في بعض الاحيان يفرض عليك الواقع حقائق لا يمكن غض البصر عنها حتى وان كانت جميعها تشاؤمية، وهنا يكمن الدور والذي لامناص عنه في سرد تلك الحقائق مع البحث عن نافذة مهما كان حجمها لعلها تحوي بادرة امل.

والحال ينطبق هنا على طيلة الاعوام السابقة التي اعقبت سقوط نظام صدام حسين عام 2003 وصولاً ليومنا هذا بالرغم من وجود العديد من الايجابيات لكنها لم توظف بالطريق الصحيح وبالتالي تراجعت الايجابيات امام السلبيات حتى طغت عليها فكانت السمة المميزة لها سيادة حالة الفوضى وانعدام الاستقرار وأثارت والأزمات والقضايا على مختلف الاصعدة "سياسية اقتصادية امنية ثقافية مجتمعية" فلا يكاد تنتهي ازمة حتى تثار غيرها، وليس هذه فقط بل الادهى من ذلك تشعب تلك المشاكل وتجذرها وتأثيرها على المستويين السياسي والمجتمعي والأمثلة على ذلك متعددة ومشخصة للعيان.

الامر المحير من كل ذلك انه مع تعدد تلك المشاكل تتعدد معها المبادرات يصاحبهما غياب الحلول، وهذه المعادلة يشوبها الغموض وغير مفهومة فالمفترض وعلى وفق السياق المعتاد عندما توجد مبادرة هي لتحقيق الهدف الذي انشأت لأجله لا ان تكون بحد ذاتها مشكلة والتساؤل الذي يطرح هنا اين يكمن الخلل، هل في المشاكل نفسها بحيث لا توجد حلول لها؟ ام الخلل بمن يطرح تلك المبادرات؟ ام غياب الارادة الحقيقة لحلها؟

للإجابة على ذلك لا بد لنا من المرور على أهم المشاكل التي رافقت العملية السياسية من بدايتها وحتى اللحظة كي تتضح الامور ومن امثلة ذلك التالي: -

1- المحاصصة: ليس عيباً ان يكون هناك تمثيل للمكونات العراقية في الحكومة او البرلمان او بقية مفاصل الدولة، لكن العيب ان تبنى الدولة بأكملها على وفق محاصصة طائفية بعيداً عن المهنية وان يكون الانتماء المذهبي والطائفي والقومي معياراً لتوزيع المناصب، وهذه المشكلة الاهم بعد عام 2003 وربما اصبحت عرفاً يحتذى به ويسير على وفقه الساسة في اقتسام المناصب وتوزيع الادوار وبالتالي تعتبر التحدي الاهم والذي لا يزال ساري المفعول.

2- الخلافات السياسية: يكاد لا يمر قانون معين او رؤية او مبادرة إلا وتشهد حالة من الفوضى والتنكيل وتبادل التهم ما بين اقطاب العملية السياسية وهي دليل على عمق الخلاف السياسي والشعور بانعدام الثقة ما بين الاطراف الحاكمة.

3- المشكلة الامنية: والتي تعد التحدي الاكبر الذي رافق العملية السياسية الجديدة وبمختلف الاساليب والمراحل (جماعات متطرفة وإرهاب وعصابات وتفجيرات وغيرها).

4- التدخل الخارجي: لا نعيب كثيراً على الدول التي تتدخل بالشؤون الداخلية للعراق بقدر ما نحمل مسؤولية ذلك التدخل لصانع القرار السياسي وبقية أطراف العملية السياسية، فلولا وجود فرص وثغرات لذلك التدخل لما تدخلت وبالتالي هناك اطراف تعمل على الاستقواء بالخارج لتسوية اوضاعها في حين تلك الدول هي اولا وأخيرا تبحث عن مصالحها.

للعودة لأصل الموضوع وتحديدا تعدد المبادرات وغياب الحل البعض يعزو السبب للتنافس السياسي فأغلب المبادرات التي تطرح من لدن شخوص او مؤسسات ليست بالضرورة تحاكي الواقع او المشكلة من كافة جوانبها وإنما بعضاً منها تنبع من مصلحة حزبية او شخصية او تصب في مصلحة من يطرحها، الامر الاخر هناك بعض الملاحظات على عمل او فاعلية او جدية من يطرح تلك المبادرات وبالتالي فأن المبادرة تولد ميتة نتيجة غياب الرؤية الواضحة وغياب الجدية في تطبيقها فضلاً عن غياب الرؤية الوطنية لدى بعض المبادرات وتركيزها على جانب بذاته او فئة معينة، المشكلة الاكبر من ذلك صراع المبادرات الناجم عن التعدد في طرحها ومحاولة افشالها او ضربها من الطرف المنافس سياسياً.

حقيقة الامر ان اغلب المشاكل والخلافات تقع مابين اطراف العملية السياسية وبالتالي ما هي الجدوى من طرح مبادرات هدفها تحقيق صلح او هدف مابين عامية المواطنين والتحدث بالنيابة عنهم، ففي الوقت الذي تبرز الحاجة لحل الخلافات السياسية وبطبيعة الحال ستظهر نتائجها على المجتمع ذاتياً، الامر الاخر ما هي الفائدة من كثرة المبادرات غير المجدية هل هي للكسب السياسي ام للمصلحة الحزبية وفي الحالتين لا تحقق اهدافها، وانما كي تنجح المبادرة وتسهم في وضع الحول تحتاج لثلاث امور وهي:

1- ان تحاكي المشكلة المطروحة وتصاغ بناءاً على حجم وطبيعة الاشكالية وتشمل قدر الامكان كافة الاطراف ذات العلاقة.

2- ان تضع على سلم اولوياتها المصلحة العامة والوطنية.

3- لا ضير من تبنيها من جهة سياسية شريطة ان تصاغ من قبل لجنة مختصة وان تتولد النية الصادقة لتحقيقها والبدء بلملمة الخلاف السياسي ومن ثم المجتمعي.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق