مع إعلان الساعة السابع والنصف صباحا اتجهنا مع الأحبة لصلاة العيد، في جامع صغير منعزل عن البيوت، البساطة تبدو على بنائه، فقد أنشأه رجل مسن بسيط، لم يكن من الأغنياء، فقط بما يملك من المال القليل، وتركه ذكرا وعملا صالحا له ولعائلته، يبدو أن الجدران قد تم طلائها حديثا، تجمع الرجال والأطفال صباحا لأداء صلاة العيد، الوجوه فرحة مستبشرة الخير والبركة، اغلب الحضور تزين وتعطر ولبس الجديد، خطب امام الجامع خطبة بسيطة عن العيد والمجتمع وأهمية الأخلاق والتواصل العائلي، وندد بالأحقاد والخيانة والانحراف السلوكي.

كان الى جانبي عجوز يقارب الثمانون عاما، يبدو عليه التعب، وملابسه توحي بثقل السنين عليه، سألته عن صحته وظروفه، فقال: (الحمد لله نحن بخير، وأرجوك أن تدعو لابني بالشفاء فهو مريض منذ أشهر، قد وقع من "سكلة" في العمل، وهو لا يقدر على الحركة)، فسألته الم يتم صرف أجور علاج له؟ أطلق حسرة كبيرة، وقال: (ان ابني مجرد عامل بناء، والدولة فقط تصرف أجور علاج للأغنياء، من برلمانيين والوزراء والساسة، أما نحن فلا شيء في ميزان حكام الخضراء، يا بني أن دولتنا ظالمة).

وعدته أن أدعو له، وأخذت رقم هاتفه، وأخبرته أني سأحاول أن أجد أحدا من أهل الخير الميسورين مما قد يساعد في العلاج.

كان في باب الجامع حشد من النساء والرجال والأطفال، ممن يسألون الناس المساعدة، أطلقت ألاف اللعنات في تلك اللحظة على حلف الأحزاب، الذي ضيع أموال البلد على ملذاتهم وتوافه الأمور، حتى أصبح مئات ألاف من أبناء الوطن مشردين فقراء، يستعطون الناس في الشارع، أتعجب من الطبقة الحاكمة وهي تكثر الحج والعمرة، وتركز على سمة تدينها، الا أنها لا تخاف الله، فتعصيه ألاف المرات يوميا، الا تستحي من سخافة نفاقها المكشوف لكل العالم، فلا يحترمهم الا المتملقون والعبيد.

بعدها مررنا على بعض البيوت لتبادل التهاني بالعيد المبارك، ووجدنا أبو زين الدين مهموما، مشغول الفكر، وبيته من دون كهرباء وكان يوما شديد الحر، فسألناه عن سبب غياب الكهرباء، فقال: (ليلة العيد تعطلت محولة الكهرباء التي تزود كل بيوت "الدربونة"، وكما تعرف لن يصلحها أحد الا بعد العيد، لان وزارة الكهرباء في عطلة، ولا يقوموا بعملهم في هكذا أيام الا مقابل رشوة كبيرة، وكما تعرف اغلب الجيران من البسطاء، وهكذا علينا أن نعيش أيام العيد من دون كهرباء).

حاولت مواساته، وأخبرته سأتصل بمن نعرف من مؤسسة الكهرباء، عسى أن تصحو ضمائرهم ويقوموا بواجبهم.

عدت للبيت مسرعا فدرجة الحرارة ارتفعت كثيرا، وجدت الأطفال في الشارع وهم يلعبون بألعاب العيد الخطيرة، مسدسات ذات إطلاقات "كرات بلاستيكية صغيرة"، والعاب نارية ذات الصوت أو نارية، وطفل يبكي حيث ضربه أحدهم في انفه، بإطلاقة مسدس بلاستيكية، جرح انفه ونزف الدم، أخذته لأهله وطلبتهم أن يعتنون به، ولا يتركوه في الشارع، فأيام العيد خطيرة على الأطفال، بسبب الألعاب الخطيرة التي لا تمنعها الحكومة بل تسهل استيرادها مع ما تفعله سنويا من حوادث، والتي تنتشر في الأسواق مع العيد.

وكل عام وانتم بعيدين عن كل شر

* كاتب واعلامي عراقي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق


التعليقات

خادمة الحسين
ايران
شكرا لكم موضوع جميل وللاسف واقع مجتمعنا
ولكن مالحل؟2017-06-28