروس الماضي لتجنب تكرار نفس الكارثة وذلك بمراجعة شفافة وصريحة وشجاعة داخل قيادات الكتل السياسية قاطبة والإنتقال الى خندق الوطن بدل التخندق الضيق.

بقي أن نقول أن تحرير الموصل لا يعني نهاية داعش ولكنه ضربة قوية ومؤلمة جداً للتنظيم وان قرار تجفيف منابع داعش المالية والعسكرية لم يتخذ بعد من قبل الدوائر المعنية.

لأن ذلك مرتبط بقرار رسم خريطة الشرق الأوسط الجديد وتقسيم دوائر النفوذ بين القوى المتصارعة فالفوضى الخلاقة لم تؤت ثمارها كما رسم لها. ودخول الدب الروسي على الخط أفسد جزءً من اللعبة وعلينا الانتظار والمقاومة لحين التفاهم بين المتصارعين.

الاصلاح في العراق جزء مهم من مقاومة مشاريع الفوضى لأنه يعزز ثقة الشعب بالحكومة وبالتالي استقرار النظام السياسي وقوته ومنعته أمام التدخلات الاجنبية اتوقع ان تكون لحكومة السيد العبادي مستقبلاً مواجهة مع المفسدين ولكن سيحاول البعض افساد هذه الجهود بحجة انها دعاية انتخابية وانه -أي السيد العبادي- فوت الفرصة السابقة، هكذا سيقول خصومه.

انطلاقة المؤتمرات بعد التحرير هو تسابق لملء الفراغ الذي خلفه سقوط داعش في الموصل ومحاولة لاستثمار التحرير بإثبات الوجود والتلميح الى أن المشكل لايزال قائماً وان سقوط داعش لا يعني مصادرة مطالب جبهة القوى السنية في العراق، وعلى الحكومة قراءة الرسالة بعناية والبحث فيما هو عملي وقبول لحل الخلافات القائمة وفضح أصحاب المشاريع مدفوعة الثمن.

* حميد مسلم الطرفي، مدير فرع الهلال الاحمر في محافظة كربلاء، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق