سمع القادة الكرد مايكفي من الاعتراضات والتحذيرات الدولية على اجراء الاستفتاء على استقلال الاقليم المزمع اجراؤه في الخامس والعشرين من ايلول القادم، من المعلوم ان اجراء الاستفتاء لايعني حصول الاستقلال في اليوم الثاني، بل هو بداية طريق طويل نحو تحقيق الحلم القومي الكوردي، لكن مقدار الاعتراضات الخارجية من واشنطن وبرلين وانقرة وطهران وحتى موسكو والاتحاد الاوربي، كانت كافية لتذكر الزعماء الكرد المتحمسين لحرق مراحل الوصول الى اليوم المنشود بأن مراهنتهم على الدعم الخارجي لم تكن في محلها، وان حسابات البيدر لم تتطابق مع حسابات الحقل، فقد انجز الكرد داخليا الخطوات الاكبر على صعيد تعزيز البنى والمشاعر والمواقف باتجاه الاستقلال وبات الاقليم دولة داخل دولة لاترتبط بالمركز الا بما تفرضه الضرورة الجغرافية وحسب، فالعلاقة متشنجة على الدوام والاقليم يعامل نفسه كجار لبغداد، تارة يغضبها وتارة يتودد اليها، فيما يسعى النواب الكرد لتمثيل مصالح الاقليم في البرلمان ضمن معركة طويلة ومستمرة تستهدف التأكيد يوميا ان بقاء الكرد (الطوعي) ضمن الاتحاد العراقي هي مسألة وقت لا أكثر، وتمليها ضرورات قانونية ومصالحية.

بغداد التي لاتريد للموضوع الكردي ان يشغلها عن اولوياتها العسكرية والاقتصادية وتتصرف كإطفائي حريق وتمارس سياسة الاخ الاكبر الحليم، تعلم جيدا ان الاشقاء الكرد يمارسون سياسة ممنهجة تقود الى الانعزال عن المركز وقطع الاتصال والبحث عن مناكفات يومية، تارة باسم الميزانية، واخرى عن دور الحشد، وثالثة عن ترتيبات مرحلة مابعد داعش امنيا وسياسيا، ورابعة عن حدود المناطق التي رسمت (بالدم) في نينوى وكركوك وجلولاء وطوزخورماتو وغيرها، ولازال الساسة الكورد يذكرون بغداد (والاصدقاء ) فيها ان الكورد سيكونون جارا طيبا ودودا وافضل من شقيق غاضب و(زعلان) لانه لم ينل حريته بالكامل، ويرفض ان يمارس عليه احد دور الابوة او الوصاية، بعدما بلغ مرحلة النضج السياسي والاقتصادي والنفسي وغدا مؤهلا ليكون مستقلا كامل الاستقلال.

الكورد او اكثرهم كانوا مدركين ان مستلزمات بناء الدولة المستقلة اوشكت على الانتهاء، كان اخرها اتفاقات النفط التي وقعها نيجيرفان بارزاني مع شركة روسنفت الروسية في سان بطرسبورغ، وان العامل الداخلي لن يكون صعبا بمقدار صعوبة العامل الخارجي، ولهذا جاء مشروع الاستفتاء لاختبار ردود الافعال ولاستثمار فرص مابعد القضاء على داعش عسكريا، ولاختبار تقاطعات الاستراتيجيات الدولية والاقليمية الرامية الى اعادة بناء النظم السياسية في المنطقة وترسيم حدود الدول الهشة، ورغم ان الكورد لم يسمعوا حماسا في واشنطن لمشروع الدولة والاستفتاء اثناء زيارة مستشار مجلس الامن الوطني الكوردستاني، لكنهم لم يتوقعوا ردودا (حازمة) حتى من صديق كريم مع الكرد كألمانيا فضلا عن موقف لايقبل التأويل من انقرة رغم اشارة واشنطن الخفيفة الى حق الكورد في مسالة تقرير المصير.

هل كان بعض الساسة الكورد محقين في تحذيرهم من الاستعجال في خطوات الاستقلال معتبرين اياها جهودا من الحزب الديمقراطي لتكريس زعامته للإقليم والانفراد بتقرير سياسته دونما مشاركة مع الاخرين الا استرضاءا وخضوعا للأمر الواقع؟

المؤكد ان هناك مخاوف من ضياع الفرص على الحلم الكوردي، بين من يراها ذهبية الان وبين من لايراها كذلك، وهناك حسابات المصالح الحزبية والتنافس الداخلي ولهذا اريد للاستفتاء ان يكون بالون اختبار وبداية تعبئة لحراك جديد يقفز على استحقاقات قانونية داخلية كانتخاب رئيس للإقليم وبرلمان جديد، ولان ديمقراطية الاقليم عانت شللا منذ عامين وقوضت المؤسسات الدستورية، فان خطوة الاستفتاء يراد لها ان تكون دلو ماء بارد على حرائق تعتمل في الاقليم يخشى من استعار لهيبها.

ويبقى حلم الدولة متعرج الخطى يقترب حينا ويتباعد اخرى، لكن على ساسة بغداد ان يخططوا دائما للتعامل مع كوردستان كأزمة مستدامة، ومصدر تأثير معقد على السياستين الداخلية والخارجية للعراق.

* ابراهيم العبادي، كاتب عراقي، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق