مع بزوغ فجر الثورة الصناعية وإزاحة حكم الكنيسة في الغرب، وتشكل النظم الجديدة لبلدان أوربا، بالتزامن مع تشكل كيان أمريكا كدولة كبيرة، برز تقسيم غريب للعالم، وعلى أساس هذا التقسيم تشكلت التصرفات والأحداث اللاحقة، ألا وهو تقسيم العالم الى شرق وغرب، شرق جاهل ومتخلف وبربري وفقير، وغرب متحضر وذكي وغني، هذه الرؤية كانت الأساس لجملة من السلوكيات اللاحقة، والتي أنتجت شرخا كبيرا بين دول الشرق والغرب.

نتج عن هذه الرؤية الشريرة، استباحة الغرب لدول الشرق، حيث كانت نظرية التقسيم هي الذريعة لكل الفجائع التي حصلت، فكان ما بعدها من عداء ونظرة فوقية وشن الحروب، وتم نهب الثروات وقتل الملايين من شعوب الشرق، كنتاج لهذا التقسيم، لفعل اي شيء خارج حدود الإنسانية باعتبار أن الشرق رتبة اقل، فالتعامل الإنساني على أساس الاحترام يكون فقط بين الغربيين، لكن مع الشرق تزال كل القوانين الإنسانية، ويتم التعامل على أساس انه عدو لا قيمة له.

● الهدف ضرب الإسلام

الملاحظ أن نظرية تقسيم العالم تحوي بداخلها هدف خطير، فبعد أن تم تقسيم العالم الى شرق وغرب، الشرق مثال للتخلف والبربرية والغباء، وبما أن الشرق اغلب مجتمعاته إسلامية، عندها تم إلصاق كل ما اتهم به الشرق، فجعلوا أمام شعوبهم الإسلام رمز للتخلف والإرهاب والجهل والغموض، هذا الهدف نجح فيه مؤسسو هذه النظرية، فأصبح المتلقي الغربي يحمل عداء للإسلام كأصل لا يمكن محوه، فأنتج الجهد الغربي نظرة عداء شديدة للإسلام يحملها فئة واسعة من النخب الغربية والساسة والمفكرين الغربيين.

ومع الانتباه الى أن الشرق مسلم والغرب مسيحي، فتم جعله صراع مسيحي إسلامي، كي لا يكون فرصة للالتقاء، خصوصا أن الدين الإسلامي هو أقرب الأديان للمسيحية.

وهكذا تم خلق حاجز بين الشعوب المسيحية والدين الإسلامي، وهذا الأمر جعل السياسة تنجر للصراع الديني، فما حصل من نهب لثروات الشرق كان تحت بند الانتصار للمسيحية، وتعطيل اي دور ممكن للدين الإسلامي.

● نتائج تقسيم العالم

بعد أن دخلت بلدان الشرق عصر الانحطاط مجبرة، نتيجة الاحتلال العثماني لقرون لبلدانهم، هذا الاحتلال المتخلف الذي جعلهم بحق قرون مظلمة للبلدان العربية، ولم تنتج سياساته الغبية الا انتشار الجهل والتخلف والإمراض، وبعد النهضة الغربية الحاصلة وتأسيس جيوش قوية، كان الأمر واضح وهو استغلال الشرق المتخلف ونهب ثرواته، خصوصا أن الدولة العثمانية كانت تئن من الضربات الغربية، وتم تقسيم بلدان الشرق بين الحكومات الغربية، حيث انتهجوا أساليب متنوعة لنهب الشرق، وهي تقسم الى ثلاث إشكال للاستغلال، وهي:

أولا: فترة الاستعمار

انتهجت الدول الغربية مبدأ الاستعمار وارتكز على مبدأ تقسيم العالم، وهذا المنهج يعتمد على العسكر والغزو بالقوة لدول الشرق واستعمارها، فتم تقسيم دول الشرق المنهكة بين دول الغرب، فكانت فترة كالحة السواد على شعوب الشرق، وهي فترة قتل فيها الملايين ونهبت ثروات البلدان، وتم التعامل مع أهل الشرق معاملة الحيوانات بل اشد، مازلت أتذكر تلك الصورة لجنود ايطاليين وهم فرحين بجنب تل من الرؤوس الليبية لرجال تم ذبحهم، كذكرى جميلة لهم مع أن ايطاليا من شعوب الإنسانية المتحضرة، التي تؤمن بحقوق الحيوان لكن تقتل الآلاف بدم بارد، فقط لأنهم من الشرق ولا قيمة لهم، وتم قمع اي حراك شعبي بمنتهى القسوة لأنهم لا يقيمون اي اعتبار للإنسان الشرقي المسلم.

ثانيا: فترة تأسيس الدكتاتورية

في مطلع الخمسينات تقريبا، بدأت الجيوش الغربية بالانسحاب من الشرق، تاركة خلفها ركام أوطان وحكومات عسكرية أو مدنية، لكن عميلة لها وتنفذ أجندتها، هذا الشرط لدوام مصالح الغرب في الشرق، هذه الحكومات صنعت دكتاتوريات عاثت فسادا في الشرق، وامتازت فترة الخمسينات الى الثمانينات بأنها فترة الانقلابات، وصراعات دموية لم تجلب الا الخراب لأوطان الشرق، واستمر الانحطاط بكل صوره في الشرق، مع استمرار مكاسب العالم الغربي، ومن دون الحاجة لإرسال جيوش عسكرية.

ثالثا: فترة ربيع الحروب الأهلية

مع بزوغ الألفية الثالثة، كان مصلحة الغرب تتجه لإحداث تغييرات في أنظمة الحكم الدكتاتورية في الشرق، فكان عليها أولا أن تؤسس الذرائع، قبل الشروع بالتدخل، وهذا الفن هي تتقنه باحترافية تامة، فكانت مسرحية برجي التجارة العالميين مسوغ للتدخل في أفغانستان، وبعدها الإطاحة بصدام تحت بند التعاون مع القاعدة وأسلحة الدمار الشامل، ثم انبثاق الربيع العربي الذي نتج عنه فوضى وحروب أهلية دامية في جغرافيا واسعة، كانت المحرك الرئيسي لمصانع السلاح الغربية، فتجارة السلاح احد الدوافع المهمة لإحراق المنطقة، وها هي ست سنوات والفتنة مشتعلة، والحروب لم تنته بعد، العالم الغربي يستميت في عملية عصر البرتقالة لاستنفاد كل مائها، وهذا الأمر كرس التخلف والإمراض والجهل والخراب لأوطان الشرق.

وكان نتائج تقسيم العالم الى شرق وغرب من قبل المؤسسات الغربية الحاكمة هو الدمار الكبير لأوطان الشرق مع الغناء الفاحش لأوطان الغرب، أي تحول العالم لغابة كبيرة القوي يفترس الضعيف وتم تغييب العدل تماما.

● تشويه صورة الإسلام بالمسلمين

كان من المهم عند الساسة الغربيين تكريس عداء الإسلام بين شعوبهم، بعد إحساسهم بالخطر، خصوصا أن التكنولوجيا جعلت من العالم قرية صغيرة، اي هناك أمكانية للحوار وتبادل المعلومات، مما يعني أمكانية إزالة اللبس والغموض عن الكثير من القضايا الشائكة، لذا كان من المهم ترسيخ العداء عبر خطة غربية محكمة.

وتم هذا الأمر عبر محورين مهمين، وهما:

المحور الأول: دعم الوهابية وأفراخها

الوهابية صنيعة الغرب والدعم لها غير محدود، وهي من أنتج القاعدة وداعش لاحقا، هذه الكيانات المتخلفة والبربرية والجاهلة، والمتلبسة لباس الإسلام، وهو منها بريء، لكن الشعوب الغربية لا تعرف أصل الحكاية، بل هي تحت عملية تلقين مستمرة وعبر أجيال، كي تكون القناعة تامة أن الوهابية هي الإسلام، وبالتالي مقت الإسلام، وهو الهدف الذي يريده ساسة الغرب من شعوبهم.

مما جعل الكره للإسلام من قبل الشعوب الغربية يكبر ويصبح كالجدار العالي، وحتى تفجير البرجين كان بتخطيط أمريكي وتنفيذ وهابي، فتم إلصاق التهمة بالإسلام لاحقا، وما يجري الان من إرهاب داعشي، فكله يتم لصقه بالإسلام لتعميق البعد عن الإسلام والمسلمين.

المحور الثاني: الدور الخبيث للاعلام الغربي

عمد الغرب للاستفادة القصوى من الأعلام، عبر تسخير السينما لتثبيت قناعات للشعوب الغربية، على أن الإنسان العربي أو المسلم متخلف وبربري وسكير وغبي وشهواني، وكذلك اتجهت الصحف والروايات تكرس هذه الصورة القبيحة للعرب والمسلمين، كي تلقن المتلقي بما تريد أن يعتقد به، بل تعمقت في عملية تكريس العداء والفوقية عبر تسخير المناهج المدرسية المختصة بالتاريخ، لتثبيت صورة العربي المسلم الغبي البربري الشهواني، وكرست مسلسلاتهم الهزلية للسخرية والاستهزاء من العرب والمسلمون، مما جعل قضية الانقسام شرق وغرب حقيقية لا لبس فيها.

وللموضوع بقية.

* كاتب وإعلامي عراقي

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق