انتهيت قبل قليل من مشاهدة فيلم الجوكر. أنا لست من هواة متابعة افلام الأبطال الخارقين (Super Hero) ولكن إرتأيت مشاهدة هذا الفيلم بعد ضجة احدثها وتأثير في نفوس البعض جرهم أن يتبنوا شخصية الجوكر اما شعار في التظاهرات، أو بالإشارة لها بوسائل الإعلام ووسائل التواصل...

انتهيت قبل قليل من مشاهدة فيلم الجوكر. أنا لست من هواة متابعة افلام الأبطال الخارقين (Super Hero) ولكن إرتأيت مشاهدة هذا الفيلم بعد ضجة احدثها وتأثير في نفوس البعض جرهم أن يتبنوا شخصية الجوكر اما شعار في التظاهرات، أو بالإشارة لها بوسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أو ممن غير صورته الشخصية بصورة الجوكر في وسائل التواصل الاجتماعي أو ممن إستخدمه في منشور في وسائل التواصل الاجتماعي.

هذا بالإضافة لوجود ممثلين رائعين هما العبقري خواكين فينكس (Joaquin Phoenix) والرائع روبرت دينيرو (Robert De Niro) في أداء رائع ومبهر لهما كالعادة.

من الممكن للأفلام أن تؤثر في طريقة تفكير البعض مثلما قد لا تأثر أصلاً على اخرين حسب غزارة وجودة فكر المتلقين. قد تكون الأفلام مجرد وسيلة لمتعة المشاهدة فقط أو تكون مجرد تجربة جمالية تصويرية لا أكثر. ولربما هنالك بعض الناس ممن تتطابق توجهاتهم الفكرية والسياسية في مشاهد في فيلم لم يشاهدوه اصلا بل لم يسمعوا به.

تدور أحداث الفيلم حول شخصية الجوكر (The Joker) من سلسلة القصص المصورة الشهيرة بات مان (Batman). يركز نص الفيلم الحالي لسنة 2019 عن كيفية ظهور شخصية الجوكر وهو مهرج وفنان كوميدي اسمه ارثر فليك (Arthur Fleck) يعمل في شركة تقديم عروض واعلانات حسب الطلب ويتزين موظفيها بطلاء المهرج (الجوكر). كما ويقدم عروض كوميدية في نوادي وصالات بوجهه الحقيقي من دون طلاء المهرج.

ارثر مضطرب نفسيا ويسيء المجتمع معاملته ولا يحترمه، ولكنه بالرغم من ذلك يأخذ علاجه بانتظام ويعتني بأمه جيداً يطعمها ويعتني بها لكونها مريضة وكبيرة في السن. يذهب ارثر لمركز الرعاية الاجتماعية طلبا للاستشارة والمعونة المادية ولتحصيل علاجه النفسي. بالرغم من ذلك هو يحب عمله كمهرج وفنان كوميدي.

في المشهد الاول من الفلم يبدو ارثر متزيناً بزي عمله كمهرج وهو فرحاً ماسكا لوحة اعلانية في شارع مزدحم ويرقص ويدعو الناس لقرائتها. فجأءة يهجم عليه مجموعة من الشباب المراهقين ويسرقوا لوحته الاعلانية فيركض خلفهم ليسترجعها وفي أحد الشوارع الخليفة الخالية حيث توقف الشباب طالبهم بإعادة اللوحة الاعلانية فيكمن له احدهم ويضربه باللوحة الاعلانية الخشبية ذاتها ويكسرها برأسه ثم ينهالون عليه بالضرب وهو مطروح أرضاً وسط شارع مليء بالنفايات.

يطالبه مديره بإعادة اللوحة الاعلانية التي سرقها للمحل الذي استأجره. يخبره ارثر بأنه لم يسرقها ويوضح له حقيقة ما حصل ولكن المدير يصيح بوجهه أن يكف الكذب وان لم يسترجعها سيخصم من راتبه.

اثناء تبديله لملابسه مع مجموعة من مهرجين اصدقاءه في مكان عمله. يقترب منه صديق مهرج اخر في العمل ليعطيه مسدس ليدافع عن نفسه في المرة الثانية التي يهاجمه احد. يخاف ارثر ويقوم بإخفاء المسدس. أخبره هذا المهرج أنه سوف لن يخبر أحدا بشأن المسدس لأنهما أصدقاء.

يتم اغلاق مركز الرعاية الاجتماعي بقرار حكومي وعلى اثر ذلك يتوقف العلاج الذي كان يستلمه عن طريق هذا المركز.

في إحدى الليالي واثناء عودة ارثر من عمله مستقلاً قطار الانفاق، يتحرش بفتاة مجموعة من الشباب السكارى والذين يبدون من ملابسهم أنهم من طبقة راقية مترفة. تهرب الفتاة منهم فيتوجهون لأرثر الذي كان جالس طول الوقت من دون أن يعمل أي شيء ولكن تأتيه نوبة ضحك هستيرية وهي جزء من مرضه النفسي حيث يضحك من دون سبب ولا يستطيع التوقف عن الضحك.

يهجم عليه الشباب الثلاثة المترفين ويلكموه ويركلوه فيخرج مسدسه ليقتل اثنين منهم ويصيب اخر. يزحف هذا المصاب خارج القطار فيتبعه ارثر ماشيا ويقتله بكل هدوء وبدم بارد.

في اليوم التالي يمارس ارثر عمله بشكل طبيعي كمهرج حيث ارسلت في طلبه مستشفى أطفال ليمثل امامهم ويضحكهم برقصات فكاهية وفجاءة يسقط مسدسه امام الأطفال فيقوم بالتقاطه والهروب للشارع.

يتصل بمديره بعد أن ابلغوا عنه ليوضح له ارثر ان المسدس لعبة وليس حقيقي وهو جزء من العرض فيخبره المدير ان صاحبه المهرج الاخر الذي أعطاه المسدس أخبره بقصة المسدس فلا داعي للكذب ويقوم بطرده من العمل.

وعند زيارة صديقه المهرج صاحب المسدس له بعد فصله من العمل ليواسيه مع مهرج قزم اخر في شقته البسيطة من دون معرفة أن ارثر يعلم أنه هو من بلّغ عنه، فيقوم ارثر بطعنه بمقص ويقتله من دون حتى أن ينتظر ليتحدثوا قليلاً ومن ثم يترك المهرج القزم يرحل بعد أن قبّل رأسه وودعه مبتسماً قائلا له انت الوحيد الذي كنت تعاملني بلطف في مشهد يمثل الانتقام والتلذذ به وصناعة التبريرات لارتكاب المحظورات.

تشك الشرطة بارثر فيلحقونه ليحققوا معه فيركب قطار الانفاق المكتظ بجماعة كبيرة ترتدي قناع الجوكر بعد أن راقهم قتل ارثر (الجوكر) للشباب الثلاثة المترفين حيث افاد شهود في نشرات الاخبار ان القاتل كان صابغا وجهه بطلاء المهرج.

واثناء تدافع رجلي الشرطة ليفسحوا مجال لإلقاء القبض عليه يخطئ شرطي بإطلاق النار على احد الركاب أثر التدافع فينهال عليه شلة مرتدي قناع الجوكر بالضرب ويسحبوهما على الأرض وينهالون بالتعذيب والضرب على الشرطيين في مشهد يرمز لتحدي القانون وسقوطه.

كان الجوكر يضحك بهستريا عالية موضحا سبب ضحكته ان عنده حالة نفسية ولا يمكنه السيطرة على نوبات ضحكه الهستيرية كما اشرت. ولكن بعد ارتكاب جريمة القتل في قطار الأنفاق كانت ضحكاته هذه المرة بفرح.

على اثر حادث قتل الشباب المترفين الثلاثة تحدث فوضى في مجتمع مدية غوثام (Gotham) فيعتبره الكثيرين بطلا ويقومون بأعمال شغب.

تبرز شخصية ارثر الثانية (Alter Ego) الشخصية البديلة (وهي شخصية مغايرة تبرز بدل الشخصية الاعتيادية) طبعا (Ego) هي الأنا التي تمثل الشخصية الطبيعية (الاعتيادية) الظاهرة للعيان.

أي وجود شخصيتين (Ego) و(Alter Ego) وسرعان ما تسيطر الشخصية البديلة وتبرز اكثر من الشخصية الاعتيادية تماشياً من الظروف، تتلون الشخصية لتتلائم مع مجاميع معينة وكذلك لتركب موجة تيار لتسير معه.

يتحول ارثر من مهرج نكرة ومنسي وبسيط ومنطوي على نفسه إلى محتفل منتصر (الجوكر).

يستضيفه مقدم برامج ساخر (روبرت دينيرو) قد سخر منه سابقا اثر عرض فديو له بنادي يقدم عرض كوميدي فتأتيه نوبة الضحك الهستيرية وهو على منصة العرض. فيسخر منه مقدم البرنامج بعد عرضه فديو الحادثة امام المشاهدين وفي التلفزيون وكان ارثر يحرص على متابعه برنامجه حيث كان يحبه ويحترمه كثيراً. فيصاب بالصدمة من السخرية منه لدى متابعته حلقة البرنامج.

يتصل به مقدم البرنامج ويعرض عليه الظهور معه بحلقه ليمزحوا حول الموقف المحرج الذي تعرض له ارثر وضحكته الهسيترية تلك ويتبادلوا الحديث مع بقية الضيوف كما يفعل مقدم البرنامج الساخر عادة حيث يحاول أن يضحك مشاهديه بطرائف ومواقف من الحياة اليومية.

في استوديو التصوير للبرنامج الساخر، يتزين ارثر بطلاء المهرج (الجوكر) ويطلب من مقدم البرنامج ان يقدمه للناس باسم الجوكر. في مشهد يوضح غروره وحبه لأن يبرز ويشتهر.

كان مقدم البرنامج لطيفاً جداً معه وطلب منه في غرفة تغيير الملابس أن يتكلم بحريته ويسخر ويمزح ولكن من دون أن يشتم.

اثناء اللقاء يعترف أرثر أنه هو من قتل الشباب الثلاثة ولقد استمتع كثيرا بقتلهم مبررا انه لو كان هو القتيل لما التفت اليه احد لأن المجتمع المترف والنظام الفاسد لا يعر اهتمام لهم وفقط يركز على قتل ثلاثة شباب فاسدين ومترفين ولا يركز على بقية المجتمع المهمش والمهمل في مشهد اخر يدعم تبريرات العنف والتعدي على القوانين واحداث الفوضى ومحاولة كسب الجمهور.

ومن ثم يلتفت لمقدم البرنامج قائلا له أنه سئم من سخرية الناس له ووصف مقدم البرنامج أنه كبقية هؤلاء الناس فيخرج مسدسه ويقتله على الهواء مباشرة ببث حي. فيهرع رجال شرطة لداخل الاستويدو ليعتقلونه.

ومن داخل سيارة الشرطة التي تسير به في الشوارع بطريقها لمركز الشرطة يشاهد (الجوكر) الفوضى والحرق لمرتدين قناع الجوكر في الشوارع فيقوم سائق إسعاف من شلة الجوكر بدهس سيارة الشرطة وإخراج الجوكر الذي يصعد أعلى سيارة الشرطة محتفلا راقصا في رمزية توضح أن لا شيء واضح واختلطت الأمور، فسيارة اسعاف مهمتها انقاذ الناس تقوم بدهس سيارة شرطة ترمز لتطبيق القانون فتقتل شرطيين جالسين في الامام كانا يؤديان واجبهما الوظيفي لإنقاذ الجوكر الجالس في الخلف والذي قبل قليل ارتكب جريمة قتل بدم بارد علانية امام جمهور الحاضرين وامام عدسات الكاميرا.

في الوقت ذاته يقوم مرتدي قناع جوكر اخر بمتابعة عمدة المدينة توماس وين (Thomas Wayne) المحبب للكثير من الناس ولكنه من الطبقة الغنية المترفة حيث كان سائرا مع زوجته وابنه فيقوم مرتدي قناع الجوكر بقتله وقتل زوجته في مشهد يرمز لتحدي السلطة ومواجهتها بالعنف.

كاتب نص فيلم الجوكر (The Joker) 2019 ومنتجه ومخرجه بنفس الوقت هو تود فيليبس (Todd Philips) وأما من ألف وأدخل شخصية الجوكر أساساً في سلسلة قصص باتمان فهم جيري روبنسون (Jerry Robinson) وبيل فنكر (Bill Finger) وروبرت كين (Robert Kane). هؤلاء جميعهم يهود وسأوضح لماذا اشرت لديانتهم.

كان اول اصدار لقصة باتمان منتصف سنة 1939 وكان ظهور شخصية الجوكر في العدد الصادر في الشهر الرابع لسنة 1940. (معلومات ديانة الأشخاص والتواريخ من موقع ويكيبيديا).

لربما تأثر الكُتاب من خلقوا شخصية الجوكر بما حصل لليهود في الحرب العالمية الثانية التي اندلعت سنة 1939 وتضرر بسببها اليهود كثيرا وارتكبت بحقهم مجازر بشعة وربما لذلك جعلا من الجوكر شخصية مضطربة نفسيا منتقمة تبرر العنف والقتل جزاء ما حصل للجوكر من إهمال وانتهاك في مدينة غوثام. وبالنسبة للمخرج تود فيليبس فهو مخرج افلام كوميدية فقط فلدى سؤاله عن سبب تغيير نمطه ليخرج فيلم مثل (الجوكر) فأجاب بسبب ثقافة اليقظة (woke culture) حيث اشار أن المواضيع الكوميدية غير متصلة بما يدور في المجتمع وقال بالنص (Fuck comedy) سأتناول فيلم من عالم الكتاب المصور (يقصد الجوكر) واقلب فكرته رأسا على عقب بهذه الطريقة (يقصد طريقة اخراجه للفلم).

(https://www.buzzfeednews.com/article/davidmack/todd-phillips-joker-woke-culture-comedy)

(https://www.indiewire.com/2019/10/todd-phillips-left-comedy-joker-woke-culture-1202177886/)

وتعريف هذه الثقافة ليس من خلال ترجمة كلماتها ولكن (woke culture) هي توجه ثقافي وفكري يركز على مواضيع العدل الاجتماعي والعنصرية والفوضوية واول من تبناها السود الامريكيين في دفاعهم عن حقوقهم ضد التمييز العنصري في امريكا.

وعودة لفيلم الجوكر ومن اتخذه كرمز منتفض او بدّل صورة ملفه الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي بصورة جوكر او من رفع صورته او قام برسمه أو ممن تأثر به فأرجو أنك عرفت أي جوكر هو وأي رمزية يُتلاعب بالعقول بها.

اول طريق للنفاق هو التبرير

الجوكر استخدم تبرير لكل جريمة ارتكبها وكان تبريره مقنعا للكثيرين ليرتكبوا جرائم مماثلة. وكلامي ليس بالضرورة لمن تأثر بفكرة الجوكر وإنما قصدي للجميع حتى لمن لم يسمع بالجوكر اصلاً فهذه الحالات تحصل في النفس البشرية بطرق تفكير عدة ولأهداف عدة وبمبررات عدة.

الانتقام، الحقد، هياج الغضب، نار العصبية، السلب والنهب، التهجم بشراسة لمجرد خلاف في الرأي، القتل وتبرير القتل كمقبول سلبي، الحرق وتبرير الحرق كمقبول سلبي وردة فعل، تصفية الحسابات وبث الإشاعات ونشرها، كلها مبررات تؤدي للنفاق.

استمرار التبرير سيؤدي لأسوأ من مجرد النفاق بل للقتل والتصفية والتهديد ونشر المفاسد المجتمعية ونشر تحريضات العنف وإحداث دمار في النفوس قبل البنى التحتية.

كانت كتابة هذه المقالة قبل فترة من الزمن ولكن للانشغال فلم اتكمن من نشرها في وقتها.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق