اصبحت السياسة الخارجية لأية دولة من الدولة الركيزة الاساس التي تستند عليها الدول في تثبيت وتوطيد علاقاتها مع الدول الخارجية (والعالم كالقرية الصغيرة كما يعبرون)، لذلك اغلب الدول التي تشهد استقراراً داخلياً هي في اغلب الاحيان تمتلك رصيداً كبيراً في علاقاتها الايجابية مع جيرانها ومن ثم بقية الدول سواء اقليمية او دولية.

وذلك من الصعوبة ان تتمكن دولة من الاستمرار طويلاً في خانة العزلة وتحديد علاقاتها لكون الاوضاع اختلفت عن الماضي، فاليوم الدولة الناجحة هي تلك التي تتمكن من أن تؤمن أكبر قدر ممكن من قوتها مما يسمح لها بتحقيق الرفاه لشعوبها وهذا لا يتحقق الى بفتح علاقات وطيدة سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية، شريطة ان تحافظ على نسيجها المجتمعي وثقافة وهوية شعوبها.

ففي الجانب الاقتصادي تحتاج الدول لموارد متنوعة وفي نفس الوقت تحتاج لأسواق لتصريف منتوجها، وهذا عامل المصلحة الاقتصادي وهو بحد ذاته يكفي لان تبحث الدولة عن افضل العلاقات لتحقيق مردود اقتصادي لها، كما وان الجانب السياسي لا يقل اهمية وهو بالتالي يبعد شبح المؤامرات ويحافظ على اكبر قدر من الاستقرار الداخلي ويعزز مكانة الدولة خارجياً ويضمن لها مواقع ريادية واحترام متبادل ومساعدات بمختلف المجالات.

في عراق ما بعد 2003 وفي خضم المتغيرات الجديدة شهد انفتاحاً كبيراً على معظم الدول إلا ان ذلك لا يعني وجود رد مناسب من تلك الدول فبعضها لم تعترف اصلاً بالعملية السياسية الجديدة، لا سيما بعض دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية حتى وقت قريب افتتحت قنصلية لها، كما وان كثيراً من المؤامرات وأعمال تخريب وإرسال ارهابيين كانت قد خطط لها خارج العراق وبعلم بعض الدول ايضا في تركيا والأردن وغيرها من الدول التي رعت مؤتمرات حضرها شخوص هم مطلوبون للقضاء العراقي او ان نتائجها كانت تدعو جهاراً لإسقاط العملية السياسية.

واغلب تلك الرؤى من الدول المعادية كانت تصوغ اتهامات باضطهاد السنة وعدم ضمان حقوقهم وفرض التشيع والتبعية لإيران، ايضاً هناك مسؤولون كبار ومحسوبون على الحكومة كانوا يصرحون بالكراهية والعداء لتلك الدول عبر تصريحات غير مسؤولة وفق ما يعرف بسياسة المحاور والوقوف مع طرف ضد آخر على حساب مصلحة ودماء ابناء الشعب العراقي، والجميع يعلم ان جزءاً كبيراً من اسباب سيطرة تنظيم داعش كانت تقف ورائها عوامل خارجية فهناك دول احتضنته ودربته ومولته لأهداف سياسية وطائفية لتحقيق مصالحها.

ما نود قوله هنا ماذا جنى العراق من عدائه للدول ومن وقوفه مع محور بالضد من الاخر ومن دعم اشخاص رسميين لجماعات وحركات مسلحة في دول اخرى، وإلا بطبيعة الحال تلك الدول تأخذ التهديدات على محمل الجد وتدافع عن امنها القومي والوطني وبالتالي تبادل السياسة العراقية بالمثل وتثير المشاكل الداخلية وتدعم حركات متطرفة في العراق، وفي كلتا الحالتين هذه التصرفات غير شرعية وغير مسؤولة، فالعالم اليوم يترقب نهاية التنظيم الارهابي بالعراق وما يرافقه من مشاكل ومخاوف مستقبلية وسبل اعادة اعمار تك المناطق.

السيد رئيس الوزراء وبعيداً عن التقييم والمدح إلا ان سياسته باتجاه تصفير المشاكل الخارجية والداخلية هي ابرز ما يميز عمله حتى وان كانت هناك اخفاقات اخرى إلا اننا بصدد تسليط الضوء على سياسة الاحتواء التي ابتدئها مع الداخل فلم يصنع لنفسه اعداء افتراضيين كما كان مسبقاً ولم نشهد تبادل لتهم طائفية فضلاً عن الادارة الناجحة لمعارك تحرير الاراضي العراقية.

وفي مجال السياسة الخارجية فالانفتاح على الكل وعدم معاداة اية دولة والوقوف في الحياد وعدم التدخل بالأمور الداخلية وما زيارته مؤخراً للسعودية وإيران والكويت إلا تجسيداً للانفتاح الخارجي وعدم الانزواء في سياسة المحاور، فهو هدف سياسي لتصفير المشاكل وتوطيد العلاقة مع تلك الدول وبنفس الوقت للحصول على دعم ومكاسب اقتصادية لكون القادم أصعب في ظل الدمار الذي شهدته المدن المحررة حديثاً.

واهم ما في تلك الزيارات ان العراق الان انطلق من موقع القوة وفقاً لإنجازاته العسكرية والأمنية ايضاً حياده الاخير وعدم انحيازه لجهة دون اخرى في الازمة القطرية الخليجية وغيرها من المواقف التي تساهم في بناء علاقات متوازنة مع دول العالم، وهي خطوة صحيحة تحتاج الى دعم داخلي والمضي قدماً نحو الحصول على دعم بمختلف المجالات لإعادة اعمار المناطق المحررة وصياغة موقف دولي مساند لتوجه العراق في حربه ضد الارهاب.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق